"لست خليفة الله ولكنى خليفة رسول الله" هكذا قال الصحابى الجليل أبى بكر الصديق، أول خليفة للمسلمين، بعدما لقب بالخليفة، وهذا اللقب يمثل صفة أبى بكر الاعتبارية فى دولة الخلافة الراشدة، وتمر اليوم الذكرى الـ97، على إعلان قيام الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية، وكان أول رئيس لها مصطفى كمال أتاتورك، وذلك فى 29 أكتوبر عام 1923، ويعتبر الكثير من مؤيدى دولة آل عثمان، وما تروج له حكومة الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان، أن هذا التاريخ هو تاريخ سقوط الخلافة الإسلامية، فهل حقا كان العثمانيون ينطبق عليهم لقب خليفة؟
بحسب كتاب "الأحكام السلطانية" للفقيه والقاضى أبو الحسن الماورى، فإن نظام الخلافة الإسلامية قام فى الأساس على أربعة شروط هي: البيعة الحرة بغير إكراه أو تدليس، العمل بالشورى فى القرارات الهامة، الحكم بالعدل المبين شرعًا، قرشية النسب.. إضافة لشروط فرعية كسلامة الجسد والحواس، والاستقامة فى السلوك الشخصي، وغيرها.
وبحسب الكاتب السعودى محمد السعدى، أبوبكر الصديق رضى الله عنه هو الوحيد فى التاريخ الإسلامى الذى ينطبق عليه لقب خليفة رسول الله، فهو يحتكر هذا اللقب لوحده بلا منازع، وحتى عمر بن الخطاب، وهو من هو، لم يكن ينطبق عليه لقب خليفة رسول الله.
ويرى الكاتب سالف الذكر، أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، رضى الله عنهم، يمثلون أركان الخلافة الراشدة، وبنهاية عصرهم أسدل الستار على حقبة من حقب التاريخ الإسلامى لن تتكرر مجددا، لأن لها ظروفها الخاصة بها التى لن تتجدد فى أى عصر آخر، فهؤلاء الأربعة قد عاصروا الرسول.
وبحسب الباحث فى التاريخ الإسلامى وليد فكرى، بقيام الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبى سفيان بتغيير نظام تداول السلطة من الاختيار الحر والبيعة الحرة إلى "التوريث لولى العهد" تم إقصاء الشرط الأول سالف الذكر، وبقى الشرطان الثانى والثالث -الشورى والعدل- رهن سياسة الحاكم، بينما تم التمسك بشدة بالشرط الرابع، قرشية النسب.
ورث العباسيون هذا النظام وبقى الخليفة هو رأس الدولة شكلًا وفعلًا حتى نهاية العصر العباسى الأول بارتفاع نفوذ قادة الجند من الجنس التركى واغتيالهم الخليفة المتوكل على الله ثم ابنه المنتصر بالله، وتحول الخليفة إلى مجرد "صاحب منصب شرفي" بل ألعوبة فى أيدى القادة الذين كان الحكم الفعلى بأيديهم.
ويفسر "فكرى" عدم اتخاذ المماليك لأنفسهم لقب "خليفة" لمراعاة احترام الشروط الشرعية للخليفة وعنصر قرشية النسب-الذى وإن كان مختلفا عليه إلا أنه كان محل تمسك والتزام-والمعروف عن المماليك أنهم كانوا يتمسكون بشدة بتلك الشكليات خاصة مع مساسها بالشعور العام للمسلمين.
فى القرن الثامن عشر-وتحديدًا فى عهد السلطان العثمانى عبد الحميد الأول- بدأت تظهر وتنتشر قصة تقول إن الخليفة العباسى الأخير -المتوكل على الله- قد سلم الخلافة للسلطان سليم الأول، وبهذا فإن السلطان هو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، الغريب أنه لا المصادر العربية ولا العثمانية قبل هذا الوقت تناولت هذه الواقعة المزعومة.. فلو نظرنا مثلًا فى كتابات الرحالة العثماني-أوليا جلبي- والذى كان متعصبًا لآل عثمان، أو المؤرخ العثمانى إبراهيم بجوى أفندي، فإننا لا نجد ذكرًا لواقعة التنازل وهى واقعة المفترض أن يحتفى بها المؤرخ العثمانى.
ومن الناحية العربية لا نجد فى كتابات ابن إياس-المعاصر لبداية الاحتلال العثمانى- ذكرًا لهذا الخبر، وهو أمر جلل لم يكن ليتجاهله فواقعة خروج الخلافة من بيت عربى قرشى إلى بيت عجمى تركى هى واقعة مهولة لا يُسكَت عنها!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة