بدأت تركيا فعليا تأسيس جيش من الميليشيات المسلحة والمرتزقة في المنطقة الغربية لليبيا، وذلك استنادا على الاتفاقات العسكرية والأمنية التي وقعها رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان في نوفمبر الماضى، وأعلنت وزارة الدفاع في حكومة السراج عن تخريج ما وصفته بـ"الدفعة العسكرية الأولى" بمركز عمر المختار للتدريب بالشراكة مع وزارة الدفاع التركية وبحضور وزير دفاع "الوفاق" صلاح الدين النمروش ورئيس أركان قوات الوفاق محمد الحداد وآمر منطقة طرابلس عبد الباسط مروان في العاصمة طرابلس.
ويعتبر وزير دفاع حكومة الوفاق صلاح النمروش أحد أبرز الداعمين للميليشيات المسلحة خاصة في مدينة الزاوية التي ينحدر منها، ويمهد مدن المنطقة الغربية لليبيا لحكم الميليشيات المسلحة والعصابات الإجرامية التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية بحق أبناء الشعب الليبى.
وتستخدم تركيا البنود الواردة في الاتفاق الموقع بين السراج وأردوغان لترسيخ تواجدها العسكرى وتشكيل تشكيلات عسكرية خارجة عن القانون لتكون رأس حربة أنقرة في توسيع نفوذها العسكرى في الأراضى الليبية، وهو ما يهدد بانهيار التفاهمات التي جرت بين اللجنة العسكرية الليبية "5+5" سواء في جنيف أو غدامس.
ولم تلتفت القيادات الليبية لخطورة الدور العسكرى التركى في البلاد والذى يسعى لتشكيل جيش من الميليشيات والمرتزقة يكون مرتهنا لقرارات أنقرة وخدمة أجندتها في الداخل الليبى أو خارج البلاد، وهو ما يهدد أي محاولات لبناء مؤسسة عسكرية ليبية موحدة تكون قادرة على حماية سيادة وأمن البلاد.
الاستراتيجية التي تتبعها تركيا في ليبيا هي نفس النهج الذى استخدمته في سوريا عام 2015 عندما أعلنت عن برنامج تدريبى لما وصفته بـ"المعارضة المعتدلة" لمحاربة قوات الجيش العربى السورى والسيطرة على المدن المحاذية للحدود التركية إلا أن المخطط الحقيقى تكشف مع استخدام أنقرة لهذه العناصر المسلحة في خدمة أجندتها في الداخل والخارج.
وتكمن خطورة التحركات التركية في البلدان العربية تجاه الجيش الوطنية هي تحركاتها التي تسعى لخلق كيانات مسلحة وميليشيات تكون موازية لأى قوات نظامية في الدول العربية، وهو ما يمهد لإضعاف المؤسسات العسكرية عبر توظيف النظام التركى للميليشيات المسلحة والكيانات المسلحة في استنزاف قدرات القوات النظامية.
ولعل الصراع الأخير بين أذربيجان وأرمينيا قد كشف التحركات التركية الخبيثة التي وظفت خلالها أنقرة الكيانات المسلحة السورية التي تولت تدريبها لدعم أذربيجان، وهو ما تسبب في غضب دولى عارم من نهج أنقرة في تشكيل جيوش من المرتزقة والمسلحين لخدمة مصالحها في الخارج.
وتشير تحركات النظام التركى في القرن الإفريقى وعدد من دول الجوار الليبى إلى رغبتها في ترسيخ تواجدها العسكرى في تلك الدول تحت ذريعة دعم تدريب القوات العسكرية النظامية لتلك الدول لكن الحقيقة أن الأتراك يدعمون المتشددين في دول القارة الأفريقية وتقدم لهم الدعم المالى والإعلامى وهو ما يضعف أي مؤسسة عسكرية في تلك المنطقة.
الطموح العسكرى التركى الجارف في منطقة القرن الافريقى يهدف لمحاصرة عدد من الدول عبر تشكيلات مسلحة وكيانات متشددة تمولها أنقرة، وذلك في إطار تحركاتها التي تهدف لاستنزاف قدرات الدول وإضعاف مؤسساتها العسكرية وطرح نفسها كـ"منقذ" للدول التي تعانى من هشاشة الوضع الأمني والعسكرى.
ولو رصدنا الدول التي تواجدت بها تركيا عسكريا لن نجد دولة واحدة تنعم بالأمن والاستقرار بل على العكس تماما تعانى هذه الدول من الهشاشة الأمنية وانتشار الجماعات المسلحة والتشكيلات المؤدلجة وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة الدور العسكرى الذى تلعبه أنقرة في دولنا العربية ومنطقة القرن الأفريقي.
وتكمن خطورة تولى أنقرة تدريب أي مقاتلين أو عناصر مسلحة بأي دولة عربية أو إفريقية في التلاعب بالعقيدة القتالية لأى عنصر مسلح يتولى تدريبات على يد المستشارين الأتراك، فضلا عن محاولات أنقرة نشر اللغة التركية بينهم وهو ما حدث في الصومال وسوريا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة