أكرم القصاص - علا الشافعي

ناهد صلاح

سمير سيف.. وهج السينما وغوايتها

الأربعاء، 02 ديسمبر 2020 12:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في مثل هذا الوقت من السنة، كان المخرج سمير سيف ينهمك بأعمال المهرجان القومي للسينما المصرية الذي كان يرأسه، سواء بالتخطيط لقيام الدورة الجديدة أو قيامها بالفعل والانخراط في فعالياتها ومنها الندوات وإصدار الكتب الخاصة بها، كان يملأ كل مكان يدخله في صندوق التنمية الثقافية بابتسامته السباقة، ابتسامة كانت هي الشعاع المباشر الذي يصل بينه وبين المحيطين، هذا غير النقاش السلس، الهاديء كما ملامحه التي تتغير فجأة ببريق ما في العين، كأنها تفتحت فجأة على غواية سينمائية، فكرة وهاجة أو مشروع مدموغ بلمسة من حماسته، كنت واحدة من مؤلفي الكتب في دورتين، فكتبت عن شخصيتين من رموز البهجة في الفن المصري؛ بعد ما اقتربت من عالمهما الإنساني والاجتماعي، أدركت ما حملته جذورهما من ثقل وصقل شكل شخصيتهما الفنية الزاهية، هو ما ذكرته في كتابي:"حكايتي مع السينما" (2014) عن سمير صبري، "سيدتي الجميلة (2016) عن شويكار، كنت كذلك واحدة من النقاد الذين اختارهم سمير سيف ليجوبوا المحافظات بصحبة أفلام المهرجان ومناقشتها مع جمهور مغاير لجمهور العاصمة، وحظيت بالذهاب إلى سوهاج ورؤية الحال التعسة لدور العرض هناك على أرض الواقع، كنا نلتقط فكرته، ونروح نجهد إلى بلورتها في يقظة تامّة لتخدم الهدف اللماح والمؤثر الذي أراده، ليس لإثبات أهليتنا كنقاد مسئولين بأي معنى من المعاني، لأن هذه ليست مسئوليتنا بشكل مباشر، لكن عرفاناً لصاحب الفكرة سمير سيف نفسه، وإكراماً لإقتراحه الذي يصدر دائماً من إحساسه الحضاري بالسينما وتأثيرها وضرورة وصولها إلى الجميع.
 
 في مثل هذا الوقت من السنة أيضاً رحل سمير سيف(23 أكتوبر 1947 - 9 ديسمبر 2019)، بعد مشوار حافل امتد لأكثر من 35 عاماً بدأه منذ تخرجه في المعهد العالي للسينما عام 1969، ثم عمله مساعداً لعدد من المخرجين الكبار في عصره، مثل: (شادي عبد السلام، يوسف شاهين، حسن الإمام، .. وغيرهم)، قبل أن يباشر مشروعه الخاص الذي حفل بنحو 26 فيلماً، منها 5 أفلام شارك كذلك في كتابة السيناريو والحوار، 11 مسلسلاً ومسرحيتان.
 
 مضت سنة على غيابه من دون لطفه ورشاقة ودفء لقائه بزملائه وتلاميذه، أتذكره كأنه من النادرين في العالم الذين يحدسون ما يحتاجه الأخرون فعلاً، فهو امتلك تلك الصفة المنفتحة على الأخر والحانية التي جعلتنا نخجل على نحو واضح، أمام لطفه، خجلاً أقرب إلى نوع من أنواع الذنب، كهذا الذنب الذي أشعر به حالياً بشدة؛ لأنه استجاب لطلبي باستغلال ذاكرته القوية كما قلت له وتصحيح العديد من القصص والتواريخ السينمائية، في كل مرة أقابله كان يفطن إحتياجي للتسجيل معه؛ فيخبرني أنه جاهز دون سؤال مني، وكنت مطمئنة جداً لدرجة أنني واظبت على تأجيل موعد التسجيل لأن سمير سيف كان دائماً حاضراً ، ساكناً في جزء ما من عقلي يأبى تصديق فكرة غيابه ورحيله المفاجيء.
 
  على نحو واعِ صنع المخرج سمير سيف أسلوباً متفرداً في السينما المصرية، كل عمل قدمه له خصوصيته وحالته التي نفخ فيها من روح طموحه وخبرته الإنسانية والفنية، لذا في تقديري أن مصطلح مخرج الأكشن الذي تم توصيفه به والترويج له على هذا الأساس، ليس دقيقاً بشكل عام، بل يبدو كمحاولة لسجن سمير سيف في مدرسة أو نظرية واحدة، بينما هو انتقل من مدرسة فنية إلى أخرى وكان مسعاه الحقيقي هو التطوير في الفن السينمائي، على اعتبار أنه فن خلاّق ومتجدد ويمكن إستلهام ملامح من فنون أخرى مثل الفن التشكيلي والرواية، هذا ما نلمسه في أعماله إجمالاً، صحيح أنه بدأ مشواره بفيلم "أكشن" هو دائرة الانتقام (1976) نسخة أخرى من رواية "الكونت دي مونت كريستو" الشهيرة للكاتب الفرنسي ألكسندر دوماس، وإن كان سمير سيف في حوار مع الناقد كمال رمزي نفى أن يكون فيلمه الأول مأخوذاً عن هذه الرواية، لكن هذا لم يمنع تنوع نتاجه السينمائي بألوان أخرى خارج الأكشن، مثل قطة على نار (1977) دراما نفسية مأساوية كسرت المألوف على طريقة كاتب القصة الأصلية تينيسي وليامز، والخوض في تفاصيل كاشفة للقلق النفسي والصراع بين الحقيقة والخداع والضلال، أو تجربة موسيقية استعراضية كما في المتوحشة (1979)، من الأفلام البارزة في السينما المصرية التي كسرت العديد من الثوابت الدرامية التي تعود عليها الجمهور في غالبية الأعمال الفنية، رغم أن الفيلم لم يحقق النجاح الجماهيري المتوقع وقت عرضه بسبب نهايته الحزينة، أو تجربة كوميدية مثلما قدمها في غريب في بيتي (1982)، لا يخلو فيها الموقف الدرامي من الحس الإنساني الذي فرضته الحكاية، فيما كانت تنويعاته الكوميدية في أفلام مثل "احترس من الخط" (1984) ، نابعة مثلاً من الموضوع الكوميدي الذي كتبه شريف المنباوي، وتجربة مغايرة في ديل السمكة (2003)  حيث الغوص في أعماق المجتمع المصري، والوقوف عند مشاكل الطبقة المسحوقة في المجتمع بعيداً عن أخرين يعيشون قبالتهم في مجتمع منفصل لا يعرفونه، مروراً بأفلام أخرى اجتماعية وسياسية: "الراقصة والسياسي" (1990)، "معالي الوزير" (2003) مثلاً، وصولاً إلى أخر أفلامه "أوغسطنيوس ابن دموعها" (2016) عن حياة القديس أوغسطينوس.
 
   إن كان الأكشن أو الأسلوب الحركي يغلب على معظم أفلامه، فإنه لم يكن أسلوباً شكلياً إتخذه بالمجان أو إستسهالاً أو حتى محاولة إستعراضية لفرد العضلات، لأن سمير سيف لديه هذا التنوع الذي يخرج من دائرة التوصيفات البسيطة وتجاهل أسلوبه وطريقته في استخدام الجماليات، التنوع الذي أتاح له أن يصنع السينما وفق خياله الجامح، حسب معتقداته لها كحياة وفن له أوجه متعددة، وله أهداف أبرزها المتعة والفرجة، من هذه الزاوية قدم الأكشن صورة تحمل أفكارًا شتى لها أبعادها الدرامية، هذا ما عبر عنه في دراسته "أفلام الحركة في السينما المصرية 1951- 1975"، مؤكداً أن أفلام الحركة الجيدة لم تتورط في محاكاة الأصل الأمريكي دون تمييز، إنما عملت على خلق شخصيات مصرية وأجواء محلية صميمة ومواقف تنبع من صراعات لصيقة بالمجتمع المصري، مفسراً فيها أنه إذا تم إعتبار النموذج الأمريكي هو الهيكل العظمي، فإن البيئة المحلية هي التي تعطي الجسد الروح.
 
  خصوصية الأكشن المصري كانت محور سمير سيف، استلزم هذا نجماً جديداً يشبه ناس مجتمعه ويعبر عن أحوالهم، بطل صعلوك، فقير، شقي، جامح، متهافت على إقتناص فرصته في الحياة، فكان عادل إمام، مع ذلك فإن مشروع سمير سيف الأكبر كان مع نور الشريف، يقدر بحوالي عشرة أفلام، ومن نور الشريف إلى نجوم السينما المصرية الكبار عمل سمير سيف مع محمود عبد العزيز وأحمد زكي، بينما تأتي تجربته مع عادل إمام هي الثانية من حيث الكم بعد نور الشريف، نحو ثمانية أفلام ساطعة في الذاكرة السينمائية، فعندما كادت سنوات السبعينيات ترحل، لتبدأ مرحلة جديدة بجيل يتشكل بعنفوان الأمل في التغيير، تحول عادل إمام من الممثل الذي يجسد شخصية الهامشي، رجل الظل، إلى البطل الذي يمثل المهمشين عموماً ويصعد بهم إلى النور، تبدل دوره من الكوميدي البسيط إلى المعترك مع وحوش مجتمعه، نموذج البطل الشعبي حسبما قدمه سمير سيف حتى لو كان لصاً في "المشبوه" (1981) أو قاطع طريق في "شمس الزناتي" (1991) بأجوائه شديدة الخصوصية، مروراً بـ"الغول" (1983) الذي يطرح عادل إمام ممثلاً بدون نزعة كوميدية، مهزوماً في مجتمع يحكمه قانون ساكسونيا ورمز العدالة الذي يفتتح به الفيلم هو مجرد تمثال أعمى، فيما الظالمون يفترسون المجتمع بقوانينهم الجديدة، أما "المولد" (1989) فالتقطت طبيعة الشخصية الشكسة، اللعيبة، المتوعرة التي تعرف كيف تحصل على حقها في زمن مزدحم كالمولد، مأهول بالجريمة، قدمه "سيف" هنا كواحد من الشطار كما في الموروث الشعبي، الفهلوي الذي اضطرته ظروفه الصعبة إلى أفعاله والذي أحبه الجمهور لأنه لمس وتراً ما في وجدانهم الشعبي، هذا غير رحلة "سيد كباكا" في فيلم "مسجل خطر" (1991) من عالم اللصوصية والإجرام إلى النزعة الإنسانية لرعاية طفلة صغيرة، نغمات متلاحقة، يشوبها حرص وحذر حتى النهاية الحاسمة التي تشي بالوصول إلى ضفة أمنة.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة