قد يحدث فى كثير من الأحيان أن يصدر حكم إدانة فى جناية، فيلجأ المتهم إلى الطعن فيه بالنقض فيرفض الطعن موضوعا ثم يستشكل المحكوم عليه فى حكم الجنايات السابق برفض الطعن عنه، فتقض محكمة الجنايات برفض الإشكال، فهل يجوز له أن يطعن بالنقض عندئذ فى حكم رفض الإشكال؟
هل وضع المشرع تعريف للإشكال فى التنفيذ؟
فى الحقيقة لم يضع المشرع المصرى فى قانون الإجراءات الجنائية تعريفاً محدداً ودقيقاَ لعملية الإشكال فى التنفيذ، وعليه فقد اجتهد الفقه والقضاء فى وضع تعريف محدد له، وإنما اكتفى ببيان المحكمة المختصة التى يرفع أمامها الإشكال فى التنفيذ وإجراءات نظره والفصل فيه، تاركاً تحديد المقصود به لاجتهادات الفقه والقضاء، وذلك أسوة بالتشريع المقارن لاسيما التشريع الفرنسى، الذى لم يضع تعريفاً للإشكال فى التنفيذ، ويقال بأن قيام المشرع بعدم وضع تعريفاً للإشكال فى التنفيذ يعد أمراً طبيعياً باعتبار أن مهمة التعريف تقع على عاتق الفقه بالدرجة الأولى.
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية تواجه ملايين الأحكام التى تصدر من محكمة الجنايات بشأن الأشكال فى التنفيذ، أو بمعنى أدق الإجابة على السؤال الذى يطرح نفسه بشكل دائم بالنسبة للمهتمين بالشأن القضائى.. هل هناك تلازم أو ارتباط بين خصومتى النقض والأشكال فى التنفيذ؟ أو هل لا يجوز الطعن بالنقض فى الحكم الصادر من محكمة الجنايات برفض الأشكال فى التنفيذ لسبق رفض الطعن بالنقض موضوعا فى الحكم المستشكل فيه؟ - بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر فاروق الأمير.
الإشكال - وفقا لتعريف الفقه
فى البداية يجب أن نعلم أن الإشكال من الناحية القانونية والعملية هو منازعة قانونية أو قضائية الغرض منها وقف إجراءات التنفيذ لأسباب قانونية يتعارض معها تنفيذ الحكم، واستنادا إلى ذلك لا يعتبر إشكالا فى التنفيذ العقبات المادية التى تعترض التنفيذ مثل مقاومة رجال التنفيذ أو استعمال القوة لمنع رجال السلطة العامة من التنفيذ مثل إغلاق الأبواب أو وضع المتاريس.
والإشكال وفقا لما استقرت عليه أحكام القضاء
هو تظلم من إجراء تنفيذ الحكم مبناه وقائع لاحقه على صدور الحكم وتتصل بإجراء تنفيذه، فالإشكال فى التنفيذ تطبيقا لحكم المادة 524 من قانون الإجراءات الجنائية لا يعتبر نعيا على الحكم بل نعيا على التنفيذ ذاته، فهو يعد أحد الوسائل القانونية للاعتراض على تنفيذ الأحكام – وفقا لـ"الأمير".
عدم جواز الطعن بالنقض فى حكم رفض الإشكال لهذه الأسباب
وللإجابة على السؤال، هل يجوز للمتهم أن يطعن بالنقض فى حكم رفض الإشكال؟، فقد أجابت محكمة النقض عن هذا التساؤل بأن الطعن بالنقض لا يكون مقبولا لأن الحكم الصادر فى الإشكال يتبع الحكم الصادر فى الموضوع ولقد سبق رفض الطعن بالنقض موضوعا فيه، وفى هذه الصدد قررت: "لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر فى إشكال فى تنفيذ حكم من محكمة الجنايات سبق أن رفض الطعن بالنقض فيه موضوعاً على ما يبين من كتاب نيابة جنوب القاهرة الكلية المرفق، وكانت المادة 38 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض لا تجيز للطاعن الذى رفض طعنه موضوعاً أن يرفع طعناً آخر عن ذات الحكم لأى سبب ما ومن ثم يكون هذا الحكم الصادر فى الموضوع قد أصبح نهائياً باستنفاذ طرق الطعن فيه، لا يجوز قانوناً أن يرفع طعناً للمرة الثانية عن ذات الحكم – الكلام لـ"الأمير".
وكان من المقرر أن الحكم الصادر فى الإشكال يتبع الحكم الصادر فى موضوع الدعوى الجنائية من حيث جواز أو عدم جواز الطعن فيه بطريق النقض فإن الطعن بالنقض فى هذا الحكم لا يكون جائزاً - لما كان ما تقدم - فإنه يتعيّن الحكم بعدم جواز الطعن، وذلك طبقا للطعن رقم 15701 لسنة 75 جلسة 2012/11/25 س 63.
خلط الآراء القانونية وبين خصومتى التنفيذ والموضوع
وهذا القضاء فيه نظر إذ يخلط بين خصومتى التنفيذ والموضوع حال أن الأولى لاحقه للثانية فلا ينبغى أن يتداخلا فخصومة التنفيذ تتعلق بإجراءات تنفيذ الحكم ولا شأن لها بموضوع الدعوى الصادر فيها الحكم، وبالتالى فإن حسم موضوع الدعوى بحكم بات لا يعنى حظر النعى على إجراءات تنفيذه من خلال خصومة الإشكال المستقلة عن موضوع الدعوى الصادر فيها الحكم ولو اضحى باتا والتى لا تبغى تجريحه، كما إذا نازع مثلا المحكوم عليه بحكم بات أنه ليس هو المتهم الحقيقى أو انه مصاب بمرض خطير لا يطيق معه تنفيذ الحكم فى السجن أو أن العقوبة كانت قد سقطت بالتقادم، وذلك طبقا للطعن رقم 62597 لسنة 59 جلسة 1997/03/04 س 48 ع 1 ص 276 ق 39 ومن ثم لا ارتباط بينهما.
ولعل ما دفع محكمة النقض إلى هذا الخلط ما اطرد عليه قضاؤها من عدم قبول الأشكال مادام أن المحكوم عليه لم يطعن فيه بالنقض أو طعن ورفض طعنه، وذلك طبقا للطعن رقم 18471 لسنة 63 جلسة 1998/10/08 س 49 ص 996 ق 136، وهو قضاء رغم عدم صحته يلق رواج فى الفقه إذ يورده مورد التطبيق السليم للقانون.