فى العام المقبل تكمل 25 يناير عامها العاشر وتستحق بالفعل أن يتم التعامل معها باعتبارها واقعا زلزاليا مر على مصر وترك آثاره فى تفاصيل كثيرة وعلى نواح متعددة فى السياسة والاقتصاد والمجتمع نفسه بعد يناير ليس هو قبله، وإذا عرفنا أن حدث مقل 23 يوليو لايزال يثير الجدل يمكن تفهم حجم الارتباك والتردد فى تقييم الأحداث السياسية كما حدثت وليس كما يراها البعض أو ينظر إليها البعض الآخر، فقد كانت هناك صورة حقيقية لجموع خرجت تحمل مطالب فى التغيير، وفى خلفيتها صورة لدى كل من شارك فيها سواء مشاركا أو مراقبا، ولم تكن 25 يناير أمرا منفصلا عما سبقه، ولها جذور تصل إلى 10 سنوات وربما أكثر.
واللافت للنظر أن 25 يناير أصبحت تحتل مكانها أكثر على مواقع التواصل الاجتماعى، ليوم أو عدة أيام، فى بوستات تحمل عبارات الحنين أو الرفض، بوستات وتويتات يعلن أصحابها أنها أعظم حدث وأجمل 18 يوم وأغلى ذكرى، وفى المقابل هناك من يعتبرها أسوأ الأيام وأكثرها رعبا وخوفا، الكل يكتفى بهذا القدر، من الكلام. الطرفان يقفان عن 15 يوما، بالرغم من أن ما جرى فى الواقع كان ما بعد هذه الأيام.
لم تكن 25 يناير منفصلة عما قبلها، ولا حدثا بعيدا عن تراكمات السياسة داخليا وخارجيا، سبقتها إنذارات ورسائل من الجماهير لم تستقبلها السلطة، كانت هناك حالة من الغرور أصابت السلطة ومنحتها ثقة مبالغا فيها، وهى نفس الثقة التى أصابت عددا لابأس به ممن تصدروا الزعامة والصورة، وبقدر ما كانت يناير دليلا على ضعف السلطة كانت أيضا مؤشرا على ضعف التيارات السياسية التقليدية، وجهل الكثير من التيارات التى ولت بسرعة وعلى عجل، وربما يتجاهل بعض ممن يفتخرون بالأحداث أن من تصدروا الصورة وتسلموا القيادة السياسية لم يكونوا هم من شاركوا فى الأحداث العفوية التى رافقت الثورة، ويتجاهلون أن عددا ممن تم اعتبارهم شهداء لم يكونوا أكثر من خارجين وليسوا ثوارا، وأن الحرق والتخريب كان أمرا خارج سيطرة الجميع باستثناء بعض المدعين السطحيين الذين خرجوا ليعترفوا بالعنف علنا.
ثم إن الذين تصدروا المشهد واحتلوا المواقع التشريعية والتنفيذية لم يكونوا مختلفين عن سابقيهم إلا بالصوت العالى والطنطنة باسم الثورة ومطالبها، ولا يمكن الادعاء بأن الإخوان كانوا الخيار الأنسب للحزب الوطنى، وقد استقدموا الإرهابيين السابقين والمتطرفين ليضعوهم فى مقاعد السلطة، وتفرجنا على برلمان الأذان والضجيج، ورئيس تابع لتنظيم كاد يسحب البلاد للحرب الأهلية.
ولم يحدث أن جلس الطرفان، من يحنون إلى 15 يوما عظيمة، ومن يرونها بداية خراب، ليناقشا الحدث طوال 12 شهرا وليس فى يوم واحد.
و بين هؤلاء وأولئك ملايين الناس العاديين الذين شاركوا وشعروا بالقلق وشاهدوا لحظات قفز إلى مجهول، وتسلق انتهازيين وقطاع طرق إلى الأحداث ورغبات وهتافات لا علاقة لها بالتغيير، ومن عينوا أنفسهم وكلاء للثورة والديمقراطية وأيضا من تاجروا وتربحوا بالثورة فى الداخل والخارج.
كانت السياسة ولاتزال لعبة معقدة، فى كل وقت، وأكثر من أن تكون مجرد بوست لطيف، أو جملة ساخرة لإرضاء المتابعين، لقد كانت السنوات التسع كلها سنوات كبيسة إذا نظرنا إليها من خارج فيس بوك، وأيضا من داخله، سنوات تستحق أن يتم بحثها ودراستها، فلم تكن حدثا عابرا، لأنها غيرت، ولاتزال تؤثر، فى الحاضر والمستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة