عادت من جديد أخبار حرب المعلومات والهجوم الإلكترونى، خلال الأسبوع الماضى، ولولا أنباء فيروس كورونا، لكانت هى القضية الأبرز على ساحات الأنباء العالمية، ويبدو أن هناك حربا باردة وسباقا يطل برأسه ليعيد التذكير بالسباقات النووية وحرب النجوم بين واشنطن وموسكو، التى صبغت عقد الثمانينيات من القرن العشرين، لكنها تأخذ سياقا معلوماتيا.
أعلنت الولايات المتحدة عن تعرضها لهجمات إلكترونية وقرصنة معلوماتية ضخمة تجرى منذ شهور، تم فيها الاختراق من خلال برنامج لإدارة الشبكات من إنتاج شركة سولار ويندز الأمريكية، واستهدفت الهجمات مؤسسات أمريكية حساسة، من بينها المكتب الذى يدير الأسلحة النووية، وأن المكتب الحكومى «التابع لوزارة الطاقة الأمريكية»، طمأن الجميع بعدم تعرض أمن الترسانة النووية الأمريكية للخطر، وأطلق الباحثون على عملية القرصنة الكبيرة اسم «الانفجار الشمسى»، وأكدوا أن الأمر قد يستغرق سنوات لفهم إحدى أكبر الهجمات الإلكترونية على الإطلاق.
إلى جانب وزارة الطاقة الأمريكية، تم استهداف وكالات حكومية أخرى، منها وزارات الخزانة والأمن الداخلى والخارجية والدفاع والتجارة، فيما وصفت بأنها عملية تجسس إلكترونى معقدة، وصفها مختصون بأنها «قد تكون أكثر خطورة من ناحية الوصول إلى المعلومات مما يبدو، وقد يستغرق إعادة الأمور إلى نصابها شهرا كاملا»، وقال الرئيس التنفيذى لشركة «فاير آى» للأمن السيبرانى: فى حين ظهرت علامات ضارة فى شبكات 1800 منظمة، عانت 50 منها من أضرار جسيمة.
وتوجهت أصابع الاتهام إلى روسيا من رؤساء لجان المخابرات فى مجلسى الشيوخ والنواب، واتهم وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، موسكو، بالوقوف وراء الهجمات الإلكترونية، وقال: «يمكننا أن نقول بوضوح تام إن الروس هم من شاركوا فى هذا النشاط»، واعتبر بومبيو أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يظل خطرا حقيقيا.
لكن الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته، دونالد ترامب، قلل من أهمية الهجمات الإلكترونية، وناقض رأى وزير الخارجية والمسؤولين المختصين بالإدارة، وقال ترامب فى تغريدة على تويتر: «إن الأمور أصبحت تحت السيطرة»، وأضاف: «روسيا المتهم الأول عندما تحدث أى مشكلة»، مشيرا، دون أى دليل، إلى أن الصين «ربما» تكون أيضا متورطة فى الأمر.
بينما غرد رئيس لجنة المخابرات فى مجلس الشيوخ، ماركو روبيو، قائلا: «من الواضح بشكل متزايد أن المخابرات الروسية نفذت أخطر اختراق إلكترونى فى تاريخنا».. الرد يجب أن يكون متناسبا لكن قوى.
وردد الديمقراطى آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات فى مجلس النواب، وجهة النظر ذاتها قائلا: «لا أعتقد أن هناك أى شك فى أنها روسيا»، وانتقد تعليقات الرئيس ترامب حول القضية قائلا: «لطالما كان الرئيس ترامب مترددا تجاه موسكو، عبر التقليل من شأن حوادث مماثلة، كما فعل مع مزاعم أن روسيا عرضت مكافآت على طالبان مقابل قتل قوات أمريكية، وهو تكرار من الديمقراطيين بغمز ترامب، حيث إن موسكو متهمة بالتدخل لصالحه، وهو اتهام لم يتم إثباته، لكن السيناتور ميت رومنى قال: إن هناك نقطة عمياء لدى ترامب فيما يتعلق بموسكو.
وتعهد الرئيس المنتخب جو بايدن بجعل الأمن السيبرانى «أولوية قصوى»، وقال: «نحتاج إلى تعطيل وردع خصومنا عن شن هجمات إلكترونية كبيرة، سنفعل ذلك، بفرض تكاليف باهظة على المسؤولين عن مثل هذه الهجمات الخبيثة، وبالتنسيق مع حلفائنا وشركائنا».
تصريحات بايدن تؤكد ما سبق وأعلنه الديمقراطيون، خلال الحملة الانتخابية، أن هناك اتجاها للتصعيد ومواجهة موسكو، بينما يصر الرئيس ترامب على مواجهة مع الصين تجاريا وأمنيا، معتبرا أنها الخصم الأكثر قوة والمهدد لمصالح الولايات المتحدة.
بالطبع، فإن موسكو متهمة من قبل قطاعات أمريكية كبيرة، وبالرغم من نفى السفارة الروسية لأى مسؤولية عن الهجمات الإلكترونية والقرصنة، وسبق أن سخر الرئيس الروسى من الاتهامات، بينما الصين أعلنت أن أمريكا دائما مشتبه فيها بشن هجمات إلكترونية، لكن تظل هذه النقاط علامة على ما يمكن أن يميز السباق القادم بين الولايات المتحدة، التى لم تعد القوة العظمى الوحيدة، وخصومها الصاعدين من سنوات، موسكو وبكين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة