هل أحاديث عذاب القبر موضوعة ؟..هكذا أجاب البخارى فى صحيحه بإفراده باب: ما جاء في عذاب القبر حيث أستهل ذلك بافتتاحية قوله تعالى " إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون"، وقوله تعالى "وحاق بآل فرعون سوء العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.
ومن الأحاديث التى ذكرت فى صحيح البخارى "حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أقعد المؤمن في قبره أتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت})،حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا يعقوب بن إبراهيم: حدثني أبي، عن صالح: حدثني نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أهل القليب، فقال: (وجدتم ما وعد ربكم حقا). فقيل له: تدعو أمواتا؟ فقال: (وما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون).
و حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول حق). وقد قال الله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى}، حدثنا عبدان: أخبرني أبي، عن شعبة: سمعت الأشعث، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر. فسألت عائشة رضي الله عنها عن عذاب القبر، فقال: (نعم، عذاب القبر حق). قالت عائشة رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر.
دار الإفتاء المصرية أكدت أن عذاب القبر ونعيمه من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا عن طريق الوحي، والإيمان بالغيب هي أول صفة للمتقين جاءت في القرآن الكريم؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۞ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ ،وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة من السنة النبوية الشريفة التي أُمِرنا بالأخذ بها وتصديقها؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.
وأخبرنا سبحانه أن كل ما يصدر عنه صلى الله عليه وآله وسلم فهو وحيٌ يجب الإيمان به؛ فقال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۞ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾،وورد في القرآن الكريم ما يدل على عذاب القبر في قوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ ، فعرضهم على النار غدوًّا وعشيًّا هو ما يلقونه في البرزخ من عذاب القبر قبل يوم الساعة، وبعدها يُدخَلُون أشد العذاب.
وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ ؛ لأن قبض الملائكة لأرواحهم عند الوفاة يليها عذاب مباشر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ﴾، وهذا يكون قبل القيامة، أي: في القبر.
من المقرر عقيدةً أن عذاب القبر ونعيمه حقٌّ؛ فقد أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ»، وهذا ثابت في الإسلام بأدلة متكاثرة، منها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ» رواه الترمذي؛ فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ» دليل على أن عذاب القبر ثابت.
وروى زِرُّ بن حُبَيش عن علي رضي الله عنه قال:" كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه السورة: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ • حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ • كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [التكاثر: 1- 3] يعني: في القبور".
أخرج الشيخان وابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «نَعَمْ، إِنَّهُمْ لَيُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ» "مسند أحمد".
وأخرج الشيخان وابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ على قبرين، فقال: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ في كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا".
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "يُضَيَّق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وهو المعيشة الضنك"، وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أتدرون ما المعيشة الضنك»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «عذاب الكافر في القبر، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينًا، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية تسعة أرؤس ينفخن في جسمه ويلسعنه ويخدشنه إلى يوم القيامة، ويحشر في قبره إلى موقفه أعمى".
ولقد أخرج أحمد والحاكم والترمذي في "نوادر الأصول"، والبيهقي في كتاب "عذاب القبر"، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي جَنَازَةٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ قَعَدَ عَلَى شَفَتِهِ، فَجَعَلَ يَرُدُّ بَصَرَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «يُضْغَطُ الْمُؤْمِنُ فِيهِ ضَغْطَةً تَزُولُ مِنْهَا حَمَائِلُهُ، وَيُمْلأُ عَلَى الْكَافِرِ نَارًا»، ثُمَّ قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ اللهِ: الفظ الْمُسْتَكْبِرُ، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ عِبَادِ اللهِ: الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ ذُو الطِّمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّ اللهُ قَسَمَهُ». والحمائل هنا: عروق الأنثيين.
وأخرج أحمد والحاكم والترمذي والطبراني والبيهقي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِي رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يوْمًا إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه حِينَ تُوُفِّيَ، قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم َووُضِعَ في قَبرِهِ وَسُوِّيَ عَلَيْهِ سَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فسَبَّحْنَا طَوِيلًا، ثُمَّ كَبَّرَ، فَكَبَّرْنَا، فَقِيلَ: يَا رَسُـولَ اللهِ، لِمَ سَبَّحْتَ ثُمَّ كَبَّرْتَ؟ قَالَ: «لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ قَبْرُهُ حَتَّى فَرَّجَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ".
وعلى ما سبق: فإن عذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، ولا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينكر عذاب القبر ونعيمه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة