عادل السنهورى

الموسيقى في حياة نجيب محفوظ

الخميس، 17 ديسمبر 2020 11:52 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

سر عبقرية أديبنا العالمى نجيب محفوظ، تعدد مواهبه وتنوع معارفه في مختلف المجالات، وخبراته الحياتية، ;كل ذلك ساهم في تكوين شخصيته وصقلها فخرج منه كتابة وأدبا ممتعا ومشوقا وبديعا ينبض بكل خبرة الحياة والموهبة والتنوع في المعرفة.

ليس الرجل كما اعتاد البعض أن يروج عنه ويحاول الصاق بعض الصفات به وهي من خلال قراءة سيرته الشخصية غير صحيحة. عرف عنه ظلما بأنه البيروقراطي الأول والنمطي الملتزم الذي عاش حياته – كما قال الكتاب- متصالح مع ذاته ومع كل من حوله متفاديا الصدام العنيف في المناقشات وفى ابداء الآراء وفى علاقاته مع كافة الحكومات والملوك والرؤساء الذين عاصرهم وعايشهم وعاش معهم من فؤاد الأول وحتى الرئيس الأسبق حسنى مبارك مرورا بالملك فاروق والزعيم جمال عبد الناصر وأنور السادات.

جوانب كثيرة مدهشة في حياة نجيب محفوظ ليست بعيدة عن الابداع في الرواية والسينما والقصة القصيرة فالى جانب هوايته وحبه لكرة القدم تأتى الموسيقى وحبها واتقانها وعزفها كواحدة من عناصر التنوع والتعدد في شخصية محفوظ ودائما ما كان يتحدث عند دور الموسيقى في حياته فهو الطفل الذى طاف مع والده مسارح روض الفرج فى أشهر الصيف ليشاهد الفرق المسرحية الصغيرة ويستمع فى بيته إلى الفونوغراف الذى يصدح بأصوات الشيخ يوسف المنيلاوى والشيخ سلامة حجازي والشيخ سيد الصفتى وصالح عبد الحى، وكذلك الشيخ على محمود الذى وصف صوته بأنه «موازيًّا للوطن». وبلغ حبه للغناء أن التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية عام 1933 حينما كان طالبًا بالفرقة الثالثة فى كلية الآداب قسم الفلسفة ليتعلم العزف على آلة القانون الوترية لكنّه لم يكمل دراسته بغرض الاستعداد لاختبار الليسانس بالكلية.

مع حبه للموسيقى وعزفه للقانون كان صاحب صوت جميل رخيم  ودائمًا ما كان يتحدث حول إتقانه للغناء السليم وعزفه لمجموعة من البشارف والسماعيات التي تعلمها أثناء دراسته. والمتتبع لأعماله الأدبية بداية من «خان الخليلي» مرورا بالثلاثية و«المرايا» وصولا إلى «صباح الورد» و«حديث الصباح والمساء»  يمكن ببساطة أن يلحظ ذلك الاحتفاء السمعى بأحوال أهل الغناء وطقوس الوصلة الغنائية وتخت العوالم وطبيعة العازفين والفروق الدقيقة بين القوالب الغنائية المختلفة من الطقطوقة والدور والموشح والليالى والمواويل.

شغفته الموسيقى حبا  بدرجة تفوق الأدب مما جعله يبوح للناقد الكبير غالى شكرى فى كتابه «نجيب محفوظ من الجمالية إلى نوبل»  بقوله: «كل ما أستطيع قوله إننى أحببت الفنون التشكيلية والموسيقى لدرجة أن شغفى بالموسيقى يكاد يفوق شغفى بالأدب ".

 لم تكن علاقة نجيب محفوظ بالموسيقى مجرد شغف واستماع إلى كل ما يروقه بل كانت له آراء عديدة حول المطربين والملحنين. فكان يميل إلى صوت سلطانة الطرب منيرة المهدية ويصفها دائمًا بأنها واحدة من أفضل الأصوات النسائية التى ظهرت خلال القرن العشرين وخاض نقاشًا طويلا فى أحد حواراته مع الناقد المسرحى فؤاد دوارة ضمن كتابه «نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية» تطل منه شخصية الناقد والمؤرخ الموسيقى لدى محفوظ فقد دار نقاش حول الدور الخطير الذى لعبه كل من سيد درويش ومحمد عبدالوهاب فى تطوير الموسيقى العربية. محفوظ دائما ما كان يؤكد على البصمة التعبيرية التى تركها «درويش» وغناءه، قبل أن يثنى على «عبدالوهاب» الذى مر بطورين أساسيين ــ من وجهة نظره ــ فكأن بداياته تشبه المنفلوطي وصعوده يشبه توفيق الحكيم، أى أنه جمع بين الأصالة والمعاصرة مع استيعاب للتراث الموسيقى وهضمه واقتباس نغمات غربية تجعل من أعماله فى النهاية غاية فى الإبداع والرقى.

المدهش والمفاجئ أن اهتمام أديبنا بالموسيقى لم يكن مقتصرا على الموسيقى الشرقية فقط. فقد كان قارئا نهما للموسيقى عبر العصور ويستمع الى كل ما تقدمه الإذاعة الأوروبية من معزوفات إلى جوار ما يطرحه د. حسين فوزى من تحليلات ورؤى نقدية حول الموسيقى العالمية. فكان من الطبيعى أن تطول الأحاديث بينه وبين الشيخ زكريا أحمد حول الموسيقى الشرقية فى أحد المقاهى ويظل مقدرا لصوت الشيخ محمود صبح وما به من قدرات عالية وهو فى الوقت ذاته يستقى معلومات وافية حول الموسيقى الغربية من صديقه الموسيقار عبد الحليم نويرة.

كان يرفض أي سؤال عن مقارنة أصوات أسمهان وليلى مراد ونور الهدى بصوت أم كلثوم. ويرى ان مقارنة اى صوت لمطربة بصوت ثومة " يضره من حيث أردت أن تنفعه وتهينه من حيث أردت أن تكرمه وتمرغه فى التراب وقد أردت أن تسمو به إلى السماء». ويبدو أن هذا الرأي ترسخ لديه تدريجيا خصوصا أنه كان منحازًا من البداية لصوت منيرة المهدية. وكان محبا لأم كلثوم بشغف وقد سمى ابنته "أم كلثوم".

وبالرغم من عشقه البالغ لشخصية أم كلثوم وصوتها فإن أديبنا لم يلتقها سوى مرة واحدة عندما طلب منها الأستاذ محمد حسنين هيكل أن تحضر حفل احتفال مؤسسة الأهرام بعيد ميلاد «محفوظ» الخمسين فى ديسمبر 1961 وخلاله دار بينهما حديث طويل حول القصة والرواية والشعر. لقد كان «محفوظ» مرآة لعصره بكل ما فيه من انتصارات وانكسارات فانعكست تلك الرؤى بطبيعة الحال على ما تناوله من أغنيات وأعلام موسيقية فى فترة عرفت بعصر النهضة للأغنية العربية. وعاش «محفوظ» بنفسه ليرى الانحدار التدريجي لمستوى الأغنية العام فكان يشعر بحسرة بالغة تجاه ما آلت إليه الأمور

وبطبيعته الشخصية المتجددة والمتطورة دائما في تناول الأمور.. فقد احب نجيب محفوظ الطرب والغناء القديم وأحب الجديد أيضا أحب الموسيقى الشرقية والغربية أيضا ووجد في كل لون غنائى وموسيقى متعة ومذاق خاص.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة