العالم الافتراضى، السوشيال ميديا أو ما يعرف اصطلاحا بـ"مواقع التواصل الاجتماعى" فيه المنطق غائب طوال الوقت، والعقل أسير "الشير والريتويت" والسير فى قطيع العابثين، وفضيلة التحقق من حقائق الأشياء مندثرة اندثار الديناصورات، والعاطفة دائمًا متأججة، سلبًا وإيجابًا، وفق الميول العقائدية والفكرية والسياسية، وادعاء المعرفة فى كل المجالات بما فيها الفلك وعلوم البحار والجيولوجيا والفيزياء والكيمياء والعلوم العسكرية والمفاعلات النووية، وثقب الأوزون، وكافة الألعاب الرياضية البدنية والذهنية، بجانب إصدار الفتاوى الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، علاوة على علم الغيب وما تخفيه الصدور.
السوشيال ميديا تعج بلجان الذباب الإلكترونى التابعة لجماعات وتنظيمات إرهابية، وكيانات معادية، وعصابات تتاجر فى كل شىء، بما فيها "تجارة البشر"، بالإضافة إلى كتائب التشكيك والتسخيف واغتيال سمعة الشرفاء بدم بارد، وبأريحية مطلقة، وإصدار أحكام الإدانة والبراءة دون دليل أو تحقق.
فى مواقع التواصل الاجتماعى تجد الشىء ونقيضه، معارك وسجالات وقضايا مشتعلة، للدرجة التى يعتقد فيها الشخص أن أجواء كوكب الأرض ارتفعت درجة سخونته للغليان، وتجد قضايا تتقاطع مع صحيح الدين، ومع العادات والتقاليد، وخليط عجيب من التعصب والتطرف والإباحية، وكأنها مستشفى للأمراض النفسية والعصبية، مقسمة عنابر، كل عنبر حسب الحالة المرضية، تبدأ بالاكتئاب، وتتدرج حتى تصل إلى عنبر الخطرين!!
فعلى سبيل المثال، وخلال الأسبوع الماضى، اجتاح مواقع التواصل الاجتماعى فيديو لوصلة رقص مثيرة لراقصة برازيلية تدعى "لورديانا"، وصارت حديث القاصى والدانى، وبحثوا عن السيرة الذاتية لهذه الراقصة، واستمرت حالة المتابعة بشدة، على مدار الساعة لمدة تجاوزت أربعة أيام، وتضاءلت الاهتمامات بالأخبار ومتابعة الأحداث فى كافة المجالات، بجانب أخبار "الراقصة البرازيلية" المغمورة..!!
ووسط هذه الاحتفائية الكبرى بالراقصة البرازيلية اللوزعية، انقلب الاهتمام 360 درجة كاملة، وصارت السوشيال ميديا تهتم برسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، رافعين شعار "إلا رسول الله".. بعد التصريحات القادمة من فرنسا، وهو تحول دراماتيكى من أقصى "الشمال" إلى أقصى "اليمين".. من الخلاعة المطلقة إلى التدين المتشدد، والذى وظفته لجان الذباب الإلكترونى لجماعة الإخوان الإرهابية، وانساق وراءها للأسف الأبرياء من الذين صدقوا "بالعاطفة" ما تردده هذه الجماعة.
ونحن هنا لسنا بصدد تقييم حملة التعاطف الكبرى مع رسول الله، وأشرف الخلق، وإنما نعرج فقط على التحول الاستراتيجى، فى اهتمامات المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعى، ما حدا بالكثيرين لتغيير مسمى السوشيال ميديا من "مواقع التواصل الاجتماعى" إلى "مستشفى السوشيال ميديا للأمراض النفسية والعصبية".. وحجة هؤلاء أن ما يحدث على هذه المواقع غير منطقى ويتقاطع بعنف مع العقل.. فالتحولات الجوهرية فى الاهتمامات، من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، فجأة وبسرعة، تثبت مدى الارتباك الشديد الذى يسيطر على السوشيال ميديا للدرجة التى تثير "الجنون"..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة