المؤرخ والناقد اللبناني الكبير إبراهيم العريس: مصر تمر بأفضل تجربة سياسية وتستعيد مكانتها الثقافية.. مهرجان القاهرة السينمائي نجح رغم الظروف الصعبة.. والمنصات لن تقضي على السينما ولكن النقد الفني انتهى

السبت، 12 ديسمبر 2020 01:29 م
المؤرخ والناقد اللبناني الكبير إبراهيم العريس: مصر تمر بأفضل تجربة سياسية وتستعيد مكانتها الثقافية.. مهرجان القاهرة السينمائي نجح رغم الظروف الصعبة.. والمنصات لن تقضي على السينما ولكن النقد الفني انتهى الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس فى حواره لـ«اليوم السابع»
حوار جمال عبد الناصر - أحمد إبراهيم الشريف - تصوير السعودى محمود

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإخوان أسوأ ما حدث فى العالم العربى والإسلامى وقد شوهت هذه الجماعة الإسلام وليس السياسة فقط.. مهرجان القاهرة السينمائى «نجح» وعقده 
فى هذا التوقيت شجاعة ومصر هى البلد الوحيد الذى أقام مهرجاناته.. والفنان النجم خرج ولم يعد ولن نرى عمر الشريف مرة أخرى.. والناقد الفنى انتهى للأبد
 
المنصات لن تقضى على السينما والفيلم الجيد صار عملة نادرة.. وتجربة فاروق حسنى تشبه تجربة ثروت عكاشة 
 
الموسوعية ليست ظاهرة ويجب على الناقد أن يكون ملما بكل ذلك لأن السينما بديل الحياة 
 
 
يعد إبراهيم العريس، علامة كبرى فى عالم النقد السينمائى، والثقافى بشكل عام، إضافة إلى ذلك فهو مؤرخ ثقافى ويكفى وجود اسمه على عمل نقدى لتقرأ وأنت مطمئن، واثقا من تحصيل الفائدة والمتعة، كاتب موسوعى يحدثك عن الفن السينمائى والفنون التشكيلية وتاريخ الأدب وعلم النفس والسياسة وغير ذلك من العلوم والفنون التى تتشابك معا لتقدم لنا «نقدا» حقيقيا، وقد التقيناه فى القاهرة وتحدثنا معه عن تاريخ السينما ومستقبلها، عن ميلاد الناقد وموته، وحتى عن العالم بعد كورونا وقيمه المتغيرة.. فإلى نص الحوار: 
الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (1)

كيف يرى إبراهيم العريس الدورة الـ42 من مهرجان القاهرة السينمائى؟

إنها شجاعة كبرى من مهرجان القاهرة السينمائى أن يقدم دورته هذا العام، فكل المهرجانات فى جميع دول العالم أجلت أو ألغيت، حتى أننا قد ندعى إلى مهرجان سينمائى فى دولة ما، لكن قبل أسبوعين من البدء يخبروننا أنهم قد أجلوه، لكن مصر هى البلد الوحيد الذى أقام مهرجاناته، شاهدنا مهرجان الجونة والإسكندرية، وأعتقد أن المهرجانات المقبلة سوف تقام أيضا.

 

الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (2)

 
وبالطبع فإن القائمين على هذه المهرجانات يغامرون، كما أن الحضور يغامر أيضا، وبغض النظر عن قلة عدد الحضور، سواء من الفنانين أو النقاد، فإننا نجد التنظيم ومستوى الأفلام المعروضة جيدا، حيث نجح المهرجان للعام الثانى على التوالى فى تقديم أفلام بمستوى جيد، وحتى التنظيم جاء بشكل جيد.
يحسب لمهرجان القاهرة السينمائى هذه الجرأة التى تصل لحد المغامرة كما قلنا، لكنها ضرورية جدا، لأن السينما تعيش آخر أيامها، أقصد سينما الأفلام الجيدة، فرغم أن السينما بشكل عام سوف تستمر، لكن الجيد منها تراجع بالفعل وصار من الصعب على مخرج أن يصنع فيلما عظيما. 
الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (3)
 
ومهرجان القاهرة السينمائى فى دوراته الأخيرة استطاع بالفعل أن يقدم مستوى مميزا فى نوعية الأفلام المقدمة، فقد استفاد المهرجان من أخطاء الآخرين، واستفاد من الضعف الذى عاشته السينما المهرجانية خلال السنوات العشرة السابقة التى سبقت آخر دورتين أو ثلاثة للمهرجان، ويمكن القول إن آخر دورة جيدة للمهرجان قبل أن يستلمه محمد حفظى، هى دورة سمير فريد، فبعدها بدأ مستوى المهرجان يهبط، كما هبط الإنتاج السينمائى أيضا، وصرنا لا نشاهد سوى فيلمين أو ثلاثة جيد فى السنة، لكنها كانت أفلاما بدون جمهور وبدون عرض وبدون إمكانات ولا فكرة عن استرداد الأموال التى صرفت على هذه الأفلام.
ومهرجان القاهرة السينمائى حل مكان مهرجانات دبى وأبوظبى ومراكش التى بهتت فى الفترة الأخيرة، فعل ذلك بالتنظيم واختيار الأفلام، حيث توجد جرأة فى اختيار الأفلام، فهى ليست الأفلام التى يمكن أن تشاهد فى الصالات السينمائية بل هى أفلام مهرجانات بالفعل يمكن أن تشاهد حتى فى أوروبا.
الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (9)
 
بهذا الإطار، وبغض النظر عن كورونا والاضطرار لتقليل عدد المدعوين وخوف البعض من الحضور، فإن المهرجان قد نجح، فهنا أفلام لم أشاهدها حتى فى مهرجان «كان»، وهنا أفلام مصرية، وهنا جمهور جيد يملأ الصالات، ومن هذه الزاوية حقق مهرجان القاهرة السينمائى رهانه.

 

الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (4)

قلت فى حديثك إن مهرجان القاهرة السينمائى استفاد من مهرجان الجونة.. كيف ذلك؟

بالطبع ليس عيبا أن يتعلم الكبير ممن يبدأ الآن، وأريد القول إن مهرجان الجونة بدأ كبيرا، ومحمد حفظى «شاب» ذهب إلى مهرجان الجونة واستفاد منه، وللعلم فإن مهرجان الجونة لم يأت من فراغ لكنه جاء من المهرجانات الأخرى التى سبقته.
 
فقد استفاد «انتشال التميمى» الذى أسس مهرجان الجونة فقد كان مؤسسا فى مهرجان دبى، وكذلك مهرجانات فى هولندا، وبالتالى فإن استفادة مهرجان القاهرة من مهرجان الجونة يعنى أنه استفاد من الفكر الذى ظهر فى المهرجان.
الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (5)
 
وأهمية محمد حفظى أنه يعرف كيف يستفيد من أخطاء السابقين ومن مزايا اللاحقين، ولم يتمسك بتقاليد موروثة أثرت بالسلب على مهرجان القاهرة السينمائى فى دورات سابقة، واستفاد مما كان «التميمى» قد استفاد منه ومن ذلك دورة «سمير فريد».

كيف يرى إبراهيم العريس وضع النقد السينمائى؟

لقد تراجع النقد السينمائى لدرجة أنه يمكن القول إنه اختفى تماما، فالنقد الذى عرفناه من قبل فى الستينيات والسبعينيات، وكما تتلمذ الناس هنا فى مصر على يد «يحيى حقى» مثلا وكتابات سمير فريد وعلى أبوشادى وكمال رمزى وسامى السلمونى ورفيق الصبان، هؤلاء كانوا يؤمنوا بالفعل السينمائى.
الواقع الراهن لا يسمح بالكتابة النقدية، والقراء لا يعرفون عن النقد سوى كلمتى «عمل رائع، عمل سيئ»، والذين يهتمون بقراءة النقد الآن «مئات» بينما فى الستينيات والسبعينيات كانوا عشرات الآلاف، كنا من قبل نجلس مع المخرجين أمثال محمد خان ونناقش الأفلام، وكانت ليلى علوى تذهب معنا إلى مهرجان «كان» تشاهد الأفلام وتجلس مع النقاد مؤمنة بما يقوله النقاد حول هذه الأفلام، كل هذا اختفى تماما، لم يبق سوى الفتات من الجيل الماضى، فتات ربما لا يصنع شيئا سوى حضور المهرجانات، ثم يكتبون ما يرضى أصحاب المهرجانات، كى يدعونهم فى الدورات المقبلة.
الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (11)
 
وأنا «إبراهيم العريس» واحد من الجيل الماضى، ولم أعد أكتب نقدا، صرت أكتب تأريخا للسينما، لأن الكتابة عن فيلم حديث تقتضى إما أن أكتب مدحا فيقرأ ويمر، أو نقدا فلا يقرأه أحد.
 
وأذكر أنه منذ 20 عاما اتصلت بى مجلة «الوسط» التى كانت تصدر عن «الحياة» اتصل بى مدير التحرير، فقال لى أنت ناقد كبير لكن دعنى أقول لك «اكتب كل شىء ما عدا النقد».
 
الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (6)
 
وأريد أن أقول إننى ناقد لى اسمى، ومع ذلك أجلس بلا عمل منذ سنتين منذ توقفت جريدة الحياة عن الصدور، وأنا لا أشكو، لكن أصف لكم حال النقاد، فعندما مات سمير فريد وعلى أبوشادى كتبت «نحن لسنا حزانى نحن مكسورون» فلقد انتهت مهنة النقد تماما، فلم يعد لدينا إيمان رفيق الصبان بالسينما، ولم تعد لدينا مدارس نقدية ولا مذاهب ولا اهتمامات بالعلاقة بين الناقد والمنقود.

هل السوشيال ميديا هى التى أفسدت أمر الحياة الفنية ومنها النقد؟

عدة قضايا أهمها السوشيال ميديا، لكن التليفزيون أيضا حول سحر السينما والغموض الذى يكتنفها، والذى يجعل هناك حاجة إلى النقد كى يوضح هذا الغموض بكتابته عن العلاقة بين المخرج والمجتمع، والعلاقة بين المخرج والموضوع الذى يعالجه، كل هذا صار موجودا على التليفزيون بطريقة مختلفة، لذا أتفهم جيدا كيف أن فنانا كبيرا مثل محمود حميدة يرفض تقديم أعمال كثيرة فى التليفزيون.
 
كما أن مقدمى البرامج التليفزيونية لديهم العديد من المشكلات، منها أننى عندما يدعوننى إلى التليفزيون، عادة ما يكون السؤال الأول الموجه إلى «ما اسمك وماذا تفعل؟» لذا عادة أرفض الظهور على التليفزيون متحججا بـ«سمعى»، إلا لو كان هناك وضع سياسى أريد أن أعلق عليه مثلما خرجت للرد على حزب الله

 

الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (7)

فى لبنان عندما هاجم الحزب المخرج العالمى «سبيلبيرج»، وقلت لهم: ماذا تفهمون أنتم فى السينما؟
يتميز إبراهيم العريس بظاهرة الموسوعية.. لماذ اختفى ذلك من الجيل الجديد لنقاد وصناع السينما؟

 

 
الموسوعية ليست ظاهرة، ويجب على الناقد أن يكون ملما بكل ذلك، طبعا ذلك قليل فى العالم العربى، لكنه فى العالم الغربى كل الناس كذلك، فالسينما بديل الحياة كلها، فنحن نرى فى الفيلم لوحة تشكيلية، ونسمع موسيقى، ونسمع حوارات، ونتعلم نظريات علم النفس، وعلم ووظائف الأعضاء.
والناقد إما أن يكون مطلعا على فى هذه الأمور وإما أنه ليس ناقدا بل كاتب صحفى، وفى الغرب يفعلون ذلك دائما يتميزون بالموسوعية، وأذكر لك مثلا ففى فيلم «المر والرمان» من إخراج نجوى نجار، كان هناك مشهد لامرأة تغسل قدمى رجل، وقد علق رئيس لجنة التحكيم، وهو مخرج كبير، فى أحد المهرجانات عن ذلك، ولم يعجبه الأمر، فقلت له إن الأمر له علاقة بتراث الديانة المسيحية، فأنا مسلم لكن يجب أن أكون ملما بالمسيحية وغيرها من الأديان، وهذا طبيعى، والشىء غير الطبيعى ألا يكون النقاد موسوعيين.

هل أثرت منصات العرض على السينما؟ وكيف ترى مستقبل دور العرض؟

دعنى أقول لك، لا شىء يوقف التقدم، ومنصات العرض رمز للتقدم السينمائى، فالسينما مثل الصحافة لا يقضى عليها شىء، ستظل موجودة بشكل أو بآخر، والمنصات الموجودة لن تقضى على السينما.

الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (8)

 
وفى الفترة الأخيرة فإن أفضل الأفلام التى شاهدتها فى آخر سنوات كانت على المنصات، والمستقبل يقول إن هذه المنصات ستجعلنا نشاهد السينما فى البيت وليس وسط المجتمع.
 
فى المطلق فإننا، فى ظل الظروف التى نعيشها وعلى رأسها الكورونا، نعيش مرحلة انتقالية، هذه المرحلة سوف تسفر عن أمور ما، حتى «الأخلاق» فبعض القيم الإنسانية الكبرى التى ولدت فى القرن العشرين، والتى جاء بها الإنسان ليواجه ما حدث له، انتهت جميعها أواخر القرن على مذبح التطرف الدينى فى كل الأديان.
 
ولكننى متفائل بما بعد كورونا، فسوف يكتشف الإنسان نفسه، وسوف يكتشف اليسار مرة أخرى، لأن اليسار قيمة إنسانية، كل ذلك سيحدث لأن الإنسان اكتشف أن الخطر جاءه من أقل الأشياء الموجودة فى الطبيعة، مما يؤكد «تفاهة» الإنسان وعدم قدرته على المواجهة.
وفى السياق نفسه، الذى سنجنى ثماره أود أن أشير إلى أن الربيع العربى رغم «تفاهته» ورغم أنه انتهى «قطرى على إخوان» أثبت أن الشباب لديه قدرة على العمل، ولديه وعى هائل.
 
طبعا للأسف انتهى الربيع العربى بسبب الإسلام السياسى، لكن المستقبل سيكون للشباب.

ما الذى يراه إبراهيم العريس فى وضع مصر الراهن على مستوى السياسة والثقافة؟

تستعيد مصر مكانة فقدتها منذ 40 عاما، وقد توالت عليها خلال تلك الفترة أنواع مختلفة من الحكم، وقد كانت فترة حكم الإخوان على «صغرها» أسوأ ما حدث فى تاريخ مصر وتاريخ العرب، وتاريخ الإسلام، فقد شوهت هذه الجماعة الإسلام أيضا، وليس السياسة فقط
 
وأعرف أن ما أحدثه فاروق حسنى يعادل ما أحدثه ثروت عكاشة فى ظل جمال عبدالناصر، حتى أن كبار اليساريين المصريين أخذوا أماكنهم، ومن ذلك المساحة التى أخذها جابر عصفور، ففى مصر أصدرت مكتبة الأسرة كل الكتب الممنوعة فى مصر، رغم ذلك حدثت أشياء أخرى غير جيدة.
 
وأنا أسمى الحكم المصرى، اليوم، بالقوة الناعمة، ولقد كنت أحب جمال عبدالناصر لكن كنت أتمنى لو كان أغلق «ناصر» الباب على مصر، وابتعد عن الأحلام الكبرى التى أدخلوه فيها، واليوم يحاول النظام المصرى الحالى النجاة من الفخاخ التى تنصب له من الجميع، اليوم يجب أن نعطى الحكم المصرى فرصة، ونراقب الأمور دون تدخل، يجب ألا نستعجل، فالوضع المصرى هو أفضل وضع عربى، وقادر على تحمل عبء نفسه.
 
فمصر اليوم تبنى نفسها جزءا جزءا، تفعل ذلك وهى محاطة بالأخطار من كل جانب، فالتجربة المصرية إلى جانب دولة المغرب، تتحركان للأمام، ومن يريد من مصر أن تسانده عليه أن يقلد مصر.
 
الناقد اللبنانى والمؤرخ الكبير إبراهيم العريس (10)

هل يمكن أن نختصر تجربة إبراهيم العريس؟

أنا ابن عائلة لبنانية فنية فقيرة، لم أتعلم فى المدارس ولا الجامعات، كانت لدى هواية الكتابة، ووالدى كان فنانا مسرحيا، وكنت منذ عمر 12 عاما «أُعرّب» له المسرحيات العالمية الفرنسية والإنجليزية، وقد قرأت شكسبير وأنا فى العاشرة من عمرى، وقد بدأت حياتى عامل ديكور وأنا طفل، وقدمت سيناريوهات لعبد الحى أديب، ودرست الإخراج فى روما، لكننى لم أقم به.
 
كنت فى تلك الفترة أناضل مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وبدأت أكتب، وكانت البداية فى الكويت، وأنا قدمت الشيخ إمام واكتشفت ناجى العلى، وبطبيعتى أنا إنسان فردى، أؤمن بالعمل الفردى، والكتابة عمل فردى، أفعل ذلك لأن العمل الجماعى يتطلب تنازلات لصالح الجماعة وأنا لا أقدم تنازلات.

أين ذهب الكاتب النجم والفنان النجم؟

 

نحن لا نعيش فى زمن الكاتب النجم، نعيش فى زمن لاعبى الكرة وعارضات الأزياء، فى البداية كان هناك سحر للكتاب والفنانين، قضى عليه، وأقول إن فاتن حمامة لا تزال نجمة، لأن حضورها على التليفزيون قليل، وفى الفن صار النجوم «عاديين» فلن نرى عمر الشريف مرة أخرى، صار النجوم يشبهون «جيراننا» تماما.
 
 

 

 

 

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة