نواصل قراءة مشروع المفكر العربى الكبير محمد عابد الجابرى، الذى يعد واحدا من أبرز العقول العربية فى القرن العشرين عاش خلال الفترة بين عامى (1935 – 2010).
وكتابنا اليوم هو " تكوين العقل العربى" وهذا الكتاب هو الأول فى سلسلة نقد العقل العربى، والتى قدم لها الجابرى بقوله "يتناول هذا الكتاب موضوعًا كان يجب أن ينطلق القول فيه منذ مائة سنة، إن نقد العقل جزء أساسى وأولى من كل مشروع للنهضة، ولكن نهضتنا العربية الحديثة جرت فيها الأمور على غير هذا المجرى، ولعل ذلك من أهم عوامل تعثرها المستمر إلى الآن، وهل يمكن بناء نهضة بغير عقل ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لألياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه؟
ونستعرض معا مجموعة من تعليقات القراء على الكتاب، ومن ذلك:
علق "خالد الأشهب" على موقع "أبجد" يقول: هذا الكتاب هو اللبنة الأولى فى مشروع الجابرى، و الذى يهدف إلى بناء رؤية جديدة تتجاوز الرؤية السائدة لتاريخنا وتراثنا و ثقافتنا العربية، رؤية تتجاوز "الظاهر " لتغوص فى عمق "العقل العربى" نفسه لفهم تركيبته و تكوينه و كيف تشكل و أين و متى بالضبط و ما العوامل التى لعبت دورها فى تكوينه.
وتبدأ "قصتنا" الحقيقية من بداية عصر التدوين، عصر البناء الثقافى العربى و الذى اعتبره الكاتب الإطار المرجعى للعقل العربى، وهناك تأسست الثقافة العربية الإسلامية حيث تكونت ثلاثة "عقول" عربية إسلامية شكلت ثلاثة نظم معرفية احتلت مسرح الأحداث:
1 - العقل البيانى أو ما أسماه الجابرى بـ "المعقول الدينى العربى" وقد تأسس من خلال نظام معرفى بيانى يعتمد قياس الغائب على الشاهد كمنهاج فى إنتاج المعرفة، و يشمل علوم البيان من نحو وفقه و كلام و بلاغة، أى اللغة والدين كنصوص .
2 - العقل العرفانى: و أسماه "اللامعقول العقلى" و يشمل علوم العرفان من تصوف و فكر شيعى و فلسفة إسماعيلية وتفسير باطنى للقرآن وفلسفة إشراقية وكيمياء وتطبب وفلاحة نجومية وسحر وطلسمات وعلم تنجيم، وتأسس هذا العقل من خلال نظام معرفى يقوم على "الكشف والوصال" و"التجاذب و التدافع"، و قد استمد هذا العقل "أدواته" من الموروث القديم و على رأسه الهرمسية .
3 - العقل البرهانى: أو "المعقول العقلى" كما أسماه، و يؤسسه نظام معرفى يقوم على الملاحظة التجريبية و الاستنتاج العقلى كمنهج، أى المعرفة العقلية المؤسسة على مقدمات عقلية ويشمل الفلسفة الأرسطية خاصة من منطق ورياضيات وطبيعيات بفروعها المختلفة وإلهيات وحتى الميتافيزيقا عموما .
أهم ملاحظة أشار إليها الجابرى فى -رأيى - هى دور العامل السياسى الذى كان دوما يرجح كفة "عقل" على "عقل"، و يقمع "عقلا" ليعلى من شأن "عقل"، و يقوم بتوظيف "عقل" لمحاربة "عقل". كل ذلك لمصالح سياسية ضيقة .
بينما علقت Sarah Shahid على "أبجد" تقول: هذا الكتاب هو الجزء الأول من سلسلة مؤلفة من أربعة كتب للجابرى، خصصها لدراسة العقل العربى بدءاً من تكوينها، مروراً ببنيته، وانتهاء بتحليله من الناحية الأخلاقية والسياسية.
بعيداً عن المنهجية التى استخدمها الجابرى والتى كانت محط خلاف عند غيره من المفكرين العرب، إلا أن الكتاب كان رائعاً بامتياز، وخاصة أنه يعتبر من الكتب القليلة التى تناولت هذا الموضوع بتلك الجدية.
تمثل الخلل الذى شخصه الجابرى فيما يتعلق بالعقل العربى بالفجوة القائمة بين الفلسفة الإسلامية فى عهد الخلافة الإسلامية والنهضة العربية التى كان فى القرن التاسع عشر، أى أن هناك فجوة تمتد إلى حوالى أربعة قرون لم يتم توصيفها أو تحليلها أو حتى تأريخها، وقد رأى الجابرى أن الأمر يستوجب إعادة كتابة لتاريخ الفكر العربى وليس مجرد إعادة قراءة له. وفى الوقت ذاته فإن التحليل الذى تناوله الجابرى أثناء حديثه عن تكوين العقل العربى بدءاً من عصر التدوين الذى اعتمده الجابرى كبداية لتأسيس العقل العربي، قد انتهى مع انتهاء عصر الفلسفة ذاك ولم يتناول رحلة العقل العربى خلال النهضة العربية.
بينما علق يحيى استانبولى على موقع goodreads:
يبتدئ محمد عبد الجابرى كتابه هذا بتساؤل ملح؛ كيف يمكن لعقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه أن ينهض؟ وتحت ظل هذا التساؤل الكبير يقدم الجابرى مشروعه لنقد العقل العربى، أو على الأخص نقد ومراجعة "الثقافة العالمة" فى هذا العقل، وتتبع بناها الداخلية، متجاوزا الثقافة الشعبية والأمثال والأساطير؛ بمعنى انه يحاول تفكيك "عقل" النخبة ورد كل جزئية فيه إلى البنى المشكلة له، سواء كانت تنتمى إلى حيز المعقول أو اللامعقول. فالجابرى ينسب نفسه إلى النقدية العقلانية التى تتخذ من موضوعها موقف الذات الواعية.
يشرع الجابرى فى كتابه "تكوين العقل العربي" ببجموعة مقاربات أولية عن ذات العقل الذى يريد نقده، فهذا النقد للعقل سيثير أول ما يثير، بحسب الجابري، فى ذهن القارئ سؤالاً عن حقيقة وجود عقل عربى منفصل عن غيره من العقول، وهو ما سيعيدنا مباشرة إلى التمييز الذى أقامه بعض المستشرقين (هو ما أثاره إرنست رينان بطبيعة الحال) بين العقلية السامية -والتى تنتمى إليها العقلية العربية- على اعتبار أنها عقلية تجزيئية غيبية، وبين العقلية الآرية -والتى تنتمى إليها العقلية الاغريقية مثلا- على اعتبار أنها عقلية تركيبية علمية، وعلى ذلك فإن هنالك فارقا "جوهرانيا" بينهما، وهو ما ينفيه الجابرى فى مقدمته، ليؤكد أن بجوثه تنتمى إلى دراسة العقل العربى من حيث البنى المؤسسة له، والقضايا التى أثارت هذا العقل لحظة نشوئه وتكوينه، من حيث المحددات التى تحده، والقطاعات الفكرية التى تهيمن عليه، ومدى ارتباط المادة المعرفية (الابستمولوجية) فيه بالمادة الايديولوجية (التوظيفات السياسية والدينية).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة