بعض الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعى بدأت تطالب بعودة عسكرى الدرك القديم، الذى رسمت صورته وخلدته سينما الأربعينات والخمسينات إلى الشارع المصرى مرة أخرى.
العودة لن تكون بالطبع بالصورة القديمة بالشارب الكث أو المبروم والبدلة العسكرية والطربوش المميز لعسكرى الدرك، بطوله الفارع أحيانا أو بضخامة جثته، وإنما بصورة حديثة تواكب التطورات الأمنية والاجتماعية والجنائية فى الشارع مع الكثافة السكانية لمدن المحروسة فى الوقت الحالي.
تعدد الحوادث الجنائية فى بعض المناطق والمحافظات فى الشهر الأخير، التى أثارت اهتمام الرأى العام فى مصر، وتعاطف الناس فيه مع المجنى عليهم، هو ما يجعل الرغبة فى استعادة هيبة الأمن فى الشارع ضرورة ملحة وعاجلة، حتى تطمئن الأسر على أبنائها وبناتها.
وهنا لا يمكن إغفال المجهودات الكبيرة التى تقوم بها الشرطة المصرية فى ضبط الأداء الأمنى فى الشارع، فى ظل التحديات الأمنية الأخرى التى تواجه البلاد من جماعات وتنظيمات العنف والإرهاب والنجاحات التى حققتها –وما زالت- الشرطة ضد عناصر الإرهاب وجماعته، ومع العقيدات الأمنية والتوسع العمرانى والانفتاح على العالم، أضاف مهام ضخمة على عاتق الأمن المصرى فى الداخل.
أظن أن المطالبة بعودة عسكرى الدرك هو نوع من الحنين إلى صورة الشارع المصرى قديما قبل أكثر من 60 عاما، عندما كانت القاهرة لا تتعدى 6 أو 7 أحياء على الأكثر من شبرا وروض الفرج إلى السيدة والحسين ووسط البلد، وهى الصورة التى جسدتها الأفلام المصرية القديمة وخاصة أفلام الأبيض والأسود، وسينما المخرج الرائع فطين عبد الوهاب.
وخلال فترة حظر التجوال الجزئى الذى تم فرضه منذ نهاية مارس وحتى نهاية أغسطس الماضى، بسبب جائحة كورونا، والهدوء الذى ساد الشارع المصرى وسيطرة رجال الشرطة على الشارع، أعاد للأذهان الصورة المثالية لحالة الأمن الجنائى فى مصر، وأسهم فى انخفاض لافت لمعدلات الجريمة، فالأزمة تسببت فى تراجع واضح لجرائم القتل والسطو والسرقة وتجارة المخدرات، نتيجة التزام المواطنين بالوجود فى المنازل ليلا، وسيطرة الشرطة على الشوارع.
حالة القلق والفزع والغضب التى سيطرت على مشاعر الناس من حادثة فتاة المعادى مريم وحادثة اغتصاب سيدة متزوجة بالمقابر فى المحلة، على أيدى أربعة بلطجية أمام زوجها، هو ما يجعل قطاعا عريضا من الرأى العام يطالب بعودة عسكرى الدرك بصورة عصرية فى الشارع المصرى، فهو العسكرى الذى كان يتجول فى الشوارع لحفظ الأمن، ومنع السرقات، ولا يتوانى عن مطاردة اللصوص، ما كان يبعث الطمأنينة فى نفوس المصريين، وكان هذا النظام مفعلا فى كل ميادين وشوارع مصر فى القرن التاسع عشر – كما تذكر مصادر تاريخية- وحتى قيام ثورة 23 يوليو 1952.
ومن الصفات التى كان لا بد أن يتمتع بها عسكرى الدرك للقيام بالمهمة هى تمتعه بقدر عال من الذكاء واللياقة البدنية وسرعة البديهة وحسن التصرف، حتى يستطيع التصدى للعناصر الإجرامية ومطاردتها وضبطها قبل وقوع الجريمة دون أى خسائر بقدر الإمكان سواء بشرية أو مالية أو عينية، ويسهر الليل من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر يظل يجوب شوارع المنطقة بصيحة شهيرة "يااااه مين هناك" التى كانت تشيع الاطمئنان فى نفوس الناس، نظرا لثقتهم أن هناك من يحرسهم ويحرس بيوتهم وممتلكاتهم ويسهر على أمنهم وفى نفس الوقت تثير الرعب فى نفوس اللصوص والمجرمين.
وهذا هو المطلوب الآن ولو بصورة حديثة وعصرية تتمثل فى اللجان أو الدوريات الأمنية لكل منطقة تجوب شوارها وحواريها، فهل يعود عسكرى الدرك من جديد؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة