قال رسول الله صلي الله عليه و سلم :
" إن أبغض الحلال عند الله الطلاق "
وبما أنه أبغض الحلال عند المولي عز و جل فلنقف مع أنفسنا وقفة متأنية لربما نصل إلي مسببات الظاهرة التي انتشرت بشراسة في المجتمع المصري لربما نصل أيضاً إلي الحلول الممكنة للقضاء عليها.
فعادة ما تكون الأسباب متعددة و متنوعة ،لكنها جميعاً نتاج لثقافة و أخلاقيات مجتمع .
وما يثير الدهشة التي لا تخلو من قلق و حذر هذا الرقم الصادم الذي صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء و الذي يفيد بأنه قد تم وقوع ١.٩ مليون حالة طلاق بمصر خلال العشر سنوات الماضية ، و الذي قفز بها لتحتل المركز الأول عالمياً بهذا الشأن .
(زواج التجربة ):
في هذا السياق أطلق محامي مصري مبادرة باسم "زواج التجربة" دعا
فيها إلى استخدام عقد مدني ملحق بعقد الزواج تحدد مدته حسب رغبة الطرفين، ويتجدد في حال التزام الطرفين بشروطه.
حيث وصل عدد المطلقات حسب تصريحات صاحب الدعوة حاليا لحوالي ٨ ملايين مطلقة، كما أن النسبة الأكبر لحالات الطلاق تقع بين حديثي الزواج الذين لا يستمر زواجهم شهورا معدودة أو أيام في بعض الأحيان.
و بالنسبة لحديثي الزواج،
فإن مصر من أعلى الدول في نسبة الطلاق ،
خاصة الزواج الذي لا يستمر سوى بضعة شهور، فلكي نحاول الحد من هذه الظاهرة، رأي الدكتور أحمد مهران وضع حد لفترة الزواج على الأقل ٣ سنوات لا يتم الطلاق لربما يستطيعوا الحكم جيداً و بتأني على التجربة، وهي فترة كافية لمعرفة الشخصين بعضهم البعض جيداً ،
و بعد أن ثار الجدل و رحبت وجهات نظر بالفكرة في حين رفضتها و بشدة وجهات نظر أخري ، تحديداً وجهات النظر الشرعية التي رأت بهذا المقترح خروج علي شرع الله في مسألة الزواج العقد المفترض أن يكون أبديأً و بنفس الوقت متاح به الطلاق إن استحالت الحياة و لو كان بعد بضعة ساعات .
و لكن :
ما بين هذه الوجهات المختلفة للنظر و الآراء المخالفة لبعضها البعض في هذا الأمر الشائك ، أطرح وجهة نظري المتواضعة لعلها تجد بين هذا و ذاك مخرجاً آمناً :
فالمشكلة التي أصابت مجتمعنا باستقراره الذي يتجسد في شكل الأسرة الآمنة المستقرة الممتدة و التي لم يعد لها امتداد بالعقد الأخير كما رأينا حسب كافة الإحصاءات ووفقاً لجميع المؤشرات أن عوامل الهدم و الخراب باتت أشد و أقوي بمراحل من عوامل الهدوء و الإستقرار ،
وأن الحل لتلك الظاهرة ليس بهذه البساطة و السذاجة المتعلقة بعقد موقوت بحد أدني ثلاث سنوات لربط طرفين ببعضهما البعض رغماً عنهما حتي و إن استحالت أسباب الإستمرار،
فما أسرع أن تنقضي السنوات الثلاث بين طرفين قررا الإنفصال لتزداد بينهما أسباب الإفتراق نتيجة هذا العقد المشروط الأشبه بعقوبة السجن .
تلك التي يرضخ لها السجين انتظاراً لإنتهاء المدة و تطلعاً لإستعادة أسباب الحرية من جديد .
فمن باب أولي أن نجهد أنفسنا لنتعمق قليلاً بالبحث عن مسببات الظاهرة التي تحولت لكابوس يهدم أمن و استقرار المجتمع ، في محاولات جادة تشترك بها كافة الأطراف المعنية بالأمر للتوصل إلي حلول جذرية لن تؤتي أُكُلها بين ليلة و ضحاها .
و في هذا الشأن سأعيد نشر جزء من مقال سابق عن ظاهرة الطلاق وطرق التصدي لها كالتالي :
"لذا فإننا بصدد كارثة مجتمعية تستوجب التصدي بكل قوة كي لا ينهار المجتمع بأسره علي إثرها ، و علي كل متضرر من تلك المأساة المشاركة الفعالة في القضاء عليها بداية من :
-"الأبوين "
المنوط بهم حسن تربية الأبناء و غرس القيم و الأعراف و الدين و الأخلاقيات بنفوسهم منذ الصغر و أن يكونوا لهم نموذجاً صالحاً للأسرة المترابطة لا المنفّرة المفككة التي تتسبب بنمو العقد النفسية المتعددة لدي الأطفال لتكبر كلما كبروا و تتأصل و تستوحش فتجعل منهم آباء و أمهات غير أسوياء!
ثم تدور الدائرة مرة أخري لتخرج أجيال تليها أجيال كنبتٍ غير صالح !
كما يجب أن يكف الأبوين عن ذنبٍ يقترفونه بحق بناتهم تحديداً و هو الإلحاح علي ضرورة الزواج بسن معين حتي لا تتجاوز البنت هذا السن فتصبح بنظر المجتمع عانس ، ذلك من وجهة نظرهم القاصرة فحسب !
فالضغط المستمر علي ضرورة الزواج حتي بمن لا تقبله الإبنة و لا تربطها به أية مشاعر ولا تتفق معه فكرياً يعد هو الآخر من أهم أسباب الفشل و الإنهيار الذي لا ينتهي سوي بالطلاق .
-"التوعية و التأهيل النفسي"
من خلال عدة منابر هامة علي رأسها التعليم من ناحية وو وسائل الإعلام ذات التأثير شديد السرعة من ناحية أخري ، لتأصيل مفاهيم لم تعد موجودة و ترسيخ قيم لم تعرفها الأجيال الحالية و التحذير من التسرع و التخويف من تبعات الفشل و ما قد يخلِفه من ضحايا جدد!
-"إهتمام الدولة بحل المشكلة "
تلك التي تشكل عائقاً حيوياً في طريق تقدم المجتمع و تعرقل من إنجازاته و تثبط الهمم التي نحن أحوج ما نكون إليها لاستكمال خطة إعادة بناء الوطن ، فلسنا بحاجة إلي مجموعات من الشباب المحبطين المتأزمين الذين ضاعت مدخراتهم علي مشروع زواج فاشل !
و ها قد وضع السيد الرئيس تلك المشكلة الخطيرة في دائرة اهتماماته التي لا تحتمل المزيد، و دعا المجتمع لمناقشة أسباب الظاهرة ووضع خطط جادة لحلها و التصدي لها ".
تلك هي الجذور التي علينا معالجتها و تقويتها و إعادة زراعتها بطرق سليمة لتخرج نباتاً صالحاً ذو أفرع يانعة غير مصابة بالمرض ،
لا البحث عن قشور و شكليات غالباً ما تضر أكثر مما تنفع ، كفكرة وضع حد أدني لعقد الزواج لإستمرار المدة المشروطة بالإكراه كما لو كان سجناً إفتراضياً يدفع للنفور و الخوف و الرغبة المدفوعة بالمنع .
نهاية : فالأسرة هي نواة المجتمع الأساسية، إن صحت و صلحت و استقامت ، صح الوطن و صلح و استقام .
اللهم طهر نفوسنا و أصلح ذات بيننا
و احفظ مصرنا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة