لم تتوقف مبادرات وزارة الداخلية الإنسانية، الرامية لاحترام حقوق الإنسان ومساعدة البسطاء ورسم البسمة مجدداً على الوجوه، وذلك تزامنا مع احتفالات عيد الشرطة رقم 68، الذى يعيد للأذهان ملحمة الإسماعيلية سنة 1952، عندما تصدى أبطال الشرطة للمحتل الإنجليزى.
وفى هذا الإطار، جاءت منافذ "أمان" التابعة لوزارة الداخلية، لتوفر الأغذية بأسعار مخفضة للمواطنين على مستوى الجمهورية، فى ظل انتشار فروعها ومنافذها فى العديد من المناطق.
وشاركت منافذ أمان فى مبادرة كلنا واحد، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، التى أطلقها اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، من خلال منافذها الثابتة والمتحركة على مستوى الجمهورية وطرح السلع الغذائية بأسعار مخفضة عن مثيلاتها بالأسواق، احتفالا بذكرى "عيد الشرطة".
وجاءت فكرة إنشاء منظومة "أمان"، للمساهمة فى تلبية احتياجات المواطنين من السلع الغذائية الأساسية بأسعار تنافسية، حيث تم افتتاح أكثر من ألف منفذ بكافة محافظات الجمهورية، خاصةً بالمناطق الشعبية والأكثر احتياجاً، منها 734 منفذ ثابت ومحل تجارى، و190، منفذ متحرك، وجارى التوسع فى فروع تلك المنظومة تباعاً.
وتتميز سلع "منافذ أمان" بجودتها العالية مع إنخفاض أسعار، حيث توفر اللحوم والسلع الاستراتيجية، وساهمت في إجبار التجار على خفض الأسعار، فضلاً عن توفر السلع على مدار الـ 24 ساعة بكميات كبيرة.
ولا تكتفي وزارة الداخلية بمنافذ أمان الثابتة في كافة ربوع الجمهورية، وإنما تحرك سيارات متحركة محملة بالأغذية تقصد الأماكن النائية والقرى والنجوع لتوفير السلع للمواطنين.
وتوزع الداخلية خلال المناسبات ، مثل شهر رمضان "كراتين" غذائية بالمجان، لتوفير حاجة المواطنين من الأغذية، خاصة البسطاء منهم.
الأمر لم يقتصر عند هذا الحد، وإنما تخطى ذلك وصولاً لإنشاء فرع "أمان الخير" والتي ساهمت في إجراء عمليات جراحية لبعض المواطنين غير القادرين وتحمل مصاريفها، فضلاً عن إعادة ترميم بعض دور الأيتام.
وتبدأ قصة معركة الشرطة فى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952 حيث قام القائد البريطانى بمنطقة القناة "البريجادير أكسهام" باستدعاء ضابط الاتصال المصرى، وسلمه إنذارا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن منطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة فما كان من المحافظة إلا أن رفضت الإنذار البريطانى وأبلغته إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية فى هذا الوقت، والذى طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
كانت هذه الحادثة أهم الأسباب فى اندلاع العصيان لدى قوات الشرطة أو التى كان يطلق عليها بلوكات النظام وقتها، وهو ما جعل اكسهام وقواته يقومان بمحاصرة المدينة وتقسيمها إلى حى العرب وحى الإفرنج، ووضع سلك شائك بين المنطقتين، بحيث لا يصل أحد من أبناء المحافظة إلى الحى الراقى مكان إقامة الأجانب.
هذه الأسباب ليست فقط ما ادت لاندلاع المعركة، بل كانت هناك أسباب أخرى بعد إلغاء معاهدة 36 فى 8 أكتوبر 1951 غضبت بريطانيا غضبا شديدا، واعتبرت إلغاء المعاهدة بداية لإشعال الحرب على المصريين ومعه أحكام قبضة المستعمر الإنجليزى على المدن المصرية ومنها مدن القناة والتى كانت مركزا رئيسيا لمعسكرات الإنجليز، وبدأت أولى حلقات النضال ضد المستعمر، وبدأت المظاهرات العارمة للمطالبة بجلاء الإنجليز.
وفى 16 أكتوبر 1951 بدأت أولى شرارة التمرد ضد وجود المستعمر بحرق النافى وهو مستودع تموين وأغذية بحرية للانجليز كان مقره بميدان عرابى وسط مدينة الإسماعيلية، وتم إحراقه بعد مظاهرات من العمال والطلبة والقضاء عليه تماما، لترتفع قبضة الإنجليز على أبناء البلد وتزيد الخناق عليهم، فقرروا تنظيم جهودهم لمحاربة الانجليز فكانت أحداث 25 يناير 1952.
وبدأت المجزرة الوحشية الساعة السابعة صباحا، حيث انطلقت مدافع الميدان من عيار 25 رطلا ومدافع الدبابات (السنتوريون) الضخمة من عيار 100 ملليمتر تدك بقنابلها مبنى المحافظة وثكنة بلوكات النظام بلا شفقه أو رحمة، وبعد أن تقوضت الجدران وسالت الدماء أنهارا، أمر الجنرال إكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة لكى يعلن على رجال الشرطة المحاصرين فى الداخل إنذاره الأخير وهو التسليم والخروج رافعى الأيدى وبدون أسلحتهم، وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة.
وتملكت الدهشة القائد البريطانى المتعجرف، حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية، وهو النقيب مصطفى رفعت، فقد صرخ فى وجهه فى شجاعة وثبات: لن تتسلمونا إلا جثثا هامدة، واستأنف البريطانيون المذبحة الشائنة فانطلقت المدافع وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المبانى حتى حولتها إلى أنقاض، بينما تبعثرت فى أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة.
وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين فى مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز (لى إنفيلد) ضد أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم، وسقط منهم فى المعركة 56 شهيدا و80 جريحا، بينما سقط من الضباط البريطانيين 13 قتيلا و12 جريحا، وأسر البريطانيون من بقى منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف ولم يفرج عنهم إلا فى فبراير 1952.
ولم يستطع الجنرال إكسهام أن يخفى إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال: "لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا".
وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم وحتى تظل بطولات الشهداء من رجال الشرطة المصرية فى معركتهم ضد الاحتلال الإنجليزى ماثلة فى الأذهان ليحفظها ويتغنى بها الكبار والشباب وتعيها ذاكرة الطفل المصرى وتحتفى بها.