بعد مرور أكثر من 90 يوما على الانتفاضة الشعبية التى قام بها الشعب اللبنانى ضد الفساد الذى أدى لانهيار اقتصاد البلاد وتأزم معيشة اللبنانيين ـ على حد وصف المتظاهرين ـ وسط تعثر محاولات تشكيل الحكومة الجديدة، تحولت المظاهرات السلمية لمواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن وكان آخرها ما وقع فى محيط البرلمان اللبنانى ببيروت ، والتى أسفرت عن جرح 400 من المتظاهرين وقوات الأمن وفق الوكالة الفرنسية، بينما استخدمت القوات الأمنية خراطيم المياه لتفريق المحتجين الذين رشقوها بالحجارة.
وجابت 3 مسيرات عدة شوارع فى بيروت شارك فيها مئات الناشطين، معلنين رفضهم تشكيل حكومة من الطبقة السياسية الحاكمة، يأتى ذلك فى الوقت الذى حذرت فيه الولايات المتحدة من إيقاف المساعدات فى حال لم تلتزم الحكومة بتنفيذ الإصلاحات، وأكد مسؤول فى وزارة الخارجية الأمريكية "إن أى حكومة تثبت ذاتها من خلال الأفعال".
وفى غضون هذا تراس العماد ميشال عون رئيس لبنان اجتماعا أمنيا فى قصر بعبدا على خلفية أحداث العنف التى وقعت بمحيط البرلمان ، وتقرر خلاله اتخاذ التدابير الامنية اللزمة لحماية المتظاهرين السلميين وردع المجموعات التخريبية والتنسيق مع القضاء بشأن تطبيق القوانين الرادعة.
جنبلاط يحذر
دفع تأزم الأوضاع فى لبنان الزعيم السياسي الدرزي اللبناني وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي للقول بأن " العنف يعقد الأمور ولا يخدم القضية اللبنانية " ، كما أشار جنبلاط إلى أن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان حاليا بأنها من أقسى وأصعب الأزمات في تاريخ البلاد.
جاء ذلك في تصريحات صحفية أدلى بها عقب لقاء عقده مساء أمس مع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري.
وقال جنبلاط إنه والحريري حينما دافعا قبل يومين عن بيروت في مواجهة موجة العنف والشغب الأخيرة التي ضربت العاصمة، لم يكن هذا الأمر من قبيل الدفاع عن حجارة وإنما عن أهل بيروت، مشددا على أهمية التزام الحراك الشعبي لسلمية التعبير عن مواقفه.
وأشار إلى أنه يتمنى للحكومة الجديدة، حال تشكيلها، التوفيق وأنه سيؤيد أي فكرة تنموية وإصلاحية تخرج بها الحكومة المقبلة، معربا في هذا الصدد عن دهشته البالغة إزاء عدم القدرة على تشكيل الحكومة الجديدة على الرغم من أن فريقا سياسيا واحدا هو الذي يعمل على تأليفها، وحالة الاختلاف والتباين الكبيرة داخل هذا الفريق الذي يشكل حكومة من "لون سياسي واحد".
استخدام قنابل مسيلة للدموع
اتهم المتظاهرون في لبنان القوى الأامنية بالإفراط فى استخدام القنابل المسيلة للدموع مؤكدين إنها "أقوى وأكثر تأثيراً" من تلك التي كانت تستخدم خلال مظاهرات عام 2015، التي اندلعت إثر مشكلة تراكم النفايات في الشوارع.
وقال بعضهم إن القنابل منتهية الصلاحية، بسبب الأرقام المدوّنة على العبوات، ممّا اعتبروه تفسيراً لحدّتها وتأثيرها عليهم. وبالفعل وجد تلك العبوات تنقسم إلى نوعين إلا أنها لا تحتوي على أي تاريخ انتهاء صلاحية، خلافاً لاعتقاد المتظاهرين، وفق البى بى سى.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى من اللبنانيين صوراً لما تبقى من عبوات القنابل فيما بينهم محاولين معرفة ما تغيّر، وتحدّث البعض عن استخدام نوعين من هذه القنابل على مدى الشهرين الأخيرين، بحسب التأثيرات التي لاحظوها، وقد استخدمت قوات الأمن اللبنانية قنابل مسيلة للدموع من صناعة شركة "SAE Alsetex" المثيرة للجدل لتفريق المظاهرات السلمية في بيروت.
النوع الأول هو قنابل G1، التي يبلغ قطرها 56 مليمتر ووزنها 350 غراما وبتركيز 10 في المئة من غاز "سي اس" المسؤول عن تسييل الدموع والصعوبات التنفسية.
والنوع الثاني CM6، التي يبلغ قطر النوع الأول منها 56 مليمتر ووزنها 250 غراما وبتركيز 10 في المئة من غاز "سي اس". أمّا النوع الثاني منها فيبلغ قطره 40 مليمتر ولكن بتركيز 13 في المئة من غاز "سي اس". ومن الممكن أن تكون قوات الأمن قد استخدمت الحجمين خلال المظاهرات.
وقد أثار مقطع فيديو متداول لفتاة لبنانية تحدت قوى الأمن ضجة بين اللبنانيين خلال مشاركتها بالاحتجاجات التى تجتاح شوارع العاصمة اللبنانية احتجاجًا على السلطة الحاكمة للبلاد، وتحولت تلك الفتاة إلى رمز جديد للثورة اللبنانية، بعدما قررت تحدى رجال الشرطة بمفردها بعد اعتدائهم على المتظاهرين، حيث اعتلت السياج الحاجز بين الأمن والمتظاهرين.
وتداول مواطنون لبنانيون، مقطع الفيديو للفتاة أعلى السياج السلكى عبر مواقع التواصل الاجتماعى ضمن مشاركاتهم على هاشتاج "لبنان ينتفض".
ويظهر الفيديو تحدى الفتاة للجنود المتحصنين وراء الأسلاك والعصى والدروع، فيما أشاد الجميع بجراءتها، خاصة بعدما صعد بعض المتظاهرين على الحاجز لمساعدتها بالنزول إلى الأرض بينما رفضت وفضلت البقاء متحدية الجنود، إلا أنها بعدما عادت لصفوف المتظاهرين تعرضت لحالة إغماء ما دفع المتظاهرين للإسراع باتجاهها وحملها لتقديم الإسعافات اللازمة لها.
الحريرى : لبنان تتجه للمجهول
أما سعد الحريرى، رئيس حكومة تصريف الأعمال فى لبنان، فحمل الجيش اللبنانى والقوى الأمنية مسئولية المواجهات مع التحركات الشعبية فى الشارع، قائلا: "الجيش والقوى الأمنية كافة تتولى مسؤولياتها في تطبيق القوانين ومنع الإخلال بالسلم الأهلي للمواطنين، وهي تتحمل يومياً نتائج المواجهات مع التحركات الشعبية، الاستمرار في دوامة الأمن بمواجهة الناس تعني المراوحة في الأزمة وإصراراً على إنكار الواقع السياسي المستجد".فى تغريدة كتبها عبر حسابه الرسمى على موقع "تويتر"، منذ قليل: "حكومتنا استقالت في سبيل الانتقال إلى حكومة جديدة تتعامل مع المتغيرات الشعبية، لكن التعطيل مستمر منذ تسعين يوماً في ما البلاد تتحرك نحو المجهول والفريق المعني بتشكيل حكومة يأخذ وقته في البحث عن جنس الوزارة".
وتابع: "المطلوب حكومة جديدة على وجه السرعة تحقق في الحد الأدنى ثغرة في الجدار المسدود وتوقف مسلسل الانهيار والتداعيات الاقتصادية والامنية الذي يتفاقم يوماً بعد يوم. استمرار تصريف الاعمال ليس هو الحل فليتوقف هدر الوقت ولتكن حكومة تتحمل المسؤولية".
وبالأمس، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال فى لبنان سعد الحريرى، أنه شعر بالخوف على بيروت، بعد أحداث السبت، وقال: "خفنا على بيروت البارحة لكنها لملمت كعادتها جراح أبنائها من قوى الأمن والمتظاهرين ومسحت عن وجهها آثار الغضب والشغب ودخان الحرائق".
وقال الحريرى فى سلسلة تغريدات عبر تويتر :"خفنا على بيروت البارحة لكنها لملمت كعادتها جراح ابنائها من قوى الأمن والمتظاهرين ومسحت عن وجهها آثار الغضب والشغب ودخان الحرائق، نسأل الله أن يمن على كل المصابين بالشفاء والسلامة وأن يجنب بلدنا خطر الوقوع في الفتن، هناك طريق لتهدئة العاصفة الشعبية، توقفوا عن هدر الوقت وشكلوا الحكومة وافتحوا الباب للحلول السياسية والاقتصادية، بقاء الجيش والقوى الأمنية والمتظاهرين في حالة مواجهة... دوران في المشكلة وليس حلاً".
تزايد حد التظاهر
وقد كان تكليف الدكتور حسان دياب نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت في 19 ديسمبر الماضي بترؤس وتشكيل الحكومة الجديدة،سببا قويا فى ارتفاع نبرة التظاهر فى لبنان ، حيث ارتفعت الأصوات الرافضة له في ضوء مساندة الكتل النيابية لفريق قوى الثامن من آذار السياسي الذي يتزعمه حزب الله لدياب ، غير أن دياب لم يتسن له حتى الآن الانتهاء من تأليف الحكومة في ضوء الصراعات الكبيرة داخل مكونات الفريق الواحد على الأحجام والحصص الوزارية ونوعية الحقائب وأسماء من سيشغلونها.