يؤمن بعض المسلمين خاصة الشيعة بما يسمى "الغيبة" أو عهد ما يعرف بـ الأئمة المستورين، ومفادها أن هناك إماما قد دخل فى ستر فلا يراه أحد، لكنه ليس ميتا، وسوف يعود فى يوم من الأيام ليملأ الأرض عدلا بعدما ملئت ظلما، ويعتمدون فى ذلك على عقيدة المسلمين بأن المسيح عيسى بن مريم لا يزال حيا فى السماء وأنه سيعود فى نهاية الأمر، كذلك على أحاديث المهدى المنتظر.
وعلى مدار التاريخ الإسلامى هناك العديد من الشخصيات التى اختفت ولم يعثر لها على أثر، فنثر حولها الحكايات والأساطير وبعضهم أشيع أنه المهدى المنتظر، ومن أبرز تلك الشخصيات:
محمد ابن الحنفية
أبو القاسم محمد بن على بن أبى طالب الهاشمى القرشي، وأمه خولة بنت جعفر الحنفية، فينسب إليها تمييزاً عن أخويه الحسن والحسين، يكنى أبا القاسم، حيث أذن رسول الله لولد من على بن أبى طالب أن يسمى باسمه ويكنى بكنيته. ولد فى خلافة عمر بن الخطاب سنة إحدى وعشرين للهجرة، وهو أحد الأبطال الأشداء، كان ورعاً واسع العلم ثقة له عدة أحاديث فى الصحيحين.
ترى جماعة "الكيسانية" أن الإمام الغائب هو الإمام محمد بن الحنفية، ابن الإمام على بن أبى طالب وأنه دخل الغيبة فى عام 81 هـجرية، وكان عمره وقتها 60 عاما، ويذكر الشهرستانى فى كتابه "الملل والنحل" أن هناك أشعاراً وضعها بعض المنتسبين للكيسانية للتأكيد على تلك العقائد، ومنها ما نُسب إلى كثير عزة: ألا إن الأئمة من قريش/ ولاة الحق أربعة سواء/ على والثلاثة من بنيه/ هم الأسباط ليس بهم خفاء/ فسبط سبط إيمان وبر/ وسبط غيبته كربلاء/ وسبط لا يذوق الموت حتى/ يقود الخيل يقدمه اللواء/ تغيب لا يرى فيهم زماناً/ برضوى عنده عسل وماء.
جعفر الصادق
بينما تذهب جماعة الناوسية أن الإمام الغائب هو الإمام جعفر الصادق وقد دخل غيبته فى عام 148هجرية وكان عمره وقتها 65 عاما.
بعد وفاة جعفر الصادق سنة 148 هـ حصل انشقاق بين الشيعة: فريق ساق الإمامة إلى موسى بن جعفر الصادق، وهو المعروف بالكاظم. وهؤلاء أُطلق عليهم الموسوية، والإمامية، والاثنا عشرية. وفريق آخر ساق الإمامة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، فسُمّوا "الإسماعيلية". وكان إسماعيل هذا أكبر إخوته، وقد رأى الإسماعيليون أن جعفر الصادق نصّ على إمامة إسماعيل. ثم وقع الخلاف بينهم: هل مات إسماعيل فى حياة أبيه أم لا؟ والأشهر عندهم أنه مات فى حياة أبيه سنة 145 هـ.، ومن رأى أنه لم يمت ذهب إلى أنه هو المهدى المنتظر.
محمد المهدي
الإمام الثانى عشر بين الشيعة الإثنا عشرية، أكبر فرع من المذهب الشيعي، اختفى وقيل أن الله أخفاه من حتى يظهره بين الناس.
تذهب جماعة الشيعة الإثنا عشرية إلى أن الإمام "محمد المهدى" اختفى فى يوم 15 شعبان من عام 255هـ، ويعتقدون أن الإمام لمدة 72 سنة كان غائبًا، لكنّه كان يُعين نائبًا له يتحدث باسمه ويبلغ الناس عنه وهم أربعة نواب الواحد تلو الآخر:
عثمان بن سعيد العمرى، وهو أبو عمرو عثمان بن سعيد العمرى الأسدى، لم يرد فى المصادر التاريخيّة عام ولادته ولا عام وفاته، اختصَّ بوكالة الهادى والحسن العسكرى وتعتقد الشيعة بأنّ الحسن العسكرى عيَّنه نائبًا لابنه المهدى وقد دفن الشيخ العمرى فى بغداد فى المنطقة المعروفة الآن بسوق الهرج قرب بناية وزارة الدفاع القديمة.
الإمام محمد بن إسماعيل المكتوم
وجماعة "السبعية" ترى أن الإمام محمد المكتوم هو إمام الغيبة، وأنه قد دخل الغيبة فى عام 193 وكان عمره وقتها 61 عاما.
توفى الإمام محمد المكتوم طبقا للروايات الشيعية، لكن بعض الإسماعيليين وهم "السبعية" يصرون على أنه لم يمت، وإنما دخل فى غيبة، وناب عنه الدعاة، حتى عهد النائب الرابع عبد الله الأكبر، الذى أعلن نفسه إماما، وأسس ما يعرف باسم القرامطة وبعدهم انتهت هذه الفكرة.
فى عام 193هجري-809 ميلادى توفى الإمام طبقا للروايات الشيعية ولكن بعض الإسماعيليين يسمون السبعية يصرون على أنه لم يمت وإنما دخل فى غيبة وناب عنه الدعاة حتى عهد النائب الرابع عبد الله الأكبر الذى أعلن نفسه إماما وأسس ما يعرف باسم القرامطة وبعدهم انتهت هذه الفكرة.
ويعتقد الإسماعيليون الآن بكافة طوائفهم أنه مات وانتقلت الإمامة من بعده للإمام الوافى أحمد، طبقا للتأريخ الإسماعيلى فإن الائمة الثلاثة الذين خلفوه كانوا مستورين من سطوة النظام العباسى ولم يكن أحد يعلم بأماكنهم إلا المقربين فقط وهو ما يعرف بعهد الأئمة المستورين. الذى انتهى بإعلان عبيد الله المهدى تأسيس الدولة الفاطمية.
الحاكم بأمر الله
الخليفة الفاطمى السادس والإمام الإسماعيلى السادس عشر، ركب حماره إلى تلال المقطم خارج القاهرة فى إحدى الليالى ولم يعد. لم يعثر إلا على حمار وثيابه ملطخة بالدماء.
يرى الدروز أن الحاكم بأمر الله الفاطمى دخل الغيبة فى يوم 23 ربيع الأول عام 411 وكان فى الـ 36 عاما من عمره.
اختفى الحاكم فى إحدى الليالى أثناء رحلته المسائيَّة، من المفترض أنه تم اغتياله، ربما بناءً على طلب من أخته الكبرى ست الملك، بينما يعتقد الدروز أنه ذهب إلى الغيبة مع حمزة بن على بن أحمد وثلاثة من الدعاة البارزين الآخرين، تاركين رعاية "الحركة التبشيرية التوحيدية" لزعيم جديد، وهو المقتنى بهاء الدين.
هشام المؤيد
عاشر الحكام الأمويين للأندلس وثالث خلفائهم فى قرطبة، خلف أباه الخليفة الحكم المستنصر بالله عام 366 هـ، وهو فى سن الثانية عشر تحت وصاية أمه صبح البشكنجية. شهدت خلافته بداية انحسار سطوة دولة بنى أمية فى الأندلس بعد أن كانت قد بلغت أقصى درجات عظمتها فى عهد جده عبد الرحمن الناصر لدين الله وأبيه الحكم، حيث سيطر الحاجب المنصور بن أبى عامر على مقاليد الحكم، وأسس دولة داخل الدولة.
أواخر عام 403هـ حاول أهل قرطبة وجندها القيام بمحاولة يائسة لفك الحصار؛ فخرجوا بكامل قوتهم لمواجهة البربر، لكنهم نالوا هزيمة ساحقة، خرج بعدها بعض أعيان قرطبة لطلب الأمان من المستعين مقابل تسليم المدينة، فوافق مقابل غرامة مالية كبيرة، قاموا بدفعها.
لم يمنع أمان المستعين البربرَ من الانتقام من أهل قرطبة سلبًا ونهبًا و تقتيلا. أما المستعين فقد أمسك بهشام المؤيد، وهذه هى المرة الثانية التى يقع فيها المؤيد فى قبضة المستعين، لكن هذه المرة اختفى هشام، لا يعرف أحد على وجه التحديد ماذا فعل المستعين بهشام.. الرواية الراجحة أنه قتله، ويؤيدها أن المستعين عندما سقط عام 407هـ بعد تمرّد البربر عليه، فإنهم قتلوه، ومن ضمن عريضة الاتهام أنه قتل الخليفة السابق له هشام المؤيد بالله.
لكن هناك روايات أخرى تتحدث أنه أخفاه لعله يحتاج لإظهاره كما فعل المهدي. عمومًا لم يُعثَر للمؤيد على أثر حيًّا أو ميّتا، ولعل هذا ما جعل لقصته بقية، وجعل اسمه يتردد بين جنبات الأندلس لسنوات، بل لعقودٍ تالية.
أبو يوسف يعقوب بن يوسف المنصور
سلطان وثالث خلفاء الموحدين ببلاد المغرب. خلف والده أبو يعقوب يوسف. حكم من 1184 حتى وفاته فى مراكش عام 1199، ولكن وفاته عليها العديد من الشكوك، إذ اختفى فى آخر أيامه ولم يعثر له على أثر.
قال المؤرخ ابن خلكان: وبعد هذا اختلفت الروايات فى أمره، فمنهم من قال إنه ترك ما كان فيه وتجرد وساح فى الأرض حتى انتهى إلى بلاد الشرق وهو مستخف حتى مات. وقيل إنه بعد أن انتهت فترة حكمه، جال فى الأرض إلى أن وصل إلى منطقة فى بلاد الشام هى اليوم فى لبنان حيث دفن على قمة تلة فى البقاع الغربى وهى الآن قرية تعرف باسمه "قرية السلطان يعقوب" وفيها مزار لهذا السلطان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة