ما ظهر حتى الآن من البريد الإلكترونى لهيلارى كلينتون، أثناء توليها وزارة الخارجية فى عهد باراك أوباما، هو مجرد مشهد كاشف، وبعضه أعلن من قبل، لكن هناك تفاصيل جديدة تشير إلى أن الأمر لم يكن مصادفة، ورغم أن نظرية «الفوضى الخلاقة» ظهرت فى عهد جورج دبليو بوش، ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس، فإن التطبيق بدأ مع باراك أوباما وهيلارى كلينتون، وتقوم النظرية على أن تتفاعل الفوضى والصدامات والحرائق فى المنطقة لتسقط حدود، ويعاد صهر المنطقة من جديد.
ومع أن بوش ورايس ينتميان للجمهوريين، يبدو لافتا أن هناك اتفاقا بينهما، وهو ما قد يشير إلى طرف آخر داخل عمق الدولة الأمريكية يدير مثل هذه الخطوات، لكن تسرب التفاصيل بسبب حرص هيلارى على إبعاد بريدها الإلكترونى والتعامل من دون حذر، ربما كان يرجع إلى ثقتها فى أنها سوف تخلف باراك أوباما.
لقد تم تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة فى العراق، وهناك شهادات على أنه حتى بعد إسقاط صدام حسين، وقع جورج دبليو بوش على قرار تفكيك الجيش العراقى والمؤسسات السياسية، واختلاق دستور طائفى أعاد بناء الطائفية والعرقية والتعصب فى العراق، وأنتج داعش.
هيلارى كلينتون، من البريد، كانت تتعامل باعتبار نظرية الفوضى تقوم على استعمال أكثر التنظيمات تطرفا وعنفا، ومنها داعش والقاعدة، ومعها تنظيم الإخوان الجاهز لتقديم أى عمل من أجل السلطة، حتى لو كان تفكيك الدولة وإعادة توزيع المنطقة، وبالطبع كانت قطر وتركيا طرفا أصيلا فى العملية، تركيا أردوغان قامت بالتفكيك وتسهيل مهام داعش والمرتزقة ودخولهم وخروجهم وعملهم، وقطر عليها التمويل، وهو ما حدث فى سوريا، حيث تم السعى لإسقاط الدولة، وخلق حرب أهلية بستار جيش حر، تحول مع الوقت إلى داعش والقاعدة.إيميلات هيلارى تكشف عن تحالف واضح، وعملية تقكيك وإسقاط ممنهجة، لا علاقة لها بالديمقراطية، ولهذا كان أنصار التفكيك من النشطاء، يقدمون نفس خطاب الإخوان، أنه لا سلطة ولا دولة ويجب حرق كل شىء من أجل البناء من جديد، ولا توجد تجربة واحدة لإعادة بناء بعد الحرق.
ما ورد من بريد هيلارى حتى الآن سوف يشكل صدمة لأنصار التغيير، ممن لم يتمولوا أو ينخرطوا فى التفكيك، الشجاع منهم هو من أدرك أنه تم استخدامه، وأن هناك أهمية للتفرقة بين السعى للتغيير والديمقراطية والسعى لتمكين داعش وتنظيم الإخوان، وتتضمن الإيميلات أموالا بالملايين من الــدولارات، حصل عليها «ثائرون بالأجر»، كانوا ينفذون تعليمات، ومع أنهم كانوا معدودين، فقد كانوا يقودون المشهد وساهموا فى تعقيده وتمهيده لتنظيم الإخوان.
الحديث عن ميليشيات تحل مكان الداخلية أعلنه عاصم عبدالماجد مع البلتاجى، والقنوات الفضائية التى انطلقت بسرعة وسكنها زعماء كانت تحصل على أموال من الممول القطرى، تخريب ليبيا كان متعمدا واغتيال القذافى لم يكن مصادفة. نحن أمام أوراق تكشف تفاصيل مهمة، فيما يتعلق بتطبيق نظريات الفوضى، وليس دعم الديمقراطية، وربما كانت مصر قد حظيت بنفس المصير، لولا وعى المصريين وانتباه نواة الدولة الصلبة، لكن الإيميلات أكبر من أن تكون نميمة، لكنها تكشف ما كان، وربما تشير إلى ما يجرى الآن من تمويلات لنكرات مازالوا يلعبون نفس الدور..ولهذا حديث آخر.