سر الغضب المصرى من تصويت البرلمان الأوروبى على مشروع قرار ينتقد "أوضاع حقوق الإنسان المتردية فى مصر" يمكن أن نعزوه إلى عدة أسباب وبعض التساؤلات.
البرلمان الأوروبى صوت يوم الجمعة الماضى على المشروع بأغلبية أصوات بلغت 434 فى مقابل اعتراض 49 وامتناع 202 عضو من إجمالى أعضاء البرلمان البالغ 751 عضوا من بينهم أعضاء 6 دول فقط تمثل فيه الغالبية وهى وألمانيا وفرنسا وإيطاليا بريطانيا واسبانيا وبولندا بحوالى 421 عضوا. وهذه الدول تربطها بمصر حاليا علاقات سياسية واقتصادية جيدة على المستوى الرسمى لكن هذا من وجهة نظر العالمين ببواطن الأمور داخل الاتحاد الأوروبى وتشابكات وتعقيدات علاقاته الخارجية غير الرسمية أو الدبلوماسية، ربما لا يكفى فى بعض الأحيان عند اتخاذ عملية التصويت وإصدار التوصيات فى مسائل خارجية تتعلق بالأوضاع الداخلية لبعض الدول التى ترتبط بعلاقات قوية بالاتحاد الأوروبى.
فى وجود آلاف الصحفيين والنشطاء السياسيين من دول عديدة وتنظيمات وجماعات سياسية وحقوقية ومنظمات مجتمع مدنى ، تدرك التأثير الكبير للبرلمان الأوروبى غير المباشر على السياسة الخارجية الأوروبية ، ومنها ضرورة مصادقة البرلمان على جميع المنح التنموية، وما تقوم به تلك المنظمات من تقديم معلومات تدعم موقفها السياسى والمالى أيضا..!
نعود إلى أسباب الغضب الذى أعقبه ردود فعل مستنكرة من البرلمان والأحزاب المصرية، فمشروع القرار الأوروبى جاء كأنه نسخة مكررة من بيانات أخرى وفى ذات القضية من منظمات وجهات خارجية تعادى مصر وتتبنى وجهة نظر جماعة الاخوان الإرهابية والمتعاطفين معها، وهو ما يشير الى الحضور والنشاط الملحوظ لـ"اللوبى الإخواني" داخل هذه الجهات بما فيها البرلمان الأوروبى وعلى طريقة اللوبى الصهيوني.
الغضب والاستنكار المصرى لما جاء فى توصيات البرلمان الأوروبى تبرره المجهودات الكبيرة التى قامت بها مصر منذ 2014 لحماية الظهير الأوروبى وبالتعاون والتنسيق مع دوله، وبشكل خاص فى مجال الحد من الهجرة غير الشرعية ، وأشادت أوروبا بالمجهودات والإجراءات المصرية فى هذا المجال وتمكنت السلطات المصرية بشكل شبه نهائى من إنهاء هذه الظاهرة بل أحالت مناطق الهجرة غير الشرعية الى مناطق تنموية ضخمة.
وأيضا فى مجال محاربة الإرهاب الذى اعتبرت بعض الدول الأوروبية تنظيماته وجماعاته "فصائل معارضة سياسية" حتى اكتوت من إرهابه ومازالت وخاصة فرنسا وبلجيكا-التى تستضيف مقر البرلمان الأوروبي- واسبانيا وبريطانيا. فمصر وعلى لسان رئيسها "حاربت وتحارب الإرهاب نيابة عن العالم"، ونجحت مصر فى انتزاع اعتراف أوروبا بحقوق الإنسان فى محاربة الإرهاب.
وتعاونت مصر بقوة مع الجانب الأوروبى والأمم المتحدة فى قضية اللاجئين التى شكلت تحديا اجتماعيا واقتصاديا خطيرا على دول أوروبا بل واستضافت حوالى 5 آلاف شخص دون التعامل معهم كلاجئين.
سر الغضب أيضا أن التقرير يزخم بالمغالطات وتغيب عنه كثير من الحقائق على أرض الواقع فى مجال حقوق الإنسان بمفهومها الشامل فى المجال التعليمى والصحى وتحسين الأحوال المعيشية من خلال تدشين أضخم خطة تنمية فى تاريخ مصر للقضاء على الفقر والبطالة والمرض وتحسين الدخول. ويعمل بها 55 آلف جمعية مجتمع مدنى وفقا للقانون
الغضب أيضا يأتى لأن البيان يتبنى وجهة نظر لا يمكن لدولة أوروبية قبولها أو السماح لأى شخص أو جهة العمل بها خارج اطار القانون والا اعتبرته خارجا عن الشرعية ، بل إن البيان يطالب بالإفراج عن مسجونين بسبب ظروف جائحة كورونا وهو ما يدعو للدهشة والسخرية وتدخلا سافرا فى الشئون الداخلية لدولة ذات سيادة. فهل من المقبول لدى الاتحاد الأوروبى ان يصدر البرلمان المصرى توصية مشابهة للإفراج عن مساجين فى أوروبا بسبب كورونا التى تجتاح أوروبا مقارنة مع الأوضاع الصحية فى مصر. هل ملايين المصابين فى أوروبا مبرر للإفراج عن المجرمين والإرهابيين. وأين الأرقام التى يستند إليها البرلمان الأوروبى .
تساؤلات كثيرة حول توقيت هذه التوصيات ضد مصر وبعض الدول فى ملف أصبح الحديث فيه من الماضى ولم تعد مصر تخاف شيئا والمعلومات والحقائق أصبحت متاحة وتفقد وزيارات السجون باتت أيضا متاحة لكافة الوفود ومنظمات المجتمع المدني. فلماذا هذه التوصيات الآن...؟ وهل مازال مفهوم حقوق الإنسان لدى البرلمان الأوروبى مفهوما قاصرا مختلا...؟
هل هو نوع من المداعبة والتملق الأوروبى للإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس جون بايدن وحزبه الديمقراطى فى ظل مخاوف من تفتت للاتحاد الأوروبى عقب الخروج البريطاني، وبالتالى البحث عن قوة أمريكية داعمة للاتحاد المتداعي...؟ ولماذا مصر الآن..؟ ولماذا تجاهلت التوصيات تركيا ..؟
مع القبول بأسباب الغضب والتساؤلات من وراء مشروع قرار البرلمان الأوربى "المسيس والمغيب عن الواقع" والذى ينصب نفسه وصيا على مصر ، تبقى نقطة مهمة للغاية تكشف وجود حلقة مفقودة فى الحوار والتواصل بين البرلمان المصرى ومجلس الشيوخ والنخب السياسية والثقافية والاجتماعية المصرية وأعضاء البرلمان الأوروبى وترك الساحة خاليا لأعداء مصر من المنظمات المشبوهة والجماعات الإرهابية.
الرد على البرلمان الأوروبى يجب أن يكون رادعا وحاسما وقويا، فمصر ليست ملطشة وليست معبرا لتحقيق أغراض سياسية ومداعبات دولية وحسابات انتخابية والمواجهة مع البرلمان الأوروبى ينبغى لها أن تكون جادة سواء على المستوى الرسمى أو البرلمانى والشعبي. وسد الثغرات التى ينفذ منها أشرار الأرض ومرتزقة الإرهاب بالتواصل والحوار المستمر والدائم وبالزيارات المتبادلة وعرض الحقائق والمعلومات الصحيحة.