بالرغم من أن ما ورد فى بريد هيلارى كلينتون سبق وتم نشر بعضه، وتم إعلانه أو تناوله فى كتابات ومذكرات، فضلا عن أنه يتعلق بوقائع يمكن مراجعتها، وأحداث يمكن الرجوع إليها فى الأرشيف، ومع هذا فإن البعض ممن شاركوا فى الأحداث انقسموا تجاه هذه التفاصيل إلى أكثر من قسم، فى طريقة التلقى والتعامل والتفاعل مع هذه الأوراق، هناك المتورطون الذين وردت أسماؤهم فى الأوراق مباشرة، وهناك أغلبية شاركت بحثا عن التغيير، ولم يتورطوا أو يعرفوا تفاصيل الاتصالات والتحركات بين بعض النشطاء وهيلارى وإدارة أوباما، وبجانب هؤلاء، أطراف كان لدى بعضهم وعى، لكنهم كانوا بعيدين عن أطراف التأثير.
المتورطون التزموا نوعا من الصمت، أو التجاهل أمام أوراق هيلارى، وبعضهم سعى إلى التشكيك أو طرح تساؤلات ساذجة حول ما ورد فيها، ومن الطبيعى أن يسعى البعض ممن ارتبطوا بعلاقات مع وزيرة الخارجية الأمريكية، إلى تبرئة أنفسهم، خاصة أن بعض تفاصيل اللقاءات والتحركات والمناسبات التى شاركوا فيها بالولايات المتحدة لها أرشيف موجود، ومسجل بالفيديو والصور.
وكل ما يقدمه بريد هيلارى أنه يشير إلى أن هذه اللقاءات لم تكن من أجل شرح الثورة، وفهم عقليات الشباب، والتعامل مع الحدث، لكنه كان جزءا من ترتيبات وتوجيهات يتلقاها هؤلاء وينفذونها، ونتذكر أن عددا من المنتسبين لنشطاء وحقوقيين سعوا إلى دعم إطلاق الإرهابيين السابقين، وتصديرهم فى العمل السياسى، واعتبارهم جزءا من الثورة بالرغم من أنهم لم يشاركوا فيها.
لقد توالدت الأحزاب الدينية والقنوات المتطرفة بجانب فعاليات احتلوا فيها الميادين، وحصلوا على دعم من تنظيم الإخوان، بل إن الدعوة لتكوين ميليشيات خاصة تحفظ الأمن بديلا للشرطة، كانت أخطر الاقتراحات، التى اتفق فيها خيرت الشاطر مع حازم أبوإسماعيل، وكيف تحالفوا فى حصار المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى، وهاجموا المقرات لبعض الأحزاب، ونكتشف أن هذا كله وارد فى اتصالات الإخوان من إدارة أوباما وبريد هيلارى.
والنوع الثانى ممن شاركوا فى الأحداث ببراءة ورغبة فى التغيير تعاملوا مع بريد هيلارى للبحث عن طريقة لفهم ما جرى، وربطها بأحداث تزامنت مع تواريخ وردت فى الأوراق أو توصيات واتصالات وتعليمات باتخاذ مواقف أو أفعال، ومن المهم مراجعة ما صدر حتى الآن من شهادات حول هذه الفترة الدقيقة من تاريخ مصر والمنطقة، التى تقدم بعضا من الصورة، لكن تظل الصورة الكاملة ناقصة، وتحتاج الكثير من الجهد لاستكمالها.
ولسوء الحظ أن أغلب المسؤولين الكبار الذين شاركوا فى إدارة هذه المرحلة، التزموا الصمت، وهو ما يحجب الكثير من التفاصيل المهمة التى يمكن أن تفسر ما جرى فى المرحلة، ويمكن أن تضيف المزيد من التفاصيل والمعلومات، التى تساعد على فهم هذه المرحلة بشكل يمكن أن يفيد.
المهم فى أوراق هيلارى أنها تساعد فى فهم بعض الأحداث الغامضة، وربما تجيب عن أسئلة ظلت مطروحة من دون إجابات، حول ظهور أعداد كبيرة من الفضائيات، فى أعقاب يناير، وعشرات المراكز والمؤسسات البحثية والحقوقية التى تم إنشاؤها على عجل، وانتقال بعض نجوم المرحلة إلى الثراء، ومنهم من لاذ بالفرار بعد ذلك، ولا يزال بعضهم يحاول التقليل من قيمة أوراق هيلارى، التى تتضمن بعض التفاصيل عن الاتصالات والتمويلات، لكنها تقدم جزءا من صورة لا تزال ناقصة.