آسف جدًا، مضطر أن أخبرك بالحقيقة الكاملة.. «صلى الله عليه وسلم»، رسولنا الكريم جل شأنه، ليس فى حاجة إلى نصرتك..
النبى الأمى الذى أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، وكشف الغمة، وأقام للإسلام دولة اتسعت شرقًا وغربًا فى عهد أصحابه، وصارت نموذجًا للعدل والرخاء فى عهد عمر بن الخطاب، ليس فى حاجة إلى نصرة حضرتك، أو مساندة باقى الإخوة المسلمين المنتشرين فى أوطان منهارة، ودولة تتذيل قوائم حضارة العالم، وتسب وتلعن وتقتل بعضها البعض أكثر مما يفعل بها أعداؤها.
الرسول ليس فى حاجة إلى نصرة من ضيع إمبراطوريته، وألصق بدينه السمح والرحيم تهمة الإرهاب والتطرف.. محمد، صلى الله عليه وسلم، الذى شهد له أعداؤه قبل أحبائه بحسن التصرف، وجودة التخطيط والفكر ليس فى حاجة إلى نصرة من تسوقه فضائيات الإخوان مثل القطيع، وتدفعه مشاعره للتصرف كما الدبة التى اشتهرت بقتل صاحبها.
الرسول عليه الصلاة والسلام، والقواعد التى رسخها بتعاليمه ورسالته، أرقى من أن تخدعها مؤتمرات «الجعجعة» التى يعقدها رجب طيب أردوغان ليصرخ فيها بشعارات لنصرة الرسول، عليه الصلاة والسلام، ويصيغ فيها عبارات الهجوم على فرنسا، ويروج بالكذب والزيف للعالم الإسلامى، أن كلمات ماكرون كانت ضد الإسلام نفسه وليست ضد النسخة المتطرفة والإرهابية التى تدعمها تركيا وقطر لنشر الدم والتطرف فى العالم تحت مظلة الإسلام.
النبى الكريم أطهر من أن يتم استغلاله من قبل الرئيس التركى أو الأمير القطرى لتصفية حسابات سياسية، أو إعادة تقديم أنفسهم مرة أخرى لصدارة المشهد الإسلامى والعربى بعد سلسلة من الفضائح التى ربطت تركيا وقطر فى سلسلة واحدة متعلقة بدعم ميليشيات الدم والقتل فى سوريا وليبيا، فكيف لمن يقتلون عشرات المسلمين يوميا بأموالهم وإعلامهم ومرتزقتهم أن يتجرأوا على التخفى خلف شعار نصرة رسول الله، لا يتشرف النبى الكريم بأن ينصره قاتل أو فاسد أو متلاعب بالدين، هذا إن كانوا ينصرونه أصلا، لأن الوقائع تؤكد أن دعوات الجزيرة القطرية بالمقاطعة، وشعارات أردوغان ما هى إلا عملية استغلال سياسى لاسم النبى، عليه الصلاة والسلام، وسيرته.
تقول قطر عبر منصتها الإرهابية المسماة بالجزيرة قاطعوا منتجات فرنسا يا مسلمين، ولم تخبرنا قطر ولا أراجوزاتها لماذا لا يسحب الأمير تميم استثمارات الدوحة البالغة أكثر من 40 مليار دولار من قلب فرنسا، لماذا لا يطرد الشركات الفرنسية المسؤولة عن صيانة مترو الدوحة والشريكة فى شركات الغاز.
يقول أبو تريكة ومعه باقى موظفى «بين سبورت» قاطعوا المنتجات الفرنسية نصرة لرسول الله، ولم يخبرنا أبو تريكة لماذا لم يطالبوا إدارة القناة التى تملأ جيوبهم بالمال بمقاطعة الدورى الفرنسى؟ ولماذا لم يطالبوا صاحب شبكة القنوات كلها بسحب استثماراته من نادى باريس سان جيرمان الفرنسى؟!
لا إجابات هنا، لأنه لا إخلاص هنا، هؤلاء لا يبحثون عن نصرة رسول الله، ولا يغضبون بسبب الرسوم المسيئة، هم فقط يسعون لاستغلالها واستغلال محبة النبى فى نفوس أهل الإسلام من أجل تصفية حسابات سياسية مع فرنسا التى تعادى أردوغان حليف قطر الأول، وفى نفس الوقت لمداعبة مشاعر وقلوب العامة من أهل الإسلام من أجل إعادة تيارات الإسلام السياسى إلى المشهد مرة أخرى بصفتها حامى حمى الإسلام ورسوله.
يقول أردوغان، ماكرون مريض عقلى، دافعوا عن الرسول ، انتصروا للرسول، ومن خلفه يردد أراجوزات الإعلام الإخوانى الممول تركيا، قاطعوا المنتجات الفرنسية، أردوغان هو الخليفة، هو الوحيد من بين زعماء العالم الإسلامى الذى انتصر للرسول والإسلام ورد على الرئيس الفرنسى ماكرون.
حسنا، لماذا ينتصر أردوغان دوما بـ«الجعجعة» ولا ينتصر بفعل على الأرض؟ لماذا يدعو أردوغان المسلمين لمقاطعة المنتجات الفرنسية وهو الذى يتبادل تجاريا مع فرنسا بأكثر من 20 مليار دولار سنويا؟! لماذا لا ينتصر أردوغان للرسول عليه الصلاة والسلام بتحريم الدعارة فى شوارع تركيا؟ أو بإيقاف عمليات القتل الدموية التى يمارسها جنوده بحق أهلنا فى سوريا أو العراق؟ لماذا لم ينتصر أردوغان للنبى عليه الصلاة والسلام بكف الأذى الذى يمارسه هو وحزبه ضد الملايين التابعين لحركة فتح الله كولن بدلا من تشريدهم فى أرض الله وقتلهم فى السجون؟.
لماذا لم ينتصر أردوغان للنبى عليه الصلاة والسلام بإعلان الحقيقة كاملة بخصوص ما يفعله «ماكرون»؟! لماذا لا يخبر العالم أجمع بأن الرئيس الفرنسى هاجم تمويلات وتحركات قطر وتركيا داخل المراكز الإسلامية المتطرفة ولم يهاجم الإسلام نفسه؟، لماذا لا يعترف الإخوان بأن خطابهم المتطرف وأفكار سيد قطب هى ما دفعت المسلمين لذبح الرجل الفرنسى فى قلب الشارع راسمين بذلك أسوأ صورة ممكنة للإسلام ولرسوله ولرسالته؟!
الإخوان الذين يصرخون الآن لنصرة النبى، عليه الصلاة والسلام، بسبب الرسوم المسيئة، يرسمون كل ليلة للنبى محمد ألف صورة مسيئة، بما يتم ارتكابه من جرائم وإخراجه من فتاوى يتم تأويلها والتلاعب بها وإلصاقها بالإسلام، الإخوان يرسمون ألف صورة مسيئة للنبى الكريم بشرعنة الشتيمة بالألفاظ القبيحة ضد خصومهم وقلب النصوص والأحاديث للتأكيد على أن الشتيمة شرعية، وتأويل النصوص والأحاديث لجعل القتل والتفجير والإرهاب أمرا شرعيا وجهادا، أليست تلك الصور التى يرسمها الإخوان للإسلام ولرسوله أكثر إساءة من ألف كاريكاتير يرسمه أجنبى جاهل بالدين والنبى، أليس التأول على النبى والتلاعب فى سنته واستغلالها لشرعنة أفعال الجماعة وإرهابها رسوما مسيئة؟!.
لن تجد منهم إجابة ولا ردا ولا تفسيرا مقنعا، لأن الإخوان ومن معهم يرسمون فى كل ليلة ألف صورة مسيئة للإسلام ورسول الإسلام بأفكار سيد قطب المتطرفة والدموية، وبأموال قطر التى لا تظهر إلا فى نشر الإرهاب والخراب، و«جعجعة» أردوغان التى لا تظهر إلا لإثارة العواطف والتلاعب بالبسطاء من أجل تصدير صورة الخليفة المزعوم.
ارجع بذاكرتك للخلف قليلا وتذكر معى شيوخ الإخوان ورجال تيارات الإسلام السياسى وهم يشرعنون ممارسة العنف والدم ويتلاعبون بسنة النبى محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، حتى يمرروا كل أفعال الإرهاب والقتل من أسفل ثوبه الأطهر من أن تلوثه الدماء، لأن رسالته، صلى الله عليه وسلم، كانت أساسها تحريم الدم، أساسها الرحمة والتسامح لا العنف والتطرف.
تذكر علاء أبو النصر ابن الجماعة الإسلامية الذى خرج عبر شاشات الجزيرة ليتجرأ على النبى، عليه الصلاة والسلام، ويخالف نص حديثه الشريف، ويقول: إن الحفاظ على شرعية مرسى أهم من حرمة الدماء، ويرد عليه أهل الدين قائلين: كف عن حديثك فلقد قال النبى «لحرمة دم المسلم أشد عند الله من حرمة الكعبة»، فيظهر الإخوان فى المشهد ويبيعون حديث النبى، صلى الله عليه وسلم، بثمن بخس ويشترون كلمات علاء أبو النصر التى تروج للعنف بالمخالفة لنصوص الدين لأنها فقط فى مصلحتهم، وتلك عادتهم، مصلحة الجماعة فوق مصلحة الدين ذاته، بل وجثة الدين ذاته إن استدعى الأمر.
الفتوى الجرائمية التى خرج بها علاء أبو النصر واعتدى من خلالها على تعاليم الرسول عليه الصلاة والسلام مشوها دينه ونازعا صفات الرحمة والسماحة من منهجه، ليست «شطحة» فردية من شخص يعانى من خلل فكرى، بل أساسها موجود هناك فى أفكار سيد قطب، وما زال يتم استخدام هذا المنهج حتى الآن.
لا تتعجل يا عزيزى انتظر وستقرأ بنفسك ما يروجه العديد من شباب الإخوان وأراجوزات الجماعة عبر قنواتهم التركية.. اقرأ لكى تفهم أن كل شىء عند هؤلاء قابل للبيع والتشويه من أجل الحفاظ على مكاسبهم وحشد أتباعهم وأنصارهم حتى ولو كان ذلك بالقول الحرام.. وقولهم فى هذه المرة أصاب أول ما أصاب رسول الله الكريم وشوه كل المواقف التى كنا نستخدمها فى الماضى للتدليل على رحمته وعظمته وسماحته.. اقرأ يا سيدى وبتركيز كيف يرسم الإخوان ومن معهم رسوما مسيئة للنبى عليه الصلاة والسلام:
-إن النبى، صلى الله عليه وسلم، الذى عفا عن أهل مكة فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، هو الذى حدد أناسًا بعينهم فقال: اقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة.
-وأن النبى الذى احتمل إيذاء أهل الطائف عندما ذهب لدعوتهم، وقال: لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئًا، هو الذى قال لمشركى قريش عندما غمزوه واستهزأوا به وهو يطوف بالبيت: لقد جئتكم بالذبح.
-وأن النبى الذى احتمل جهل الأعرابى وأعطاه وزاده لما جذبه بردائه وقال: أعطنى فإنه ليس مالك ولا مال أبيك، هو النبى الذى نصح رجلًا يجالسه فقال: كل بيمينك فرد الرجل: لا أستطيع، ما منعه الكبر، فدعا عليه: لا استطعت.. فما رفعها إلى فيه.
-وأن النبى الذى عفا عن رجل استل سيفه وجاء ليقتله وهو نائم، هو نفسه النبى الذى أمر عليًا أن يضرب عنق أبو عزة الجحمى الشاعر بعد أن انطلق يؤلب القبائل عليه.
-وأن النبى الذى أعطى الأمان لأهل الذمة وأسقط عن من لا يستطيع منهم الجزية، هو الذى أقر الأعمى لما قتل اليهودية التى خاضت فى النبى مرات وكان ينهاها فما انتهت.
هكذا فعل سيد قطب ومن خلفه يفعل أراجوزات الإعلام الإخوانى، يقتطعون الوقائع من سياقها التاريخى والسياسى والدينى، ويقومون بلى عنق الأحداث والأحكام ليصنعوا مقارنة غير طبيعية تخدم مصالحهم حتى ولو كان فى هذه المقارنة ظلم لأشرف الخلق أجميعن.
فهل تنتظر يا عزيزى القارئ من أناس ارتضوا بيع وتشويه سماحة محمد، صلى الله عليه والسلام، مقابل شراء بقاء محمد مرسى فى السلطة حفاظا على دين أو إعلاء لكلمته.. والله ما يريد أمثالهم سوى سلطة تمنحهم قدرة على تمرير طغيانهم من خلال عباءة الدين.
تدبر وفكر ولا تخدعنك شعاراتهم أو «جعجعة» أسيادهم، فمن يريد نصرة النبى لا يشوه صورته بفتاوى مكذوبة، ولا يتلاعب فى سنته لشرعنة العنف والدم، من يريد نصرة الإسلام لا يقتل المسلمين فى سوريا وليبيا، من يريد نصرة نبى الإسلام لا يفعل ذلك فى مؤتمر «جعجعة»، بل ينصر نبى الإسلام بالكف عن استغلال اللاجئين السوريين لتحقيق مكاسب سياسية.
دع حميتك وحماسك على أقرب رف، ولا تزايد على من يريد شكلًا متحضرًا للاعتراض، وطريقة أكثر تعبيرًا عن عظمة الإسلام فى الاحتجاج بدلًا من طريق الدم والإرهاب، ولا تصرخ فينا قائلًا: «يا خانعين، يا خاضعين، يا كارهى نبى الإسلام»، لأن نبى الإسلام ومن بعده صحابته لم يردوا الإساءة بالإساءة، ولم يضبط أحدهم يومًا متلبسًا بتعجل دون تفكير يكون نتيجته تصرف أحمق، بأى ذنب يتحمل الإسلام خطاياكم التى تعزز من اتهامات العنف والتطرف التى ألصقها بالإسلام بن لادن ورفاقه الذين ترفعون صورهم لإغاظة الغرب؟
نصرة الرسول فى بناء وطن محترم لا يجوع فيه فقير، ولا يموت بداخله إنسان بسبب تحريض الجزيرة أو تمويل تركى لميليشيات مسلحة، نصرة الرسول فى تصدير صورة رسالته الحقيقية القائمة على القوة الذكية والسماحة التى لا تعرف خضوعًا ولا تفريطًا فى الحق.. الإسلام ليس دين الهوجة، ولن تجد فى السيرة النبوية العطرة حادثة واحدة خرج فيها المسلمون للرد على عدو أو خصم دون تفكير وتدبير.. هل تسمح لى أن أنهى لك هذا الموضوع بكلمة فى ودنك لكى تعرف كيف سقطت فى الفخ.. الله فى كتابه العزيز ذكر كلمة «وأعدوا» قبل «ترهبون»، لكن أنتم وشيوخكم ومن تشحنه الكلمات الرنانة قررتم مخالفة ما جاء به الله، وأصررتم على أن «ترهبوا» قبل أن «تعدوا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة