يحتفل الصينيون اعتبارًا من اليوم ولمدة 8 أيام بالعيد الوطنى الحادى والسبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وعيد منتصف الخريف التقليدى الذى يصادف هذا العام الأول من أكتوبر، وسط تدابير احترازية صارمة لتجنب حدوث موجات تفشى جديدة لفيروس "كورونا الجديد" (كوفيد-19).
وتتمثل أبرز الاحتفالات بالعيد الوطنى الصينى فى احتشاد مواطنين صباح اليوم الأول من أكتوبر فى ميدان "تيان آن مون" بقلب العاصمة (بكين) لحضور مراسم رفع العلم الوطنى الصيني، حيث يرافق حرس الشرف العلم الوطنى فى ساحة الميدان، بينما تقف الحشود الشعبية فى حالة صمت مهيب عند عزف النشيد الوطنى الصينى "مسيرة المتطوعين"، لتنطلق بعده حمامات السلام نحو السماء.
كما شملت الاحتفالات وضع "سلة زهور" ضخمة فى ميدان "تيان آن من"، يبلغ ارتفاعها 18 مترا، تمثل كل زهرة منها مقاطعة من مقاطعات الصين. كما تزينت الحدائق الرئيسة ومتحف تصميم الحدائق والمناظر الطبيعية فى بكين بعشرات الأنواع من الزهور لاستقبال الزوار، حيث تعد زيارة الحدائق للاستمتاع بالزهور نشاطا شائعا لسكان بكين فى عطلة العيد الوطني، إضافة إلى أن الصين تستخدم الزهور كرمز إلى ازدهار البلاد.
ويستغل الصينيون هذه المناسبة للسفر داخليا إما للاستمتاع بالعطلة أو بهدف لم شمل الأسرة، حيث ذكر تقرير صادر عن مجموعة تريب دوت كوم (وكالة سفر إلكترونى كبرى فى الصين) أنه من المتوقع أن يقوم السائحون الصينيون بـ 600 مليون رحلة محلية خلال عطلة العيد الوطنى وعيد منتصف الخريف، فى الفترة من أول إلى 8 أكتوبر الجاري، لاسيما وأن بيانات وزارة الثقافة والسياحة الصينية أظهرت اتجاها إيجابيا فى تعافى صناعة السياحة وتطويرها، بالتزامن مع تحسن الوضع الوبائى (كوفيد-19) واستمرار تطبيق تدابير مكافحة الوباء.
ودخلت الصين منذ تأسيسها حتى الوقت الحالى عهدا جديدا عندما أعلن الرئيس الراحل "ماو تسى تونغ" قبل 71 عاما تأسيس جمهورية الصين الشعبية، لينال الشعب الصينى مع هذا الإعلان التحرر الوطنى والاستقلال والسيادة، وبدأ فى إعادة بناء بلده من الفقر والتخلف، حيث شهدت البلاد منذ ذلك الحين تغيرا جذريا فى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومع قيام الزعيم الراحل "دنغ شياو بينغ" قبل نحو 40 عاما بتطبيق سياسية الإصلاح من الداخل والانفتاح على الخارج، دخلت الصين مرحلة تطور غير مسبوقة حقق خلالها الاقتصاد نموا سريعا، وارتفع مستوى المعيشة بشكل ملحوظ، وازدادت القوة الشاملة للصين لتصبح ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وأكبر دولة صناعية.
وأصبحت الصين حاليا بعد مرور 71 عاما على تأسيسها مساهما بأكثر من 30% من معدل نمو الاقتصاد العالمى لتكون بمثابة عامل الاستقرار والمحرك الرئيس لنمو الاقتصاد العالمي. كما أن الصين حاليا تحت قيادة الرئيس "شى جين بينج" تسعى لتحقيق "الحلم الصيني" المتمثل فى "النهضة العظيمة للأمة الصينية".
وينعكس التطور الكبير الذى حققته الصين فى أنها أصبحت حاليا أكبر سوق تصديرى لحوالى 33 دولة وأكبر مصدر لواردات 65 دولة، وتهيمن على مجال التجارة العالمية حيث أصبحت ثانى أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وفى سياق متصل، يصادف الأول من أكتوبر هذا العام عيد منتصف الخريف (تشونغ تشيو) الذى يوافق اليوم الخامس عشر من الشهر الثامن حسب التقويم الزراعى الصيني.
