أكرم القصاص - علا الشافعي

فى محبة سعيد الكفراوى.. ما كتبه إبراهيم عبد المجيد عن صديق عمره في أحدث كتبه

السبت، 14 نوفمبر 2020 01:56 م
فى محبة سعيد الكفراوى.. ما كتبه إبراهيم عبد المجيد عن صديق عمره في أحدث كتبه إبراهيم عبد المجيد وسعيد الكفراوى
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أحدث كتبه "الأيام الحلوة فقط" الصادر عن دار بيت الياسمين للنشر، حكى الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد، عن علاقته بعدد كبير من كتاب جيله من الأدباء المصريين والعرب، كان من بينهم القاص الكبير سعيد الكفراوى، الذى غاب عن عالمنا، اليوم السبت، عن عمر ناهز 81 عاما، بعد رحلة طويلة قضاها فى الكتابة والإبداع.
 
كتاب الايام الحلوة فقط
 
كتب إبراهيم عبد المجيد، أحد هؤلاء المقربين من قلب وعقل كاتبنا الراحل فصلا فى كتابه الجديد بعنوان " فى محبة سعيد الكفراوى"،وقال عن صديقه الراحل:
 
جمعتنى بـ سعيد الكفراوى رحلات وجلسات بطول العمر، كانت أحلى ما فيه، وهذه بعض مما سيحفل به الكتاب.
 
 فى السعودية عام 1978- 1979 حين كنت أعمل فى تبوك، كنت أراسل مجلة الفيصل ومجلة اليمامة وأنشر فيهما. فى مجلة الفيصل كنت عادة أكتب عروضًا لكتب أجنبية. كنت فعلت ذلك قبل أن أسافر وواصلت فعله. فى مجلة اليمامة وكانت أسبوعية كنت أكتب صفحتها الأخيرة بعنوان أسئلة ثقافية تحتاج إلى إجابات. بعد أول شهر سافرت إلى الرياض لأتقاضى مكافأتي. كان سعيد يعمل محاسبًا بالرياض ومعه زوجته وابنه البكر حوريس طفلًا. استضافنى سعيد فى بيته أول مرة، وأذكر أنى وصلت قبل الموعد فجلست على الرصيف حتى يأتي؛ لأنَّ أحدًا لم يكن بالبيت، وخرجتُ من هذه الجلسة بقصة قصيرة عنوانها “الغريبان”، عن غريبين فى الرياض لا يصلان إلى بيتيهما، ونُشرت فيما بعد فى مجموعتى (الشجرة والعصافير)؛ لأن شخصًا مصريًّا مرّ بى وسألنى عن عنوان ما، فقلت له لا أعرف، وشعرتُ به حائرًا للغاية. كتبت القصة عن هذا الشعور بالتيه. بعد ذلك كان الناقد والمترجم فتحى العشرى ومعه الشاعر مجدى نجيب يعملان فى مجلة الفيصل وكان بها مكان ينامان فيه ويتسع لغيرهما، فكانا يستضيفانى حين أسافر إلى الرياض وأبيت معهما فى المجلة. طبعًا هذا لم يستمر إلا أشهرًا قليلة، ثلاثة أو أربعة الأشهر الأخيرة؛ لأنى عدت ولم يكتمل العام، ولم أستمر فى السعودية.
 
جمعت بيننا أكثر من سفرية، وسأختار شيئًا من المغرب هنا. فى كل مرة لم نفترق عن بعضنا أبدًا. تقريبًا مشينا وحدنا دائمًا نزور ما نريد من أماكن معًا. فى طريقنا يومًا إلى مسجد الحسن الثانى –ستجد الرحلة مكتوبًا عنها فى كتابى (أين تذهب طيور المحيط ؟)– قال لى كلمة لا أنساها ونحن نشاهد جمال المبانى والأشجار فى الدار البيضاء، عن كيف كان الملوك أكثر قيمة من الرؤساء، حتى أنى جعلت عنوان المقال الذى كتبته عن الرحلة (لماذا كسب الملوك وخسر الرؤساء؟)، كنا نمشى نضحك على تعريب المحلات مثل: (مسمكة) لمحل السمك و(مقشدة أو ملبنة) لمحل اللبن، ونتحدث عن التعريب فى الدول الفرانكوفونية التى عانت من الاحتلال الفرنسي، لكن كان إعجابنا بالحفاظ على تراث تلك الفترة من مبانٍ وأشجار. فى إحدى المرات ونحن نمشى على شاطئ المحيط وحدنا، وجدنا سيارة ملاكى ينظر منها شخص يسألنا: “مصريين؟”، قلنا: “نعم”. نزل من السيارة، وقال: “أنا تابع للمؤتمر الثقافى وأبحث عن إبراهيم عبد المجيد وسعيد الكفراوي، وعرفتكما والله دون أن أرى صورة لكما من قبل، باين عليكم الغُلب”! ضحكنا مندهشين، وكان هناك اجتماع هام يجب أن نحضره فركبنا معه. لكن ضحكنا مرة أخرى بعدها بيوم ونحن ننتظر الحافلة بعد جولة مشيناها معا، إذ وجدنا مغربيًّا شابًّا غارقًا فى السكر يسألنا: “من مصر؟”، قلنا: “أيوا من مصر”، قال: “صدام حسين” ورفع أصبعه الإبهام تحية. قال له سعيد: “أيوا هوَّ الريس عندنا من زمان”. وجاءت الحافلة فركبناها وركب الشاب السكران معنا يضحك. فى كل جلسة سهر يحب سعيد أن يطلق النكات والحكايات. الحكاية التى يقولها كلما ذهبنا إلى المغرب هى حكاية جمال عبد الناصر حين زار المغرب أيام الملك محمد الخامس وركب معه سيارة مكشوفة فى طريقهما إلى القصر الملكى أو مكان اجتماعهما والحشود جبارة على الناحيتين تحييهما. أى شخص سيصدق حكاية الحشود هذه، فهكذا كانت فى أى مكان عربى يسافر إليه عبد الناصر وخاصة سوريا. بينما الحشود هادرة بالهتاف واللافتات والأعلام تقدم شخص يقطع الطريق ليصل إلى عربة الملك والرئيس. منعه البوليس لكن الرجل كان يصرُّ، وتقترب العربة، فأشار عبد الناصر للبوليس أن يتركه يتقدم إليهما. تقدم إليه الرجل وسأله: “إنت مصري؟”، فقال: “نعم”، فسأله: “تعرف إسماعيل ياسين؟”، قال: “نعم”، فقال له الرجل: “ابقى سلملى عليه”. النكتة تضحكنا فى كل مرة، ورغم عشرات المرات التى قالها فيها لا تفقد بريقها. طبعًا مغزاها الواضح أن الفنانين أكثر شهرة من السياسيين، وفى المغرب بالذات تجد أن أفضل طريقة يحدثك بها أحد الناس من غير الكتَّاب والمثقفين حين يسألك عن فريد شوقى أو عبد الحليم حافظ أو شادية أو غيرهم من الفنانين، وطبعًا لاعبى الكرة وبالذات أبو تريكة. هذا حقيقي.
 
سعيد يعرف أنى رغم ضخامة جسمى وطولى عاطفى جدًّا، ويمكن أن تسبقنى دموعى فى بعض المواقف. ذهبت معه يومًا إلى أحد الأسواق نشترى شرائط تسجيل أغانٍ مغربية. فهمس للبائع أن يضع شريطًا لنعيمة سميح تغنى (ياك جرحي)، كان يعرف أن هذه الأغنية تسرق منى دموعي، وأنا حتى الآن لم أعرف لماذا يحدث لى ذلك مع هذه الأغنية. تسبقنى دموعى مع أغنية أخرى لفايزة أحمد هى (يا لولى يا غالي). المهم قام الرجل بوضع شريط أغنية نعيمة سميح، فخرجت على الفور من المحل أمسح دموعي، وأحاول أن أتماسك وسعيد يشير لى ويضحك. خرجت من المحل أمسح دموعي، وخرج سعيد يضحك ومعه الشريط، وقال لي: “اشتريته لك”، ومشينا.
 
فى مراكش ذات مرة مشيت مع سعيد فى الأسواق، وكانت جولة جميلة جدًّا. كنا نريد شراء بعض الملابس، وكلما قال البائع سعرًا، قال له سعيد سعرًا أقل بكثير، حتى سألنا أحد الباعة عن عملنا فى مصر. قلت له أنا مدير عام وسعيد لا يعمل. قال لي: “ما هو راتبك؟”، قلت له: “350 جنيه”. كان كذلك ذلك الوقت فى منتصف التسعينيات تقريبًا، وخرجت إلى المعاش فيما بعد وراتبى 650 جنيهًا عام 2006. ما علينا.. سألنى الرجل: “يعنى كم دولار؟”، قلت: “له 150 دولار”. راح الرجل يهتف: “مائة وخمسين دولار.. مائة وخمسين دولار.. مدير عام بمائة وخمسين دولار. مصرى بمائة وخمسين دولار..”، والباعة والناس تضحك، وقال لنا: “خذوا ما تريدون بأى سعر والله”. وقفنا نضحك. المدهش فى هذه الجولة أننا ونحن نمشى وحدنا قبل أن ندخل الأسواق تقدم منا شاب مغربى وسيم وسألنا: “مصريين؟”، قلنا: “نعم”. قال: “طيب أنا عايز أمثل فى السينما. ممكن تساعدوني؟”. وراح يقوم بحركات على الأرض. شقلباظات. ويقف على يديه، وهكذا. قلنا له: “نساعدك إن شاء الله” ونحن نضحك. راح يسألنا عن الممثلين وكيف أحوالهم، كأننا نعرفهم، وقال لنا: “لن أترككم وحدكما فى السوق”. مشى معنا يرشدنا إلى الأماكن التى نسأله عنها، وعن الأشياء التى يمكن أن نشتريها، وبعد الجولة جلسنا فى المقهى معه وعزمنا على الشاى المغربي، وتركناه. فى اليوم التالي، ذهبت إلى هذا المقهى، فوجدت الشاب جالسًا. صافحته. سألني: “هل من جولة أخرى؟”، قلت: “لا”. كنت وحدى وسألته ماذا يعمل، فقال: “مرشد سياحي”. اندهشت جدًّا أنه لم يخبرنا بذلك، وسألته: “لماذا لم تخبرنا حقًّا حتى نعطيك شيئًا من المال”، قال: “المال ليس مهمًّا والله، أنتم ضيوفنا ونحن نحب مصر”. كنت متأثرًا جدًّا لأجله، وأعطيته عشرين دولارًا بعد إلحاح فقبلها فى النهاية، وتركته متأثرًا داعيًا له بالخير، ولما قلت لسعيد، قال: “هذا الشاب قصة ما رأيك أن نكتبها معًا”. قررنا ذلك، لكن لم نفعلها للأسف.
فى سفرة أخرى، كانت معى فيها زوجتى تيسير، وكان مع سعيد ابنه الفنان الجميل عمرو الكفراوى . كالعادة لم نكفَّ عن الضحك. كالعادة تقفز حكاية إسماعيل ياسين مع جمال عبد الناصر، يُضاف إليها حكاياتنا فى السفرات السابقة. قابلنا الكاتب المغربى عبد الكريم الجويطي، وكان من قبل قد عرض علينا أن نزور بلدته بنى ملال. سألنى سعيد بعد أن تركنا: “إيه بن ملال دي! يا عم خلينا فى الدار البيضا ومراكش والرباط وفاس ومكناس”. لكنى هذه المرة شعرت بالإحراج أمام الجويطي. وافقت. كنا سنسافر فى اليوم التالى فى المساء إلى القاهرة، ومن ثم كان السفر متوقعًا أن يكون مرهقًا، لكنا ذهبنا هذه المرة. عبد الكريم الجويطى أخذنا فى سيارته فى المساء حتى يكون لدينا وقت فى اليوم التالى للفُرجة على بنى ملال، ثم العودة على موعد الطائرة للسفر إلى القاهرة . قال لنا الجويطى إن المسافة ليست بعيدة ربما ساعتين أو أكثر قليلًا. وافق سعيد لأنى وافقت وقال لي: “أنت مجنون لكن نروح علشان نخلص من الدعوة دي”. المدهش أن الطريق طال جدًّا حتى وصلنا بعد منتصف الليل. كنا لا نستطيع العودة من منتصف الطريق . كنا فى حرج كبير. أخذنا عبد الكريم قبل أن ننزل فى الفندق لنستريح إلى منطقة خضراء بها شلال مياه صغير تبدو متنزهًا، وكان هناك عروسة وعريس وغناء حولهما، وقال لنا: “غدًا نشاهد أماكن أخرى جميلة “. فى طريقنا داخل المدينة التى ليست كبيرة كنا نرى كثيرًا من البضائع المهملة أمام المحلات. أخشاب وحديد وأشياء تذكرنى بمخازن الخردة فى مصر، وسعيد ينظر لى ويقول: “دى بنى ملال اللى ضيعنا الليلة علشانها”. أخذنا عبد الكريم بعد الفرح إلى مطعم وكان ينتظرنا طعام فاخر وغزير، وكان لأننا مصريون كل الطعام مشويات وكفتة. لم يكن بينه طعام مغربى رغم أننا نحب الطاجين والكسكس. المهم انتهينا وأخذنا إلى الفندق، ودخلت الغرفة التى لى ولزوجتي. ما كدنا نجلس وما كادت زوجتى تفتح الحقيبة الصغيرة التى بها ملابس النوم، حتى هلَّ سعيد علينا فى الغرفة فاتحًا الباب دون حتى أن يدقه، وقال: “أنت حتعمل إيه؟ حتقلع وتلبس وتنام؟ يا للا بينا خلينا نرجع الطيارة حتروح مننا”. ضحكنا ولم نندهش. أغلقت زوجتى الحقيبة الصغيرة، وخرجنا، ونزلنا إلى بهو الفندق حيث عبد الكريم لا يزال ينتظر، وقال له سعيد: “سنعود الآن. خلاص شفنا بنى ملال. حلوة جدًّا”. ارتبك عبد الكريم الجاويطي، ولم يتكلم، وأخذنا إلى موقف باصات وأخذنا طريقنا إلى العودة نضحك ويغالبنا النوم. 
 
طلع علينا النهار فى الطريق ووصلنا حوالى العاشرة صباحًا إلى الدار البيضاء. ارتحنا وقتًا قليلًا فى غرفنا ثم أخذنا طريق العودة. فى المطار فتاة مغربية عند مدخل الطائرة تنظر فى التذاكر، سألت زوجتى تيسير سمك: “عجبتك المغرب؟”، قالت زوجتي: “جدًّا وزرنا كمان بنى ملال”. ابتسمت الفتاة وقالت: “إيه بنى ملال دي؟! دى زى بولاق عندكم”. سكتت زوجتى باسمة ودخلنا الطائرة وهى تقول لى حتى المغربية: “مش عاجباها بنى ملال”. الحقيقة أنى سافرت المغرب مرة أخرى، ولم يكن معى سعيد، وكانت هناك حفاوة بالكاتبة ربيعة ريحان فى مركز ثقافى فى بنى ملال. سافرت على مهل، وأمضيت بها يومين جميلين، فهى بلد صغير، لكن الطبيعة حولها فاتنة وحدائقها رائعة وتستحق الفرجة، لكن ليس بالسرعة التى ذهبنا بها مع عبد الكريم الجاويطي.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة