بعد مرور 4 عقود كاملة من اقتحام السفارة الأمريكية فى طهران، يبدو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أراد أن يقدم رسالة للعالم، مفادها بأنه لا ينسى ثأره، بعدما نجحت القوات الأمريكية فى استهداف قائد فيلق القدس، قاسم سليمانى، والذى يعد أحد أكبر القيادات العسكرية فى إيران على الإطلاق، على مقربة من مطار بغداد الدولى، بصحبة عدد من قيادات الميليشيات الموالية للدولة الفارسية فى العراق، فى خطوة يراها قطاع كبير من المحللين بأنها الضربة الأقوى التى يتلقاها نظام الملالى، منذ الثورة التى أطاحت بشاة إيران فى عام 1979.
ولعل الضربة الأمريكية الناجحة تحمل أبعادا داخلية لا تقل أهمية عن الرسائل التى تقدمها لخصومها الدوليين، حيث أنها تمثل ترجمة جديدة لشعارات ترامب، خلال حملته الانتخابية الأولى، والتى دارت فى الأساس حول إعادة مكانة الولايات المتحدة باعتبارها القوى الرئيسية المهيمنة فى العالم، فى الوقت الذى يواجه فيه الرئيس الأمريكى حملات شرسة من قبل خصومه الديمقراطيين، لعزله من منصبه، تقودها رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى، بهدف تشويه صورته قبل انطلاق الصراع الانتخابى المرتقب فى نوفمبر من العام الجارى.
إلا أن استهداف سليمانى يعيد إحياء ثقافة الثأر، فى السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك بعد سنوات أوباما، والتى قامت مهادنة الخصوم الرئيسيين الذين طالما مثلوا تهديدا للولايات المتحدة، ومصالحها فى العديد من مناطق العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، وخاصة إيران، والتى لم تقتصر مواقفها مع واشنطن على اقتحام السفارة فى أعقاب الثورة الإيرانية، وإنما امتدت إلى العديد من المواقف الأخرى، أبرزها استهداف الجنود الأمريكيين فى العراق، فى أعقاب الغزو الأمريكى فى 2003، وكذلك استهداف القوات الأمريكية فى العاصمة اللبنانية بيروت، وغيرها.
مفهوم الثأر لدى ترامب يبدو مختلفا، إذا ما قورن بأسلافه، حيث اعتمدت إدارة بوش، على سبيل المثال، على التدخل العسكرى المباشر فى أفغانستان ثم العراق، لإسقاط الأنظمة الحاكمة، بعد أحداث 11 سبتمبر، دون الانتقام المباشر من مسئولى تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم أسامة بن لادن، والذى قتلته إدارة أوباما بعدها بسنوات، ليكون العمل الوحيد الذى يعتبره الديمقراطيون أبرز إنجازاتها فى مجال الحرب على الإرهاب، بينما تراخى تماما فى التعامل مع التهديدات وربما الإهانات التى تعرض لها الجنود الأمريكيون فى العراق وسوريا، على يد الميليشيات الإرهابية.
بينما اتجهت إدارة ترامب إلى الثأر عبر استهداف المؤسسات والشخصيات التى تمثل تهديدا مباشرا لها، بغض النظر عن النظام الحاكم، فلو نظرنا إلى النموذج الإيرانى، نجد أن سليمانى لم يكن الهدف الأول أو الوحيد، وإنما مؤسسة الحرس الثورى برمتها كانت هدفا للولايات المتحدة، منذ صعود ترامب إلى سدة السلطة، حيث اعتبرتها الإدارة منظمة إرهابية، فى خطوة تمثل سابقة من حيث اعتبار فرع رسمى للقوات المسلحة بأى دولة فى العالم تنظيما إرهابيا.
ترامب نجح فى استهداف شخصيات أخرى بعينها، على رأسهم حمزة بن لادن، والذى تم الإعلان عن مقتله بالتزامن مع الذكرى الـ18 لأحداث 11 سبتمبر، وكذلك أبو بكر البغدادى، والذى قتلته القوات الأمريكية فى سوريا، بعد أيام من الانسحاب الأمريكى من هناك، عبر عمليات نوعية، لا تحمل أى مخاطرة بحياة أى جندى أمريكى، على عكس سياسة التدخل العسكرى المباشر التى كلفت واشنطن ملايين الدولارات بالإضافة إلى أرواح ألاف الجنود الأمريكيين، لعقود طويلة من الزمن.