ويوجد تاريخ عريق لهذا العيد، حيث كان الأباطرة الصينيون فى العصور القديمة يحتفلون بالشمس فى الربيع وبالقمر فى الخريف، ونقل الأرستقراطيون والمثقفون الأباطرة هذه العادة للتمتع بجمال البدر والتعبير عن حفاوتهم به فى هذا اليوم، لتنتشر بعد ذلك هذه العادة بين أبناء الشعب لتتشكل مظاهر الاحتفالات التقليدية بالعيد.
وأصبح "تشونغ تشيو" عيدا ثابتا فى عهد أسرة تانغ (618-907 م)، وزاد الاهتمام به فى عهد أسرة سونغ (960-1279 م)، ليصبح أحد الأعياد الرئيسية الصينية فى عهد أسرتى مينغ وتشينغ (1368-1911 م).
وتقول الأساطير الصينية إنه فى زمن قديم جدا ظهرت فى السماء 10 شموس، فذبلت المزروعات بأشعتها الحارقة، وكان من الصعب على أبناء الشعب أن يعيشوا فى ظل هذا الوضع، وصعد رجل قوى يدعى "هو يي" قمة جبلية وسحب قوسه وأصاب 9 شموس، لتبقى شمس واحدة، وطالبها بأن تشرق وتغرب وفقا لأوقات محددة ليستفيد منها أبناء الشعب، ليحظى "هو يي" من وقتها باحترام ومحبة الشعب.
وتشير الأسطورة إلى أن "هو يي" سافر لزيارة أصدقائه وحصل منهم على خلطة سحرية تمنح الخلود، وقام بإهدائها إلى زوجته الجميلة لتحتفظ بها، لكن هناك شخص عرف بالأمر وذهب إلى منزل الزوجة وأصر أن تعطيه الخلطة السحرية، فما كان منها إلا أن ابتلعتها، فصعدت إلى القمر.
وحزن "هو يي" حزنا شديدا على فراق زوجته، وأخذ يتطلع إلى القمر وينادى عليها، ووجد أن القمر مضيئا جدا فى تلك الليلة، وبداخله ظل إنسان يشبه زوجته، فظل يلاحق القمر لكنه كلما تقدم نحوه ابتعد القمر أكثر، ولم يستطيع اللحاق به.
وكان "هو يي" يشتاق إلى زوجته ليلا ونهارا، وأمر خدمه أن يعدوا مائدة يوضع عليها البخور والأطعمة التى كانت تحبها زوجته تعبيرا عن شوقه إليها، وبعد أن سمع أبناء الشعب أن زوجة "هو يي" صعدت إلى القمر فعلوا مثلما يفعل زوجها طلبا لسلامتها، فانتشرت بعد ذلك عادة تقديم الهدايا للقمر فى منتصف الخريف (تشونغ تشيو).
وهناك عادات وتقاليد صينية خاصة بعيد منتصف الخريف جميعها تعبر عن حب الناس للحياة وتطلعهم لها، ومن أهمها: تأمل البدر وتناول كعكة القمر "يوى بينغ".
وتشمل العادات والتقاليد فى هذا العيد لم شمل الأسرة والتمتع بالقمر وتناول كعك القمر، سيما وأن البدر فى اليوم الخامس عشر من كل شهر حسب التقويم الزراعى الصينى يكون مستديرا وحجمه كبيرا، إضافة إلى أن هذا العيد يوافق موسم نضج الفاكهة ويكون الطقس جميلا، لذلك يحب الناس أن يجلسوا مع أسرهم وأصدقائهم فى الهواء الطلق فى ليلة هذا العيد ليتمتعوا بجمال البدر ويتذوقوا الفاكهة الطازجة، ويمارسون الألعاب وينظمون الأنشطة للتمتع بسحر وجاذبية البدر فى المناطق المنظرية السياحية.
كما أن هناك أكلات يفضلها الصينيون على مائدة عيد منتصف الخريف، وهي: كعكة القمر، والبط، ويوتو (نوع من الخضروات يشبه مذاقه البطاطس)، والحلزون النهري، واليقطين، والسلطعون، وجذور اللوتس.
ومع اختلاف وتنوع الأعياد والاحتفالات فى الصين، إلا أن القاسم المشترك فى جميع هذه المناسبات هو الحرص على لم شمل الأسرة وترسيخ الروابط والصلات الاجتماعية، وإن كانت أعياد هذا العام ذات طبيعة خاصة بسبب فيروس "كورونا الجديد"، حيث أصبحت ممزوجة بالحذر والتدابير الوقائية المشددة تجنبا لموجات تفشى جديدة بعد انحسار المرض بشكل ملحوظ فى الصين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة