لا يمكن لشخص عاقل أن يرفض مبادرة مجتمعية وإيجابية مثل المبادرة التي أطلقها المجلس الأعلى للإعلام مع وزارة الشباب والرياضة تحت شعار "لا لتعصب في الوسط الرياضي" بعد أن بلغت حدة التعصب درجة ساخنة وملتهبة لا يمكن السكوت عنها والصمت أمامها. وبلغت حدة التعصب إلى أنها أصبحت مرجعية وأداة فرز بين الجماهير في الانتماء إلى نادى من الأندية الرياضية وبين أفراد الأسرة الواحدة بما يهدد التماسك الاجتماعي داخل الأسرة وبالتالي داخل المجتمع المصرى.
وأجزم أننى شاهد على علاقات صداقة قديمة انتهت بسبب هذا التعصب الأعمى الذى استغله هواة الشهرة من أنصاف الموهوبين والإعلاميين، وأيضا من أجهزة أمنية خارج حدود الدولة لبث روح الفرقة والفتنة بين أبناء الشعب الواحد من خلال الرياضة التي تعد إحدى أدوات التعبير الاجتماعى عن الانتماء للوطن أولا ثم للعبة والنادي.
قبل الانتشار والتوسع في توظيف وسائل الاجتماعى عبر الإنترنت في الرياضة وبث عدد من القنوات الرياضية المتخصصة سواء فى مصر التى بلغت في وقت من الأوقات حوالى 8 قنوات رياضية منها قناتان أو ثلاثة مخصصة للأندية الكبيرة في مصر مثل الزمالك والأهلى ولفترة محدودة نادى بيراميدز، قبل كل ذلك كان التعصب الذى عايشناه منذ الصغر في السبعينات هو تعصب حميد ولحظى لا يمتد إلى ما بعد المباراة أو المناسبة الرياضية التى يتنافس فيها الناديان الكبيران. بل إن هذا التعصب والتنافس يتحول إلى تشجيع مشترك ورفع لافتات أعلام الأندية في حالة المباريات الأفريقية والدولية.
ومع ذلك لم يمنع ذلك- للإنصاف – أن تحدث بعض المشاكل بين الناديين ينشغل بها الوسط الرياضى لكن كان لوجود الكبار –بمعنى الكلمة- والعقلاء تأثير كبير فى وأد أى فتنة حتى لو كانت في شرارتها الصغرى، وحدث ذلك في وجود رؤساء أندية مثل صالح سليم أو عبده صالح الوحش في النادى الأهلى، ومحمد حسن حلمى أو حسن عامر في نادى الزمالك، وأيضا في ظل وجود كبار الإعلاميين أصحاب الخبرات الصحفية العريقة أمثال نجيب المستكاوي وعبد المجيد نعمان، ومعلقين كبار أيضا تربوا على الوطنية وإعلاء الشأن القومى فوق التعصب أمثال المرحوم محمد لطيف الزملكاوى الشهير، والذى كان أكثر المعلقين لمباريات الأهلى، وكثيرا ما كنا نستمع لجماهير الأهلي وهى تهتف له "وشك حلو يا لطيف" وأيضا الكابتن المرحوم على زيوار ومحمود بكر وميمي الشربينى.. هؤلاء تعلمنا منهم عدم التعصب، وفات وقت طويل حتى نعرف انتماءاتهم الكروية.
أيضا لم تكن هناك هذه التخمة من البرامج الرياضية واستديوهات التحليل الرياضى الذى يسيرها البعض وفق هواه الكروى للأسف، وبالتالي توجيه الرأي العام حسب المصالح الكروية والشخصية أيضا.
وأتذكر أنه في السابق- بداية التسعينيات تقريبا- حدثت بعض الأزمات الصغيرة بين الناديين الكبيرين، فتوحد الإعلام المعروف وقتها خلف مبادرة في حب مصر، ولعب الناديان مباراة ودية كانت بداية لعودة العلاقات الطيبة وتهدئة الجماهير.
الشيء الآخر والمهم بصراحة في نزع التعصب وبعث برسائل محبة للجماهير هي وجود كبار اللاعبين داخل الملعب لتهدئة أية أجواء ساخنة بين مشجعى الناديين، وكلنا يتذكر موقف الكابتن الخطيب كلاعب من جماهير الأهلى التي هتفت بعبارات مسيئة ضد الكابتن حسن شحاتة، ومازال هذا الموقف هو أيقونة الأخلاق الرياضية في الملاعب حتى الآن.
بالتأكيد مبادرة "لا للتعصب دفى الوسط الرياضى" مبادرة مهمة ويبدو أن الدولة ممثلة في وزارة الشباب والرياضة والمجلس الأعلى للإعلام لديها إصرار هذه المرة على تطبيقها، وأظن أن إعمال القانون وبحزم ودون تمييز أو خروقات هو الحل الأمثل في بداية تطبيق المبادرة لنزع هذه السلوكيات المريضة من ملاعبنا ووسطنا الرياضى.
والمسئولية هنا جماعية في تطبيق هذه المبادرة الى اراها مبادرة جادة لإخلاء الساحة الرياضية التي هي ساحات للسلام والمحبة والتقارب -أو هو المفترض- من ظاهرة التعصب المقيت الذى يهدد السلام والتماسك الاجتماعى وتنظيفه من هواة بث بذور التعصب في الوسط الرياضى. فالمسئولية هنا مسئولية الإعلام بالتجرد من النزعات والانتماءات في توجيه رسالته الإعلامية الرياضية، ومسئولية اتحاد الكرة في إرساء مبدأ العدالة على الجميع ومسئولية أيضا المدارس وخاصة في مراحل التعليم الأساسي لزرع روح المحبة وأن الرياضة مكسب وخسارة وليس هناك فائز دائما أو خاسر دائما مثلما نرى في الملاعب الأوروبية.
في رأيي أن نجاح المبادرة يتوقف على أمرين، الأول هو الدعم المعنوى والتحرك الرسمي والشعبي طوال الفترة المقبلة على مستوى الإعلام والجماهير، والثانى هو الإسراع في اصدار أو تفعيل القوانين الحاسمة والحازمة والالتزام بها في الوسط الرياضى وعلى كل أطراف اللعبة من جماهير وأندية ولاعبين وحكام.. حتى يشعر الجميع بالعدالة والرضا والذى هو أساس قوى في تحقيق الهدف المرجو في القضاء على هذه الظاهرة المرضية في الملاعب في مصر.