لعبة الانتخابات والسياسة ليست عملية أخلاقية، وإنما هى سباق يحتمل تدخلات ومناورات وإنفاقا وضربا فوق وتحت الحزام، هى نشاط بشرى فيه خليط من الخير والشر، وليست أمرا نقيا، وتبدو عملية تداول المقاعد محصورة غالبا بين فئات من المحترفين، ومن يتابع الانتخابات الأمريكية أو البريطانية مع الاختلاف فى الشكل والنظام الانتخابى، يمكنه رؤية الكثير من هذه التفاصيل.
فى السباق الانتخابى الماضى، لم يتورع الجمهوريون عن استخدام تسريبات بريد هيلارى كلينتون بكل قوة، بينما استخدم الديمقراطيون التدخلات الروسية، واتهموا ترامب علنا أنه فاز بتدخل روسى، وضغط الديمقراطيون ليتم التحقيق فى هذه الاتهامات، فى حين كشف الجمهوريون عن تلقى هيلارى كلينتون لأموال قطرية وتبرعات لمؤسسة كلينتون، وهو ما يعد مخالفا للقانون.
استخدام المال فى الحملات الانتخابية معروف بشكل كبير، والإنفاق على الحملات يتم من تبرعات رجال المال الديمقراطيين والجمهوريين، لكن فقط أن يتم هذا علنا وفى إطار القانون، وهذا لا يمنع من وجود تدخلات تحتية للمال فى السياسة الأمريكية، وهناك من يربط بين غزو العراق بقرار جورج دبليو بوش، ومصالح رجال المال والبترول، ومناصب حصلت عليها شركات تتبع كبار المسؤولين فى إدارة بوش الابن، دونالد رامسفيلد، وديك تشينى نائب الرئيس 2001-2009، طبعا العمل يجرى باسم المصالح الأمريكية العليا، لكنه يتيح مصالح خاصة لأطرافه.
ونفس الأمر مع الديمقراطيين، وجو بايدن المرشح للرئاسة ونائب الرئيس السابق باراك أوباما، والذى يتهمه ترامب بأنه أثرى من الفساد وفتح مجالات لابنه فى مجالات العمل باستغلال النفوذ.
اللافت للنظر أن هذه الاتهامات تتحول إلى جزء من السباق الانتخابى، وقليلا ما تصل إلى حد توجيه اتهامات، لكنها تشير إلى أن لعبة السياسة نفسها تحمل قدرا كبيرا من الملوثات.
ومن أمريكا إلى فرنسا، فقد كان الرئيس الفرنسى الأسبق ساركوزى، حصل على أموال لحملته الانتخابية، بعضها وجزء كبير منها جاء من ليبيا والعقيد القذافى، لكن ساركوزى لم يتورع عن الاشتراك فى عملية اغتيال القذافى، وتشجيع تدخل حلف الناتو لإسقاط ليبيا، وتركها نهبا للفوضى، بل إن هناك تقارير وتحقيقات تتعلق بعملية نهب لأطنان الذهب الليبى بمعرفة الدول التى تدخلت، بل ولعبت تركيا دور السمسار للعمليات القذرة المرتبطة بنهب ليبيا، وتسهيل دخول وعمل الميليشيات والإرهابيين من دول العالم إلى ليبيا، مثلما جرى فى سوريا.
اللافت للنظر أن الغزو والتفكيك تم مع شعارات الديمقراطية، بينما الهدف كان المصالح والمطامع، وعملية معقدة لتغيير الخرائط والجغرافيا، حتى لو كان هذا بمعرفة ومن خلال عصابات ترفع رايات دينية، بينما تلعب لعبة التصفية والنهب.
وفى سياق لعبة السياسة الدولية والإقليمية، فإن تنظيم «داعش» ومن قبله القاعدة، أدوات لتنفيذ خطط وتحركات، ولهذا حصلا على المال والسلاح والسيارات والدعم، ويبدو الدور القطرى أو التركى أحد مفردات لعبة السياسة، بل والانتخابات، ويمكن أن يفسر ذلك سر المال القطرى فى تمويل هيلارى كلينتون، أو الصمت الأوروبى عن دور تركيا وتحالف أروغان مع داعش والقاعدة، ويجيب عن بعض الأسئلة حول السياسة والانتخابات والمناورات.