في كثير من الأحيان ما يصدر الايجار من شخص ليس بمالك ولا بصاحب منفعة على الشىء ولا يكون له الحق في ادارته وهذا هو - ايجار ملك الغير – حيث اتجه غالبية الفقه المصري إلى أن الايجار لا ينقل حقاً من ذمة المؤجر إلى ذمة المستأجر، وإنما ينشئ في ذمة الأول التزاماً بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، وأن هذا الالتزام لا يقتضي أن يكون الملتزم مالكاً للعين المؤجرة.
ليس ذلك فقط بل أن هذا الالتزام ليس مستحيلاً استحالة مطلقة، فمن المتصور أن يستطيع المؤجر أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالشيء في المدة المحددة دون حصول تعرض من المالك، وعلى ذلك يقع عقد الايجار الوارد على ملك الغير صحيحاً بين أطرافه ولا يجوز لأحدهما ابطاله بسبب عدم ملكية المؤجر للعين المؤجرة، فالعبرة بصحة هذا الايجار هو أن ينشأ التزام على عاتق المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع وأن هذا الالتزام غير مستحيل تنفيذه استحالة مطلقة.
مدى قانونية استئجار العين من غير المالك؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تواجه ملايين المؤجرين والمستأجرين تتمثل في مدى أحقية وقانونية - ايجار ملك الغير – وهل يصح للمستأجر أن يستأجر أرض أو شقة أو عين ما من شخص لا يملك الشيء المؤجر وليس له الحق في التعامل فيه؟ وما مصير المالك الأصلي في حال تطبيق ايجار ملك الغير؟ وهل من الجائز أن يتهم المالك الحقيقي المستأجر بغصب العين المؤجرة؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض عماد الوزير.
أولاً: أثر ايجار ملك الغير فيما بين المتعاقدين
في البداية - حجية الإقرار وفقا للمادة 104 من قانون الإثبات قاصرة على المقر فلا تتعداه إلى ورثته بصفتهم خلفا عاما له ولا يحتج به على الغير، وإن الإيجار الصادر من شخص لا يملك الشيء المؤجر وليس له الحق في التعامل فيه وإن وقع صحيحا بين طرفيه، إلا أنه لا ينفذ في حق مالكه أو من له الحق في الانتفاع به إلا بإجازته من هذا الأخير فإن لم يجزه ظل المستأجر بالنسبة له غاصبا للعين المؤجرة وأن عبء إثبات إجازة العقد القابل للإبطال إنما يقع على عاتق مدعي الإجازة – وفقا لـ "الوزير".
والواقع أننا نجد فارقاً بين المؤجر لملك غيره وبين الحالات التي يصدر فيها الايجار ممن يظهر بمظهر المالك أو من تكون له منفعة للعين المؤجرة، ففي هذه الحالات الأخيرة كان للمؤجر اما حيازة العين المؤجرة واما له صلة ما بالشئ المؤجر مثل المؤجر في حالة البيع غير المسجل، ولذلك ففي خصوص ايجار ملك الغير علينا أن نفرق بين حالتين، حالة كون هذا المؤجر حائزاً للعين المؤجرة وبين كونه غير حائز لها، فاذا كان المؤجر حائزاً لملك غيره فعقد الايجار صحيح بين أطرافه، أما اذا كان المؤجر غير حائز للشئ المؤجر الذي لا يملكه عندئذ لا يعد الايجار الصادر عنه صحيحاً بل يكون باطلاً شأنه في ذلك شأن البائع لملك غيره، حيث يستحيل على المؤجر تنفيذ التزامه بتمكين المستأجر من الانتفاع – الكلام لـ"الوزير".
ثانياً: آثار ايجار ملك الغير بالنسبة للمالك الحقيقي
إذا كان الايجار صادراً من الحائز لملك غيره يسري هذا الايجار في حق المالك الحقيقي إذا كان المستأجر حسن النية وبغض النظر عن حسن أو سوء نية المؤجر، أما اذا كان المؤجر غير حائز للعين المؤجرة فلا تسري الاجازة الصادرة منه في حق المالك الحقيقي حتى ولو كان المستأجر حسن النية، وفي الحالتين السابقتين يستطيع المالك أن يؤجر الشيء ذاته الذي سبق أن أجره المؤجر لملك غيره ويكون الايجار الجديد الصادر من المالك مفضلاً على الايجار الصادر من المؤجر لملك غيره، وإذا قام المالك بالتصرف في الشيء المؤجر الى آخر فان المشتري لا يمكن الاحتجاج عليه بالإجازة الصادرة من المؤجر لملك غيره .
وعلى أي حال يجوز للمالك الحقيقي إذا علم بالإيجار الصادر من الغير أن يقر هذا الايجار فيسري في حقه عندئذ، ويمتنع عليه استرداد الشيء المؤجر من المستأجر، وطالما كان عقد الايجار من العقود الزمنية فإن أثر هذا الاقرار على عقد الايجار يتوقف في الحقيقة على قصد المقر من اقراره فقد يقصد بالإقرار اجازة الاجازة منذ صدورها.
رأى محكمة النقض في الأزمة
وفى هذا الشأن – سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل تلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم الطعن 2137 لسنة 60 القضائية حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 3962 لسنة 1982 مدني المنيا الابتدائية بطلب الحكم وفقا لطلباته الختامية بإلزام المطعون ضده الثاني بتسليم الأرض الزراعية المبينة بالصحيفة وقال بيانا لها إنه سلم مورث الأخير فدانا من الأرض المملوكة له ليزرعه على سبيل التسامح ويتعيش منه طوال حياته على أن يكون الانتفاع بغلة الفدان قاصرا على المورث وحده دون ورثته، وإذ توفى الأول ولم يقم المطعون ضده الثاني بإعادة العين أقام الدعوى.
تدخل المطعون ضده الأول في الدعوى طالبا رفضها بالنسبة لمساحة 12ط تأسيسا على أنه يستأجر تلك المساحة من المطعون ضده الثاني ومن قبله مورثه وقام بتسجيل العقد بالجمعية الزراعية. ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره قضت بقبول تدخل المطعون ضده الأول في الدعوى شكلا ورفضه موضوعا وألزمت المطعون ضده الثاني بتسليم الفدان محل النزاع للطاعن استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 536 لسنة 25ق بني سويف "مأمورية المنيا" وبتاريخ 14 مارس 1990، قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى بالنسبة لمساحة 12ط المؤجرة للمطعون ضده الأول. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
ومما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه بسريان عقد الإيجار المبرم بين المطعون ضدهما الأول والثاني في حقه لإجازته له واستخلص هذه الإجازة مما قرره المطعون ضده الثاني أمام خبير الدعوى من أنه كان يقوم بتحصيل الإجازة الخاصة بالمساحة محل النزاع من المطعون ضده الأول ويقوم بتسليمها له - للطاعن - منذ سنة 1971 وحتى تاريخ رفع الدعوى سنة 1982 مع أنه قول مرسل لم يقم الدليل عليه مما يعيبه ويستوجب نقضه.
الايجار الصادر من شخص لا يملك الشيء المؤجر وليس له الحق في التعامل فيه صحيح
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إن هذا النعي سديد لما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن حجية الإقرار وفقا للمادة 104 من قانون الإثبات قاصرة على المقر فلا تتعداه إلى ورثته بصفتهم خلفا عاما له ولا يحتج به على الغير وإن الإيجار الصادر من شخص لا يملك الشيء المؤجر وليس له الحق في التعامل فيه وإن وقع صحيحا بين طرفيه إلا أنه لا ينفذ في حق مالكه أو من له الحق في الانتفاع به إلا بإجازته من هذا الأخير فإن لم يجزه ظل المستأجر بالنسبة له غاصبا للعين المؤجرة وأن عبء إثبات إجازة العقد القابل للإبطال إنما يقع على عاتق مدعي الإجازة.
ووفقا لـ"المحكمة" - لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بسريان عقد الإيجار المبرم بين المطعون ضدهما الأول والثاني في حق الطاعن بإجازته له على ما قرره المطعون ضده الثاني أمام خبير الدعوى من أنه كان يقوم بتحصيل الإيجار المستحق عن عين النزاع من المطعون ضده الأول وتسليمه للطاعن رغم أن الأخير لا يحاج بهذا الإقرار وفضلا عن إنكاره لصدور إجازة من جانبه وخلو الأوراق من دليل على تحقق هذه الإجازة صراحة.