"أعظم من لمس كرة القدم".. هكذا وصفه الجميع، فقد كان النجم الأرجنتينى دييجو أرماندو مارادونا، سببا في عشق الكثيرين من أبناء جيلى لكرة القدم، خاصة خلال متابعة بطولتى كأس العالم 1986، ومن بعدها عام 1990، حيث كان نجم الشباك الأول، في المونديالين، فتراقصنا مع لمساته الموسيقية لـ"المستديرة"، فتخلت عن سحرها، ليصبح هو الساحر، بينما بكينا لبكائه وهو ينظر متحسرا للكأس التي كان يتوق إلى الاحتفاظ بها، فى نهائي مونديال 1990، بعد الخسارة أمام منتخب ألمانيا، في البطولة التي احتضنتها إيطاليا.
وفاة مارادونا حرك العديد من الذكريات بداخل الكثيرين، فقد كان بحق الأسطورة الكروية التي رأيناها على الهواء مباشرة، بينما ترك مجدا، رغم أخطائه التي لا يمكن تجاهلها، فأصبحت أحد رموز الكرة في قارتها والعالم، فساهم هذا الساحر في توطيد علاقة بلاده بدول أخرى، أبرزها كوبا، والتي اعتبر زعيمها التاريخى فيدال كاسترو، بمثابة والده الروحى، بينما حظى باحترام العديد من زعماء العالم، ومن قبلهم الشعوب، ليصبح اسمه اسم بلاده مرتبطا باللعبة الشعبية الأهم في العالم.
تأثير مارادونا امتد إلى مدينة نابولى الإيطالية، التي عشقته منذ أن كان لاعبا في صفوف فريقها في الثمانينات في القرن الماضى، ويحقق لها أكبر إنجازاتها الكروية في التاريخ، فيتحول الفتى الأرجنتينى إلى أيقونة المدينة الأوروبية حتى الآن، لتعلن حدادا على وفاته، يمثل انعكاسا لأهمية اللاعب رغم مرور سنوات طويلة على رحيله منها.
الساحر الأرجنتينى يمثل نموذجا مهما للدبلوماسية الناعمة، وتأثيرها القوى، الذى يتفوق على السياسة التقليدية في الكثير من الأحيان، ربما لأنها غالبا ما تخاطب الشعوب مباشرة، بعيدا عن أية حسابات أخرى، خاصة إذا ما نجح في استثمار نفسه، من أجل خدمة مصلحة وطنه، فلا ينسى أحدا دعمه لمواطنه ليونيل ميسى، بل وشهاداته المتتالية بحقه أنه الأفضل في تاريخ الأرجنتين، على حساب مجده الشخصى، ليضيف لرصيده الكثير من الاحترام والحب من قبل العديد من شعوب العالم.
ولعل وفاة مارادونا تزامنا مع النهائي الإفريقى، المرتقب غدا الجمعة بالقاهرة، بين قطبى الكرة المصرية، يمثل رسالة مهمة، للاعبى الفريقين وجماهيرهما، قبل اللقاء المرتقب، مفادها أن كرة القدم لم تعد مجرد صناعة ترفيهية، وإنما تجاوزت بعدها الرياضى، لتتحول إلى واجهة حضارية للدولة التي يمثلها اللاعب النجم أو الفرق الرياضية ذات المكانة الدولية والقارية، ليصبح ظهورهم في المحافل الدولية بمثابة مسئولية كبيرة سواء على عاتق كل عناصر المنظومة، سواء اللاعبين أو الإدارات، أو حتى الجماهير، حيث تبقى الأولوية صورة الدولة أمام العالم.
عيون عشاق المستديرة تتجه اليوم إلى الأرجنتين لوداع الأسطورة مارادونا، بينما ستتجه غدا نحو القاهرة، لمتابعة نهائي القرن في إفريقيا، والذى يتجاوز مجرد المنافسات المحلية الضيقة، وما يتخللها من مشاكسات جماهيرية، إلى مستوى دولى، يضع المزيد من المسئولية على عاتق الجميع، بعيدا عن نتيجة المباراة، والتي ستنتهى حتما في صالح الكرة المصرية، بينما نتمنى أن تقدم واجهة حضارية للرياضة المصرية، تعزز بها ريادتها الرياضية على القارة في المرحلة الراهنة، وتضفى مزيد من الثقة في المحروسة لاستضافة المزيد من المناسبات والأحداث الرياضية.