أعلنت المدّعية العامة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة فاتو بنسودا، الجمعة الماضية، أنّه ووفقا للتحقيقات الأوليّة، هناك ما يكفي من الأدلّة لفتح تحقيق خاصّ بجرائم الحرب الإسرائيليّة المزعومة، سواء في الضفّة الغربيّة أو في القدس. وقد ورد هذا الإعلان في بيان لها بالصيغة التالية: "لدي قناعة بأن جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية بما يشمل القدس الشرقية وقطاع غزة" ، وذلك نقلا عن وكالة "رويترز" للأخبار.
من جهتها، رحبت السلطات الفلسطينيّة وتحديدا وزارة الخارجية في بيان لها بمساعي المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في جرائم الحرب بفلسطين، وقد أكّدت السلطات المعنيّة أنّها ستشارك بفعالية في الإجراءات القضائية التي ستشرع فيها المحكمة.
في الجهة المقابلة، ندّدت كلّ من الولايات المتحدة الأمريكيّة وإسرائيل بهذا القرار، معتبرين إيّاه أداة سياسيّة ستوظّفها فلسطين في سبيل تحقيق مكاسب سياسيّة جديدة.
ففي تصريح كتابيّ، أكّد المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيخاي ماندلبليت، أنّ "الموقف القانوني المبدئي لدولة إسرائيل -وهي ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية- يتمثل في أن المحكمة تفتقر إلى الاختصاص فيما يتعلق بإسرائيل". كما اعتبر أفيخاي أن أي تبعات ممكنة لتحقيقات المحكمة هي تبعات "غير قانونية".
في هذا السياق، نذكر أنّ السلطة الفلسطينية قد طالبت المحكمة الجنائية الدولية في مايو 2018 الشروع في إجراء تحقيق بخصوص جميع الجرائم المرتكبة في فلسطين. هذا الطلب، قدّمه حينها رياض الملكي، وزير الخارجية الفلسطيني. وقد ورد في صيغة المطلب التحقيق في الاستيطان الإسرائيلي وحيازة الأراضي الفلسطينيّة بغير وجه حقّ، والقتل العمد الذي يتعرض له المحتجّون السلميّون، خاصة في مظاهرات العودة في قطاع غزة، وغير ذلك من جرائم الاحتلال الكثيرة.
ورغم الاستنكار الواضح لإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، فإنّ الاستثمار الدولي في هذا الموضوع يمكن أن يعود بمنافع سياسيّة كثيرة لفلسطين، وذلك في إطار المنجزات الدبلوماسية التي تسعى السلطات الفلسطينيّة لتدعيمها. لذلك، يُعتبر تصريح المدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة فرصة تاريخيّة للفرقاء السياسيّين لوضع خلافاتهم على جنب والالتفاف حول القضيّة الوطنيّة، ونخصّ بالذكر هنا حركة فتح، نظرا للمسؤوليات السياسية المباشرة الملقاة على عاتقها.
المطلوب من حركة فتح الآن، هو توضيح خطّها السياسي، عبر تقديم جبهةٍ موحّدة تعمل بشكل متناسق ضمن سياسة تواصليّة واضحة. هذا بالإضافة إلى وضع الخلافات السياسيّة على جنب أو على الأقلّ عدم إخراجها ونشرها للعموم. كلّ ذلك سيعزّز من حظوظ الدبلوماسيّة السياسيّة في نيْل أكبر قدر من الدّعم الدوليّ خاصّة حين تكون السياسات مبنيّة على تقارير دوليّة تدين جرائم الحرب في فلسطين.
الأشهرة المقبلة وحدها كفيلة برصد تحرّكات الفعاليات السياسيّة بفلسطين وتقييم نجاعتها، وما إذا كانت ستُسهم في كسب نقاط سياسيّة إضافيّة للقضيّة الفلسطينيّة أو تُهدر فرصة "تاريخيّة" لتوسيع دائرة الدعم التي تحظى بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة