صدر حديثًا عن دار النخبة كتاب "باريس الوجه الأسود للاجئين" للكاتب السودانى الطيب محمد جادة، يقع الكتاب فى 100 صفحة من القطع المتوسط. ويحاول هذا الكتيب أن يعكس الظروف الإنسانية التى يعيشها اللاجئون فى فرنسا، كما يحاول إبراز هذه الظروف فى ظل أكذوبة حقوق الإنسان التى تدعيها فرنسا ومنظماتها، ويعكس كل ذلك من خلال شخصيات حقيقية عاشت هذه المعاناة.
يقول المؤلف الطيب محمد جادة، باتت كلمة الهجرة اليوم الكلمة الأكثر تداولًا بين الشباب، وأصبحت الأحلام الوردية وعوالم ما وراء البحار أكثر من أن تحصى أو تعد، فقد تأجلت مشاريع الزواج، والوظيفة، وخطط المستقبل، وأكلت نيران الحروب كل شيء حتى صار رمادًا وهباءً منثورًا، تتقاذفه رياح القلق، وتعصف به قوارب الموت، وسفن الشحن العشوائي، والمتاجرون بالبشر، لنستيقظ كل صباح على مأساة جديدة ضحاياها هؤلاء الحالمين بالهجرة والانتقال إلى العيش الرغد فى أحضان القارة العجوز.
يقول المؤلف فى مقدمة الكتاب: «باريس عاصمة النور، الكل يتمنى زيارتها، فالذهاب إلى برج (إيفل) ممتع لكل من زار العاصمة الفرنسية، كل هذه المتعة لم يتذوقها اللاجئون والمهاجرون الذين يعيشون على حافة التشرد على أرصفتها.
كنت أحيانًا أذهب إلى (كنال ساندوني) و(بورت لاشابيل) لاكتشاف معاناة هؤلاء النائمين على الأرصفة.
فى عز البرد والمطر ذات ليلة باردة كنت جالسًا بالقرب منهم وحيدًا فى الشارع فأتى إلى شابٌ بعدما عرف من هيئتى أننى سوداني، هيئته وتصرفاته تدل على أنه فقد كل الأمل فى الحياة، جلس بجانبى ألقى على السلام بالعربية، وسألني:
- أنت جديد فى باريس؟
فقلت له:
– نعم.
فبدأ بسرد قصته الحزينة، قبل أن يجور عليه الزمان ليصبح مقيمًا فى شوارع أجمل مدنية فى العالم، كل الوجوه التى تقابلها لابد أن يكون لديها قصة، ولو أننى سردت قصص كل من قابلتهم لاحتجت إلى مجلدات بعض القصص مأساوية وأخرى مضحكة، والناس يحبون أن يشاركهم الآخرون همومهم، ربما لأن ذلك يجعلهم يشعرون بحال أفضل، وكأنهم بذلك يزيحون بعضًا من أحمالهم الثقيلة
غير أننى أستمع لقصص الناس وحكاياتهم من قبيل الفضول، ومن قبيل المجاملة فى بعض الأحيان.
قصص النائمين على رصيف باريس لا تنتهي، ولكن لم يبقَ شيءٌ بعد فى باريس يثير اهتمامى غير هؤلاء، يلاحقهم الذلُّ والمعاناة بعد أن هربوا منها قاصدين ملاذًا آمنًا من منبع الظلم، والعنصرية، والقتل، والتشريد، والاغتصاب من قبل حكوماتهم الديكتاتورية، وضيق المعيشة وفقدان أبسط مقومات الحياة اليومية، لاذوا فارِّين إلى أوروبا حيث الأمان، وتحديدًا فرنسا التى تدعى الإنسانية لتوفر لهم الحماية والأمان، ولكن يبكى الزمان أسفًا على من رمت بهم حكوماتهم، وزجت بهم فى سعير الجحيم والتشرد، ليعيشوا مشردين فى شوارع أجمل مدينة.