يبدو أن حجم الدعاية حول فاعلية لقاحات كوفيد 19، لم تستطع إخفاء القلق لدى قطاعات واسعة من علماء الفيروسات واللقاحات، من أن يكون الضغط العالمى للإسراع فى إنتاج وطرح لقاحات ضد كورونا يتسبب فى أن تخرج اللقاحات وهى غير كاملة التجريب الأمر الذى قد يؤدى لطفرات أو آثار جانبية قد تتفوق على آثار الفيروس نفسه. والعامل الثانى الذى يدفع بالقلق إلى عقول الباحثين هو مدى التضارب فى الآراء حول طبيعة الفيروس، والإعلان عن عدد كبير من التجارب لإنتاج لقاحات وتتم بمعزل عن بعضها البعض، مما يجعل المعرفة عن هذه اللقاحات شحيحة، وذلك لأن كل طرف يعمل بمعزل عن خبرات وآراء ومعرومات الآخرين، فضلا عن مشكلات سياسية وعلمية تجعل تأثير الدعاية أقوى من تأثير العلم نفسه.
ونحن هنا نتحدث عن آراء علمية يطرحها علماء وخبراء وباحثون، وليست مجرد هواجس أو أفكار ميتافيزيقية، وقد سبق وحذر الخبيران فى الذكاء الاصطناعى، من التضارب فى الآراء والأوراق البحثية والعلمية الخاصة بفيروس كورونا المستجد، ونشر كل من البروفيسور جانيش مانى، من جامعة كارنيجى ميلون، والدكتور توم هوب من معهد «آلن» للذكاء الاصطناعى، ورقة فى مجلة علم البيانات Patterns: طالبا فيها بتصنيف الأوراق وفرزها، حتى يمكن الاستفادة منها وقال العلمان إن الفترة حتى أغسطس شهدت إنتاج 8000 ورقة علمية حول فيروس كوفيد 19، تتنوع بين مجالات الطب والبيولوجيا والكيمياء وأن هذه الأوراق يصعب على شخص واحد استيعابها، فضلا عن وجود تضارب بينها فى الآراء الواردة فيها، وهو ما يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعى فى فرز وتصنيف هذه الأوراق بشكل يجعلها أكثر فائدة، بل وأشار العالمان إلى أن من بين هذه الأوراق كلاما ليس علميا أو يخلو من التجريب أو المنطق، وأشارا إلى أن الاستعجال فى الأبحاث أو السعى لإنتاج اللقاح قد تكون مبنية على مقدمات خاطئة أو ناقصة، ووصف العالمان ما يحدث من تضارب وتكاثر للأوراق العلمية بأنه «وباء معلوماتى».
لم يكن هذا الرأى من العالمين فقط، لكنه انطلق من جهات علمية متعددة، ترى أن الاستعجال والدعاية وتدخلات السياسة، من شـأنها أن تفسد العمل العلمى الحقيقى، وتضع البحث فى مهب الرغبات التجارية والدعائية أكثر منها اتجاهات علمية، وتتجدد هذه الآراء لدرجة أن بعض خبراء الفيروسات والأطباء ينصحون المواطنين بالتروى قبل تلقى لقاح كورونا، وانتظار ما تسفر عنه عمليات التلقيح للدفعات الأولى من البشر، فى إشارة إلى تسييس المرض واللقاحات والأدوية.
ووصل الأمر إلى ظهور آراء ونظريات تكرر ما سبق وأعلنه خبراء فى بداية ظهور الفيروس، بأن كورونا سوف يختفى بعد الانتخابات الأمريكية وانتقال السلطة، كما أن البعض يشير إلى تراجع الإصابات فى الصين بالرغم من أنها كانت بؤرة ظهور وانتشار فيروس كورونا، بينما يتصاعد الفيروس ويتسع فى أوروبا والولايات المتحدة ودول العالم فى موجة ثانية تبدو أسرع انتشارا وأكثر شراسة، مع توقعات بحدوث طفرات يمكن أن تغير من مسار الفيروس.
ومن هذه النقطة ينطلق علماء الفيروسات ليلقوا باللوم على الدول الكبرى وشركات الأدوية والتى أهملت أبحاث الفيروسات طوال أكثر من عقدين بالرغم من تحذيرات ظهرت فى أعقاب ظهور إنفلونزا الطيور والخنازير وسارس، وهو ما مثل ثغرات فى بنيان العلم الأكاديمى بالرغم من التقدم العلمى الهائل الذى وصلت إليه البشرية، وأن هذه الثغرات وراء التضارب والتناقض فى آراء وأبحاث الفيروسات بالعالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة