الاستطلاعات والمناظرات لم تعد كافية لتوقع نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وما تزال تجربة الانتخابات الماضية قبل أربع سنوات ماثلة. توقعت أغلب الاستطلاعات فوزا ساحقا لهيلارى كلينتون، وفاز دونالد ترامب، وتتكرر استطلاعات الرأى التى تتوقع خسارة ترامب، استنادا إلى ما يرون، بأنه فشل فى توقع ومواجهة أزمة فيروس كورونا، ورغم أن الفيروس أزمة عالمية تضرب فى كل دول العالم المتقدم بلا هوادة، إلا أن تزامن تجربة الفيروس مع اقتراب الانتخابات أعطى الديمقراطيين قبلة حياة وثغرة ينفذون منها إلى جدران ترامب.
وبعيدا عن قضيىة فيروس كوفيد 19، يبدو الديمقراطيون فقراء فيما يتعلق بالبرنامج أو المواجهة من دونالد ترامب، والذى ظل طوال فترة رئاسته الأولى يواجه هجمات متعددة من الديمقراطيين وصلت إلى حد التلاسن والانتقادات والاتهامات العلنية، ومع هذا لم ينجحوا فى إثارة الشكوك، بينما بقى ترامب على غير وفاق مع نخب ونجوم ديمقراطيين، فضلا عن اشتباكاته المتعددة مع دول أوروبا والصين وغيرها فى حروب تجارية.
هذه المرة تستمر الاستطلاعات فى توقعها بفوز بايدن وخسارة ترامب، ومع هذا يبدو كثير من المحللين حائرين من حسم توقعاتهم أو رغباتهم بناء على استطلاعات أثبتت التجارب فشلها مرات. بل إنها تبدو جزءا من سياقات فقدت تأثيرها، بل ربما تتم بهدف التحفيز والتسويق أكثر منها استكشاف الآراء. وربما لهذا استمرت حالة الشد والجذب بين دونالد ترامب والإعلام التقليدى الأمريكى الذى ظل قوة لا يجرؤ أى رئيس على مواجهتها، لكن ترامب فعل، وبالطبع فقد نالت الهجمات الإعلامية من ترامب وهيبته، لكنه أيضا نال من مصداقية الإعلام واستطلاعات الرأى، ووجه اتهامات بالتواطؤ والتسويق المدفوع، وهى اتهامات كان بعضها مشرعا لكن لم يجرؤ أى سياسى على قوله بهذا الوضوح. فالإعلام جزء من ثلاثية السلطة مع القوة والثروة، ولكنه يواجه تحولات متعددة من سنوات، مثلما تواجه السياسة نفسها تحولات فى الشكل والمضمون.
وتظهر تأثيرات هذه التحولات فى تغيرات وأشكال أدوات المواجهة السياسية، ولهذا قضى دونالد ترامب فترته الرئاسية على خلاف مع الإعلام، واستعان بتويتر لينشر آراءه وتغريداته، وأصبح حسابه على تويتر مصدرا للأخبار. بل إن ترامب اشتبك كثيرا مع الإعلام والذى يمثل سلطة كبرى وهو ما يشير إلى أحد التحولات فى السياسة وشكل وتأثير الإعلام فى السياسة والعكس.
لقد أصبحت أدوات التواصل الاجتماعى بميزاتها وعيوبها مؤشرا على تحولات فى شكل السلطة فى العالم كله، ليس فى الولايات المتحدة فقط، وإنما أيضا فى بريطانيا وألمانيا وفرنسا وباقى دول العالم، مثلما يغير من أمزجة الناس والتسويق السياسى، وظهر تأثير أدوات التواصل فى استفتاء بريكست ببريطانيا، والانتخابات التى جرت فى أكثر من دولة أوروبية. وظهرت اتهامات من هذه الدول لروسيا بالتدخل والقرصنة والتلاعب ونشر الشائعات، فيما يبدو تأكيد لما تواجهه السلطة التقليدية من تحولات تغير من أشكال ومضامين المواجهات، لتصبح السياسة أكثر تعقيدا من استطلاعات رأى، وتصل إلى توظيف عمليات التسويق والمناورة.