أكرم القصاص - علا الشافعي

محمود السعيد

أكثر من مجرد أرقام : عن استطلاعات الرأي و مخالفتها لنتائج الانتخابات

الأحد، 25 أكتوبر 2020 01:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 أ.د. محمود السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

في السنوات الأخيرة أصبحت مصداقية استطلاعات الرأي على المحك حينما يتعلق الأمر بالانتخابات، و ذلك لكونها لم تعد تعبر بدقة عن آراء الناخبين وأكبر مثال على عدم دقة الاستطلاعات هو ما حدث في الانتخابات الأمريكية في 2016، حين أجمعت كل استطلاعات الرأي على احتمالية  فوز  هيلاري كلينتون على منافسها دونالد ترامب،  وهو ما لم يحدث, وفي بريطانيا أيضا فشلت استطلاعات الرأي في توقع نتيجة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث كانت كل الاستطلاعات حتى اليوم السابق على يوم الاستفتاء تتوقع البقاء في الاتحاد الأوروبي ، وجاءت النتيجة على خلاف كل تلك التوقعات.

فما هي أسباب فشل استطلاعات الرأي أحيانا في توقع النتائج الفعلية؟

لا يتركنا العلم أمام تلك الظاهرة حائرين ,فهناك أسباب إحصائية وأسباب أخرى لها علاقة بالسلوك الإنساني تؤثر في مدى مطابقة نتائج الاستطلاع لما سيحدث في الواقع. فعلى المستوى الإحصائي هناك عدة أسباب لفهم تلك الظاهرة.

 

أولها : هامش الخطأ فاستطلاعات الرأي لا تجرى على المجتمع كله بل تجرى على عينات من المفترض أن تكون ممثلة للمجتمع, وبالتالي فهناك هامش خطأ في كل استطلاع رأي. ولشرح معنى هامش الخطأ  نجد على سبيل المثال  أن معظم استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الدراسات الأمريكية تجرى على عينة من 1000 مواطن, وعينة بهذا الحجم يكون فيها هامش الخطأ هو 3% (بدرجة ثقة 95% وسأتكلم عن درجة الثقة لاحقا). ماذا يعني هذا؟ يعني أن لو مرشح حصل في استطلاع الرأي على نسبة تأييد 45%, فمعنى ذلك أن استطلاع الرأي يتنبأ بأن تكون النسبة الحقيقية لتأييد المرشح بين الناخبين في المجتمع تنحصر بين 42% و 48% . فإذا كان التأييد للمرشح الثاني هو 47% مثلا فأن ذلك يعني أن نسبة تأييده في المجتمع بين 44% و 50%. عناوين الصحف ستركز فقط على الرقمين 47% للمرشح الثاني و 45% للمرشح الأول ولن تلتفت إلى موضوع هامش الخطأ. النتيجة هنا في هذا الاستطلاع غير محسومة على الإطلاق للمرشح الثاني.

 

ثانيها: درجة الثقة. يصاحب هامش الخطأ درجة ثقة معينة في النتائج وغالبا تستخدم درجة ثقة 95% في مراكز البحوث. ماذا تعني درجة الثقة 95%؟ تعني أننا لو كررنا استطلاع الرأي المشار اليه في المثال السابق بنفس الشروط ونفس الظروف 100 مرة ففي 95 مرة سيحصل المرشح الأول على نسبة تأييد بين 42% و 48% وسيحصل المرشح الثاني على نسبة تأييد بين 44% و50%. ولكن هناك فرصة في 5 مرات من ال 100 أن هذا لن يحدث وسيحصل المرشحان على نسب مختلفة قد تكون أعلى أو أقل من النسب المقدرة. و خمس مرات تظل عددا مهما حينما يتعلق الأمر بفرص الفوز في الانتخابات .

 

ثالثها :الاختيار المتحيز. الأهم من هامش الخطأ ودرجة الثقة عند اجراء استطلاع رأي هو اختيار عينة تكون ممثلة لمجتمع الدراسة (مجموع الناخبين في الدولة) وهو ما لا يحدث غالبا في معظم استطلاعات الرأي. فعلى سبيل المثال في عام 1936 ، أجرت مجلة أمريكية تدعى The Literary Digest واحدا من أكبر استطلاعات الرأي على الإطلاق في تاريخ استطلاعات الرأي. وسألت 2.4 مليون شخص عما إذا كانوا يخططون للتصويت للرئيس الديمقراطي فرانكلين روزفلت لفترة ثانية أو منافسه الجمهوري ألفريد لاندون. وكانت نتائج الاستطلاع أن نسبة تأييد لاندون هي 57٪ ونسبة تأييد روزفلت هي 43٪. هامش الخطأ في هذا الاستطلاع هو واحد من أصغر هوامش الخطأ في استطلاعات الرأي وبأكبر درجة ثقة ممكنة لأن حجم العينة كان بالملايين, و لكن ما حدث بالفعل في الانتخابات عند اجرائها أن روزفلت حصل على 62٪ و لاندون حصل على 38٪, فلماذا فشل استطلاع رأي كبير كهذا في توقع نتيجة الانتخابات؟ الأمر بسيط و هذا لأن القائمين على الاستطلاع وقعوا فريسة لما يعرف بالاختيار المتحيز, حيث كانت هذه العينة الضخمة مكونة من مشتركي المجلة وأعضاء مجموعات ومنظمات لا تمثل المواطن الأمريكي العادي ومالت ناحية الأغنياء وأصحاب الشركات. 

 

وهنا تبرز أهم مشكلة تواجه استطلاعات الرأي الحديثة وهي عدم تمثيل عينة الدراسة لكل شرائح الناخبين. فعلى سبيل المثال ، قد يؤدي استطلاع الرأي الذي يعتمد فقط على اختيار عينة من أصحاب خطوط الهواتف الأرضية إلى استبعاد شرائح مجتمعية كاملة من الأسر الأصغر سنًا التي تستخدم الهواتف المحمولة فقط. والحصول علي عينة ممثلة يزداد صعوبة عند الاعتماد على مواقع وصفحات الإنترنت في بعض الاستطلاعات ، حيث تميل نتائج الاستطلاع إلى وجهات نظر مرتادي هذه المواقع والصفحات

 

أما الأسباب الأخرى التي ترتبط بالسلوك الإنساني للناخبين ولا علاقة لها بسلامة استطلاع الرأي إحصائيا فهي أن نتائج الاستطلاع تمثل المجتمع وقت إجراء الاستطلاع وليس وقت الانتخابات الفعلية، فالوقت بين إجراء الاستطلاع ووقت إجراء الاقتراع قد يكون أيامًا أو أسابيع يمكن أن تحدث فيها الكثير من الأحداث والتصريحات والمناظرات و التي قد  تؤدي إلى تغيير اتجاهات الرأي العام, وحتى لو تم الاستطلاع في الأسبوع الذي يسبق الانتخابات فقد يحدث شيء ما في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية للمرشح، تؤدي إلى  قلب الموزاين في نسب التأييد . وقد تركز وسائل الإعلام أيضًا على اتجاهات استطلاعات الرأي ، مما يؤدي إلى تغييرات في الرأي العام حول المرشحين ونسب تأييدهم سواء عبر قيام أصحاب الآراء المختلفة للتوجه العام في الاستطلاع بتغيير رأيهم عند الاقتراع رغبة في الاتفاق مع التيار السائد أو حتى بمخالفة المؤيدين في الاستطلاع لوجهة نظرهم السابقة رغبة في تحقيق التوازن عند الاقتراع.

 

  وأخيرًا ، بقدر ما يمكن أن تكون استطلاعات الرأي هي انعكاس علمي للواقع ، فيمكن أيضا أن تؤثر استطلاعات الرأي على الواقع, فاستطلاعات الرأي التي تظهر أن أحد المرشحين تخلف عن الركب يمكن أن تحفز مؤيديه على الخروج للتصويت في يوم الانتخابات والعكس صحيح بالنسبة للمرشح الذي أظهر استطلاع الرأي تفوقه فقد يؤدي ذلك إلى تقاعس مؤيديه عن الإدلاء بأصواتهم ثقة منهم في نتائج الاستطلاع.

 

و من هنا فالعلم والواقع يرشدانا لضرورة توخي الحذر حيال قراءة و تفسير استطلاعات الرأي , فمن الحرص عدم إلقاء كافة رهاناتنا في كفة من تؤيده استطلاعات الرأي , فدوما هناك مساحة للمفاجآت , تلك المفاجآت قد تصنعها أحداث اللحظات الأخيرة أو تنشأ من تغافل قارئي هذه الاستطلاعات عن إعطاء الاعتبار للجوانب الفنية لصناعة استطلاعات الرأي و إجرائها , فما وراء استطلاع الرأي أكبر بكثير من نتائجه .










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة