"التاريخ يكتبه المنتصرون" مقولة دائمة الترديد عند الحديث عمن يكتبون التاريخ، وآخرون يرون أن التاريخ تكتبه الأهواء الشخصية لكاتبيه، فما قاله المقريزى عن صلاح الدين كمثال يختلف تماما عما قاله ابن الأثير، وما قاله عبد الرحمن الرافعى عن الثورة العرابية وزعيمها أحمد عرابى، يتناقض عما كتبه محمود الخفيف، ولأن التاريخ حمال أوجه دائما، فواحد مثل الروائى المصرى الدكتور يوسف زيدان، دائم البحث فى التاريخ، محاولا رسم صور أخرى غير المتداولة بين العامة.
ورغم أن ما يقوله "زيدان" يثير الجدل دائما حول أحداث وشخصيات بعيدة عن أى تنظير فكرى جاد وموضوعي؛ لكن صاحب "عزازيل" دائم ما يعلق قائلا: "إذا كان إلقاء بعض "الحصوات" فى البحيرة الراكدة، العطنة، يُحدث هذه الحركة وهذا الفزع فماذا لو ألقينا أحجاراً!" ليظهر الدكتور يوسف زيدان وكأنه مجدد لكتابة التاريخ العربى والإسلامى والمصرى أيضا.
ومن خلال رواياته الرائعة حاول يوسف زيدان، رسم صورة جديدة لبعض الأحداث والوقائع التاريخية والشخصيات المعروفة فى التاريخ، ونبش فى أعماق البحيرة الراكدة عن حقائق لم يكن من المقبول الخوض فيها، ولكن بجرأته المعهودة تناولها داخل نص أدبى بديع، ومن رؤية ثقافية وفكرية مختلفة، اختلفت أو اتفقت معها، لكنك فى النهاية لا تملك سوى احترام تلك الرؤية المختلفة لكتابة التاريخ وتناوله.
عزازيل
الرواية الصادرة عن دار الشروق للنشر عام 2008، والحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" 2009، تدور أحداثها فى القرن الخامس الميلادى ما بين صعيد مصر والإسكندرية وشمال سوريا، عقب تبنى الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، وما تلا ذلك من صراع مذهبى داخلى بين آباء الكنيسة من ناحية، والمؤمنين الجدد والوثنية المتراجعة من جهة ثانية.
ورغم ما أثارته من جدل لا يزال صداه قائم حتى الآن، بسبب رفض بعض الأوساط الكنسية لمحتوى الرواية، إلا أن الرواية تمتاز بموضوعية شديدة فى تناولها، وتمتاز بلغتها العربية الفصيحة وتناولها فترة زمنية غير مطروقة فى الأدب العربى برغم أهميتها، كذلك تمتاز فى كثير من مواضعها بلغة شعرية ذات طابع صوفى كما فى مناجاة هيبا لربه.
وتتحدث الرواية عن الراهب هيبا وما حدث له منذ خرج من أخميم فى صعيد مصر قاصدا مدينة الإسكندرية لكى يتبحر فى الطب واللاهوت، وهناك تعرض لإغواء امرأة وثنية (أوكتافيا) أحبته ثم طردته لما عرفت أنه راهب مسيحى، ثم خروجه هاربا من الإسكندرية بعد ثلاث سنوات بعد أن شهد بشاعة مقتل العالمة هيباتيا الوثنية على يد الغوغاء من مسيحى الإسكندرية بتحريض من بابا الإسكندرية، ثم خروجه إلى فلسطين للبحث عن أصول الديانة واستقراره فى أورشليم "القدس" ولقائه بالقس نسطور – المهرطق بحسب الفكر المسيحى- الذى أحبه كثيرا وأرسله إلى دير هادئ بالقرب من أنطاكية، وفى ذلك الدير يزداد الصراع النفسى داخل نفس الراهب وشكوكه حول العقيدة، ويصاحب ذلك وقوعه فى الحب من امرأة تدعى (مرتا)، وينهى الرواية بقرار أن يرحل من الدير وأن يتحرر من مخاوفه بدون أن يوضح إلى أين.
النبطى
صدرت رواية "النبطى" لأوّل مرة عام 2010 عن دار الشروق للنشر والتوزيع فى مصر الجديدة بالقاهرة، ودخلت فى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" عام 2012، ويروى يوسف زيدان فى هذه الرواية حكاية عن الأنباط وهم قبائل عربية كبيرة اشتهرت منذ أمد بعيد، قبل ظهور المسيحية والإسلام، وكان لها دور فى تمهيد دخول المسلمين إلى مصر.
تدور أحداث الرواية فى العشرين سنة التى سبقت فتح مصر، ويظهر فى بعض مشاهدها الفاتح عمرو بن العاص وزوجته ريطة (رائطة) والصحابى حاطب بن أبى بلتعة، إضافة إلى شخصيات خيالية يكشف من خلالها النص الروائى عن طبيعة الحياة والإنسان والاتجاهات الدينية التى كانت سائدةً فى المنطقة الممتدة من دلتا النيل إلى شمال الجزيرة العربية، فى الوقت الذى ظهر فيه الإسلام وانتشر شرقاً وغرباً.
وتتحدث أحداث الرواية عن انطباعات مصرية قبطية مع زوجها وقبيلة زوجها النبطى وما يحدث فى البتراء ووادى رم، ويدور كل شىء على خلفية بدايات ظهورالاسلام كدين جديد، وتدخلنا لجوهر الصراعات مع الوثنيين واليهود تحديدا، وتتعرض بمجاز لافت لتفاصيل الفتوحات الإسلامية.
فردقان
استلهم الدكتور يوسف زيدان اسم روايته "فردقان" الصادرة عام 2019، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" عام 2020، من اسم القلعة الفارسية التى سُجن فيها ابن سينا، سنة 412 هجرية، وكتب فيها: "حى بن يقظان، كتاب الهداية، رسالة القولنج"، وتم اكتشاف أطلالها بوسط إيران.
وتقدم رواية "فردقان" صورة كاملة عن حياة العلامة ابن سينا، "أعماله، أفكاره، فلسفته، ومشاعره الداخلية، وانعكاسها على كتاباته"، كما تتناول العصر الذى عاش فيه، والحكام الذين عاصرهم، وتتطرق بالتفصيل إلى فترة اعتقاله بداخل قلعة "فردقان" وكيف أثرت هذه الفترة وانعكست على شخصيته وتفاصيل حياته، وكذلك كتاباته أيضًا، ويتطرق "زيدان" فى روايته إلى جانب آخر عن عن الفيلسوف الراحل، إذ يرى أنه كان مغرما بالنساء وعاشقا لا يشق له غبار، بل أن نهاية الشيخ الرئيس جاءت بسبب حبه وشغفه بالنساء والجنس.
وما بين الوقائع التاريخية الفعلية، والخيال الروائى الخلَّاق، ينسج يوسف زيدان خيوط روايته الجديدة؛ ليقدم للقارئ العربى لوحة حياة غنية بالتفاصيل، للعلَّامة العبقرى الذى شهدت له الحضارة الإنسانية خلال الألف سنة الأخيرة: الشيخ الرئيس؛ ابن سينا.