كانت أولى المجموعات القصصية التى كتبها الروائى الكبير عزت القمحاوى، هى مجموعته "حدث فى بلاد التراب والطين" الصادرة عام 1992، وهى مجموعة تحوى 11 حكاية و12 تصويرة كما عبَّر عنها كاتبها القمحاوى ببراعته السردية المعتادة عن عالم الحلم وعالم الطفولة، عبر الحفاوة بالميراث الشعبى وجماعة البشر المهمشين محمد سعيد أبو الجود.
من التصاوير التى قدمها الكاتب، تصويرة للحلم ..تصويرة للوطن، يرسم الولد في كراسته سنبلة ووردًا وبلبلاً، ويحلم بالبيت والظل والوطن، ولكنه يصحو على البيت المهدوم فوق الأب واللعبة.
ويأخذه الجنود ذوو القلوب والأحذية الصلبة، يستجوبونه: لماذا ترسم سنبلة ووردًا وبلبلاً؟ ولكماذا تعشق البيت والظل والوطن؟ ويمزقون كراسته، لكنه ينجح في إخفاء حلمه في أعماق قلبه، ويشب الولد ويتشقق الجحلم عن ألف حجر وألف ألف ذراع ترسم حدود الوطن القادم.
جاءت المجموعة القصصية "حدث فى بلاد التراب والطين" فى شكل واقعى من عالم الريف وتضمنت قسمين أولهما (حكايات) أى القصص القصيرة والثانى (تصاوير) ويتضمن عدداً من القصص القصيرة جداً التى تقع بين القصة وقصيدة النثر، ثم روايته مدينة اللذة انعطافة حادة نحو عوالم الفنتازيا والميثولوجيا، حيث أقام مدينة غريبة تحرسها إلهة للذة وتسيطر على سكانها بشبقها الحارق، وقد لفت هذا النص القصير الأنظار باعتباره إضافة كبيرة فى سرد الحداثة العربية.
وما بين "حدث فى بلاد التراب والطين" وما بين آخر مجموعته "السماء على نحو وشيك" جرت مياه كثيرة فى هذا النهر، تعددت التجارب فى القصة والرواية والمقالة والنص المفتوح، دون أن تكرر تجربة سابقتها، ولكن يمكننا أن نلمح قواسم مشتركة صارت تميز كتابة القمحاوي: الموت، الاغتراب، القهر، والذاكرة، هذه الموضوعات تتجمع كلها لتصنع احتفالاً بالحياة، ينبه الإنسان إلى ضرورة الاستمتاع بحياته القصيرة على الأرض قبل أن يجد نفسه وحيداً غريباً عليلاً. والحفاوة بالجسد وتفاصيله هى طريقة عزت القمحاوى لقول هذا، يظهر الجسد بخفوت فى "حددث فى بلاد التراب والطين" و "الحارس" أو بتأمل وتفكير فى "الأيك" و "كتاب الغواية" أو بصخب وعنف فى "مدينة اللذة" أو باحتفال فى "مواقيت البهجة" و "بيت الديب" أو بأسى فى "غرفة ترى النيل" و"البحر خلف الستائر".
عزت القمحاوى (مواليد 23 ديسمبر 1961) روائى مصرى أصدر عمله الأول عام 1992، ثم توالت أعماله فى القصة والرواية والنص المفتوح على مختلف الأجناس الأدبية. تهتم أعماله بقيمة الحرية كما تحتفى بالحواس كأحد مداخل المعرفة وسعادة الانسان. ترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية، الصينية، والإيطالية، حصل القمحاوى على جائزة نجيب محفوظ فى 11 ديسمبر 2012 عن روايته بيت الديب التى تتناول 150 عاما من حياة عائلة مصرية ريفية بالتوازى مع تاريخ مصر والمنطقة. كما وصلت روايته يكفى أننا معا إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2018.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة