أكّد خبراء اقتصاديون أنّ الاقتصاد التركي ينتقل من أزمة إلى أزمة أخرى، وأنّ أيّ حلّ مستعجل أو سريع تعلن عنه الحكومة يصبح مشكلة لاحقاً لأنّه يعتمد على حلول وإجراءات توصف بأنّها "ترقيعية" ولا تجدي نفعًا على المدى المنظور، وفق وسائل إعلام تركية معارضة.
وقالت صحيفة "أحوال" التركية المعارضة، إنّ تدخّلاتِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السياسة الاقتصادية وإملاءَه الأوامر على محافظ البنك المركزي والمسئولين الاقتصاديين، لضبط أسعار الفائدة، وتخفيض معدّل التضخّم، بطريقة بعيدة عن منطق الأسواق والاقتصاد، بحسب ما يلفت محللون، تساهم في زيادة الأعباء على الاقتصاد المأزوم أساسًا، وتزيد الشكوك بقدرته على التعافي في وقت قريب.
وفي هذا السياق قامت وكالة التنظيم والرقابة المصرفية بتغيير حدود استحقاق القرض وفترات الأقساط في بطاقات الائتمان، مما عزّز الرأي القائل بأن زيادة المعدل ستكون أقل، ومن ناحية أخرى، من المتوقع زيادة أسعار الفائدة في الاجتماع الثاني الذي سيعقد برئاسة المحافظ الجديد للبنك المركزي، ناجي إقبال.
وبينما توقع الاقتصاديون زيادة قدرها 50 نقطة أساس قبل قرار وكالة التنظيم والرقابة المصرفية، فقد ذكروا أن هذه الزيادة قد تكون أقل بعد التغيير في القروض، وأن هناك احتمالًا لعدم زيادة أسعار الفائدة.
ويهدف التضخم إلى الانخفاض عن طريق زيادة سعر الفائدة وخفض الاستهلاك. لكن الخبراء أشاروا إلى أن الإجراءات القاسية التي من شأنها أن تقضي على حيوية الاقتصاد من خلال التأثير على العمالة ستؤدي إلى زيادة أعباء الأزمة على عاتق الشركات المتوسطة وصغار التجار.
ووفقًا لقرارات وكالة التنظيم والرقابة المصرفية، تم تخفيض فترة الأقساط لبطاقات الائتمان للنفقات المتعلقة بالمجوهرات غير المطبوعة أو السبائك من 8 أشهر إلى 6 أشهر.
وتم تخفيض فترة التقسيط لبطاقات الائتمان من 6 أشهر إلى 4 أشهر في مشتريات السلع الإلكترونية، ومن 18 شهرًا إلى 12 شهرًا في مشتريات الأثاث والسلع الكهربائية، باستثناء المشتريات التلفزيونية حتى 3.500 ليرة تركية. كما تم إجراء تغييرات على حدود استحقاق قروض السيارات.
وبناءً على ذلك، تم تخفيض حد الاستحقاق للقروض الممنوحة لشراء المركبات بقيمة فاتورة نهائية تزيد عن 300 ألف ليرة من 48 شهرًا إلى 36 شهرًا. كما تم تخفيض حد الاستحقاق للقروض التي تزيد قيمتها عن 750 ألف ليرة من 48 شهرًا إلى 24 شهرًا، بينما تم تخفيض حد الاستحقاق للقروض المضمونة للسيارات من 48 شهرًا إلى 36 شهرًا. وجاء في الإعلان أن أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية غير مدرجة في فئة السلع الإلكترونية.
وقال كبير الاقتصاديين السابق للبنك المركزي البروفيسور الدكتور هاكان كارا إن القيود التي فرضتها وكالة التنظيم والرقابة المصرفية على عدد الأقساط في السيارات والذهب والسلع البيضاء والأثاث والسلع الإلكترونية وتمديد تخفيض ضريبة الاستقطاع في الودائع المصرفية قللت من احتمال زيادة سعر الفائدة بقوة في الاجتماع الذي سيعقد في 24 ديسمبر.
وفي تغريدة له على تويتر، لفت كارا الانتباه إلى انخفاض عدد أقساط قروض السيارات وقال: "ظل اتجاه النمو في قروض السيارات فقط مرتفعًا في القروض الاستهلاكية. فرضت وكالة التنظيم والرقابة المصرفية قيود الاستحقاق على قروض السيارات. وتم اتخاذ إجراءات لتقليص عجز الحساب الجاري في بطاقات الائتمان. خطوات مهمة نحو تنسيق السياسة النقدية والائتمانية. وكالة التنظيم والرقابة المصرفية تعود أيضًا إلى إعدادات المصنع".
من ناحية أخرى، ساهم الخبير الاقتصادي في حزب المستقبل، إبراهيم تورهان، في تشديد الأوضاع المالية مع قرار وكالة التنظيم والرقابة المصرفية بتقييد أقساط بطاقات الائتمان. وتتمثل الخطوة التالية في إجراء تشديد محسوب في 24 ديسمبر. بعد ذلك، ستأتي القرارات لتسهيل تدفقات رأس المال من الخارج.
ولا تزال السياسة النقدية وشروط الائتمان مقيدة للطلب الاستهلاكي، إذا لم يكن هناك تأثير متزايد للإنفاق من المالية العامة، فلن يكون تمويل عجز الحساب الجاري مشكلة في عام 2021. وفشلت تركيا حتى الآن في الاستفادة من عدم وجود توسع في السيولة العالمية ".
كما قال الخبير الاقتصادي أوركون جودك: "إن القرارات الأخيرة التي اتخذتها وكالة التنظيم والرقابة المصرفية بخفض الاستهلاك المحلي بالإضافة إلى دعم ميزان المدفوعات صحيحة تمامًا. التوقيت يعتمد على تفاصيل مهمة من حيث "الموقف الصارم" الذي عبّر عنه الرئيس إقبال مرارًا وتكرارًا قبل قرار سعر الفائدة. التنسيق الصحيح هو يضبط المسألة".
وقال البنك المركزي التركي إنه سيبقي السياسة النقدية متشددة العام المقبل، وسيحجم عن شراء الليرة في أسواق العملات حيث يسعى إلى إعادة بناء ثقة المستثمرين. وتعهد محافظ البنك المركزي ناجي إقبال الذي عينه عين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 7 نوفمبر بعد أن أقال سلفه مراد أويصال، بتحديد خطط السياسة النقدية للبنك للعام المقبل.
وأنفق البنك المركزي عشرات المليارات من الدولارات من احتياطياته من العملات الأجنبية للدفاع عن الليرة هذا العام، ما تسبّب بخسائر كبيرة للاقتصاد.
يشار إلى أنّ محافظ البنك المركزي التركي، كرر مؤخراً عدة مرات أنه سيتم تعزيز الاتصال في السياسة النقدية في إطار مبادئ الشفافية والمساءلة والقدرة على التنبؤ بالمتغيرات، وأوضح أنه يتم مراجعة الوضع الحالي ومتابعة التطورات عن كثب حتى تاريخ اجتماع لجنة السياسة النقدية في 19 نوفمبر الجاري. وأشار بهذا الخصوص إلى أنه سيتم اتخاذ القرارات الضرورية في ضوء البيانات والتقييمات التي سيتم تشكيلها.
وذكر محلل كبير في وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية، أن تركيا لم تشدد السياسة بما يكفي لدعم الليرة، التي نزلت إلى مستوى قياسي متدن في الفترة الأخيرة، وأن احتياطيات النقد الأجنبي والتمويل الخارجي للبلاد يظلان نقطتي ضعف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة