سؤال ضرورى: ليه النصوص المقدسة محتاجة تأويل؟

الإثنين، 27 يناير 2020 11:00 م
سؤال ضرورى: ليه النصوص المقدسة محتاجة تأويل؟ القرآن الكريم
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن تأويل النصوص المقدسة واحدة من الإشكاليات الكبرى فى تاريخ الأديان، ودائما هناك من يقبلها وهناك من يرفضها وهناك من يقبلها بشروط، وحسب القبول والرفض يتأثر التفسير الذى يتعامل معه الناس بشكل أو بآخر.. لكن المفكر العربى الكبير فراس السواح يذهب إلى وجوب التأويل ويحدد لماذا يجب تأويل هذه النصوص.
 
 
يقول فراس السواح فى مقدمة كتابه "إخوان الصفاء وخلان الوفاء" إن النص المقدس بطبيعته نص إشكالى، هذه السمة الإشكالية تنطبق على النص المقدس الإسلامى، مثلما تنطبق على غيره من النصوص المقدسة لأديان الثقافات العليا، فكتاب التاو الصينى بقى موضع تأمل إلهام العقول الصينية الشرق أقصوية، منذ أن وضع الحكيم لاو – تسو قبل ألفين وخمسمائة عام من يومنا هذا، وما زال الجدل قائما بشأنه حتى الآن شرقا وغربا.
 
والمصير نفسه مع كتاب الأوبانيشاد الذى تم تحريره فى الزمن نفسه تقريبا، والذى ميزت كل فرقة هندوسية نفسها اعتمادا على طريقة فهمه وتفسيره، وأناشيد الجاثا التى وضعها زرادشت والت فهمها مفكرو كل طور من أطوار الزرادشتية على طريقته وصولا إلى المجوسية المتأخرة، وكلمات يسوع البسيطة الملغزة فى آن معا، والتى ما زال الاختلاف قائما فى تفسيرها وتأويلها.
 
 
وتنبع إشكالية النص المقدس من عدة عوامل:
الأول: يستخدم النص بنى لغوية وأسلوبية قديمة، متصلة بالعصر الذى دون فيه، فهو ينتمى إلى زمن ماض وبيئة ثقافية واجتماعية مغايرة تماما لبيئة عصر القارئ.
 
الثانى: يتسم النص بلغة أدبية راقية تستنفد كل الإمكانات البلاغية لعصرا، وهى أقرب إلى اللغة الشعرية من حيث الاختصار والإيجاز، وزخم الكلمة والعبارة، وهذا ما يبعدها عن أساليب التعبير النثرية المباشرة الخاصة بالعصر الحديث.
 
الثالث: رسالة النص الدينى عاطفية روحانية، تتوجه إلى القلب قبل العقل، وهى تهدف إلى زرع الإيمان فى تجاوز لطرائق البرهان، فإذا أخضعت بعد ذلك إلى التأمل العقلى، صار الإيمان والبرهان بحاجة إلى ما يؤلف بينهما.
 
الرابع: إن موضوعات النص الدينى، من حيث طبيعتها، تتأبى على الصياغة بمفردات اللغة الاصطلاحية المعدة أصلا للتعامل مع المحسوس والملموس، والتى تغدو عرجاء كلما ابتعدنا عن التعامل مع ظاهر الموجودات فى محاولة للتعبير عن بواطن العلاقة بين النهائى واللانهائى، بين المحدود والمطلق، هنا لا تجد اللغة بدا من اللجوء إلى الإشارات والرموز من أجل التعبير عما يصعب التعبير عنه بالرسائل المباشرة.
 
طريق إخوان الصفا
طريق إخوان الصفا
 
الخامس: يتوج النص الدينى إلى شرائح من الناس تتوزع بين الجاهل والمتوسط والعالم، وعليه أن يصوغ رسالته إليهم على عدة مستويات، بحث تفهم كل شريحة منهم على قدر استيعابا، وذلك انطلاقا من الأوسط الظاهر إلى الأعمق الباطن، من غير الوقوع فى التناقض بين المستويات.
 
السادس: على الرغم من ارتباطه بزمان ومكان معين، فإن النص المقدس فى الديانات العالمية التى تعتمد التبشير بين الأقوام كافة، يسمو على الزمان والمكان، ويتوجه إلى الإنسان فى كل زمان ومكان، وهذا يستدعى بالضرورة احتوائه على معان قريبة مباشرة، وأخرى بعيدة تتفتح تدريجيا بمرور الزمن وبالتطور المعرفى للإنسان. أى إن سعة التجربة المعرفية لكل جيل سوف تقود إلى إدراك مستويات للنص لم يكن بمقدور الجيل الأسبق إدراكها.
 
السابع: إن الكلمات فى أى لغة محتملة للمعانى، والأفهام تذهب فى طلبها كل مذهب، كما تتعدد العبارات الواحدة حتى لو أراد قائلها معنى واحد، وتتعقد هذه المشكلة كلما اتسعت الشقة بين المرسل والمستقبل.
 
ثامنا: لا تنتظم مقولات النص المقدس فى كل متسق، وهو لا يعبر عن نفسه بشكل خطى بمنطق من المقدمات إلى نتائجها، على طريقة النص الفلسفى وإنما عبر لمحات وومضات وإشراقات.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة