التسريبات الأخيرة المتعلقة بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون، والتي كشفت عنها إدارة الرئيس دونالد ترامب النقاب، ربما لا تحمل مفاجأت كبيرة في محتواها، فالمؤامرة التي حاكتها واشنطن، عبر أدواتها سواء الدولية، والمتمثلة في قطر وتركيا، أو أتباعها داخل دول المنطقة، وعلى رأسهم الجماعات الإرهابية، واضحة منذ البداية، بينما تصبح "الديمقراطية" الغطاء لشرعنة الدور الأمريكي المشبوه خلال حقبة أوباما، حيث تسابقت الأقلام، منذ سنوات "الربيع العربى"، في تحليل الدعم الأمريكي لتلك التنظيمات، وعلى رأسها جماعة الإخوان، ودورها في تنفيذ مخطط "الفوضى الخلاقة"، لتحقيق أهداف واشنطن في المنطقة، من خلال تقديم الدعم السياسى للاحتجاجات، ثم بعد ذلك مساعدة الجماعات الإرهابية للسيطرة على مقاليد الأمور.
إلا أن رسائل البريد الإلكترونى لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، ربما يقدم تفاصيل أكبر، ليس فقط عن نطاق المؤامرة الأمريكية، على المنطقة بأسرها، وإنما تمتد إلى توضيح الكيفية التي يفكر بها قيادات الحزب الديمقراطى الأمريكي، في التعامل مع خصومهم، بعيدا عن سياسات الجمهوريين التي اعتمدت سياسة التدخل العسكرى المباشر للإطاحة بهم، على غرار ما حدث في العراق وأفغانستان، حيث تبنوا نهجا مختلفا يقوم على استثمار عناصر الفوضى في داخل الدول المستهدفة، لإسقاط أنظمة الحكم، ثم دعمهم للسيطرة على الأمور، ليصبح دور واشنطن قاصرا على الدعم السياسى، وتقديم بعض الأموال، دون الإقدام على مغامرات عسكرية غير محسوبة، ربما تكون تكاليفها الاقتصادية والعسكرية أكبر بكثير.
ولعل ما تكشفه التسريبات الأخيرة المرتبطة بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة حول السياسات التي تبنتها إدارة أوباما لتفكيك وإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، يساهم إلى حد كبير في تحليل الكيفية التي يسعى الحزب الديمقراطى من خلالها إدارة معركته الانتخابية في الداخل مع الرئيس دونالد ترامب، في ضوء مشاهد تبدو متشابهة، منذ الإعلان عن الانتصار الكاسح الذى حققه ترامب على حساب كلينتون في نوفمبر 2016، من خلال تصدير مشهد فوضوى يساهم في تقويض الرئيس وصلاحياته منذ اليوم الأول.
ففي الوقت الذى حقق فيه ترامب انتصارا كاسحا على كلينتون، خرجت المتظاهرون في العديد من المدن الأمريكية، رافعين لافتات مناهضة للرئيس الجديد، في محاولة لتصدير صورة مناهضة للواقع، مفادها أنه "رئيس بلا شعبية"، تمهيدا للتشكيك في النتيجة، عبر الحديث المتواتر عن دور روسى في الانتخابات الأمريكية، بينما تلاحقت المشاهد، بين العديد من المسارات المتزامنة، منها ما هو سياسى وحقوقى ومجتمعى، لتخلق مزيجا من الضغوط، التي تهدف في نهاية المطاف إلى تضييق الخناق على الرجل، عبر تشويه صورته، في الداخل وتعجيزه عن تحقيق الوعود التي سبق وأن قطعها على نفسه أمام مواطنيه.
فلو نظرنا إلى الشق السياسى، نجد أن ضغوط الديمقراطيين على ترامب تراوحت بين اتهامه بـ"العمالة" لموسكو تارة، والاستقواء بالخارج تارة أخرى، لتمهيد الطريق أمام الدعوة لعزله عبر مجلس النواب، ذو الأغلبية الديمقراطية، وهى الاتهامات التي فشلت في تحقيق الهدف منها، خاصة بعد ما أثبتت التحقيقات أنها لا تتجاوز نطاق الادعاءات الكاذبة.
والضغوط السياسية على ترامب لم تخلو من بعدا حقوقيا، على غرار سياسات واشنطن مع خصومها الدوليين لسنوات طويلة، حيث دأبوا على اتهامه بانتهاك حقوق الإنسان، بسبب موقفه من الهجرة، ورغبته في بناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك، بينما جاء مقتل الأمريكي ذو الأصول الإفريقية، ليكون ذروة الحشد المجتمعى ضد البيت الأبيض، في مختلف الولايات، لتخرج المظاهرات من إطارها الاحتجاجى المعتاد إلى حالة من العنف تعكس احتقانا بين أطراف المجتمع الأمريكي، ربما أثارت مخاوف قطاعا كبيرا من المحللين والمتابعين، على تداعياته في المستقبل.
استخدام الفوضى كأداة كشفت عنه التسريبات الأخيرة بالدليل القاطع، ولكنها ربما فضحت، دون قصد، الكيفية التي يدير بها الديمقراطيون معركتهم في الداخل، مع الإدارة الأمريكية الحالية، منذ بداية حقبتها، عبر استخدام نشطاء، واحتجاجات، بالتزامن مع ضغوط سياسية وحقوقية، مرورا ببعض الطرود المفخخة التي استهدفت بعض الساسة، في الأشهر الماضية، أثارت مخاوف أمنية وسياسية، في محاولة لإلصاق الاتهامات بالرئيس الأمريكي، وتشويهه أمام الرأي العام لأهداف انتخابية وسياسية