تشهد العلاقات المصرية الأوروبية زخما شديدا خلال السنوات الماضية، انعكس هذا الزخم على أوجه الشراكة بين دول الاتحاد الأوروبى وحكوماتها والحكومة المصرية والتى تنوعت بين شراكات اقتصادية وعسكرية، إلى جانب الشراكة السياسية فى المواقف التى جمعت الدولة المصرية بشركائها الأوروبيون فى مواجهة استفزازات دول تسيطر عليها أوهام سلطوية ومطامع اقتصادية فى شرق المتوسط.
العديد من الشواهد تؤكد متانة العلاقات المصرية الأوروبية خلال السنوات الماضية، فمنذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم كان حريصا على تعزيز علاقة الدولة المصرية بدول العالم أجمع وألا يكون لدى مصر "قبلة" خارجية كما كان من قبل، فى إطار إعادة مصر إلى العلاقات المُتزنة بدول العالم، وفى إطار هذا التوجه شهدت السنوات الأخيرة تعزيزا غير مسبوقا في التعاون العسكرى بين مصر ودول أوروبا منها ألمانيا وفرنسا واليونان وإسبانيا وغيرها، ما بين مناورات مُشتركة وصفقات تسليح، هذا إلى جانب العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى والتى شهدت طفرات وقفزات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة.
وعلى الصعيد السياسى فقد كانت الدولة المصرية ودول الاتحاد الأوروبى على خط واحد فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية والإرهاب العابر للحدود والذى أصبح خطرا يُهدد العالم، وظهر ذلك جليا فى موقف الدولة المصرية ومساندتها لدولة اليونان لمواجهة أطماع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بثروات شرق المتوسط ومحاولاته المستمرة للتحرش بدولة اليونان بالبحر الأبيض.
وربما كان هذا التقارب والتعاون المستمر والمتنامى بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى مصدر إزعاج للعديد من الدول والقوى الإقليمية وعلى رأسها بالطبع دولة تركيا، ما دفع تلك الدول والقوى إلى بذل مزيد من الجهد للإضرار بتلك العلاقات التى تمثل تهديدا لمخططاتهم الاستعمارية بالمنطقة.
ولم تجد هذه الدول مدخلا لمحاولة ضرب العلاقات المصرية الأوروبية أفضل من البرلمان الأوروبى الذى لم يكن من الصعب اختراقه عبر مجموعة من النشطاء والمنظمات الحقوقية التى تحمل أجندات سياسية تتفق مع توجهات تلك الدول وتطلعاتها، وفى هذا الإطار كان البرلمان الأوروبى رأس الحربة فى هذه الحرب القذرة.
وفى الواقع نجحت محاولات اختراق البرلمان الأوروبى وتبنى مواقفا تستهدف إعاقة الدولة المصرية وإلحاق أكبر ضرر ممكن بالعلاقات المصرية الأوروبية، لكن لم تنجح تلك المحاولات فى زعزعة العلاقات الراسخة والثابتة بين الطرفين، فقرار البرلمان الأوروبى الأخير عن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر لم يكن الأول، وبالطبع لن يكون الأخير، إلا أنه على الرغم من ذلك لم تشهد العلاقات المصرية الأوروبية إلا مزيدا من التماسك على كل المستويات.
وربما يعكس ذلك مدى حكمة الشركاء الأوروبيون فى تقييم الأمور بشكل متوازن يُسهم فى الحفاظ على المصالح الأوروبية فى مصر والمنطقة بأسرها، فقيادات وحكومات دول أوروبا تدرك جيدا أهمية الشراكة الاستراتيجية مع دولة 30 يونيو ومدى أهمية الدولة المصرية كقوة إقليمية وضمانة وركيزة أساسية للسلام بالمنطقة التى تشهد العديد من الاضطرابات السياسية والأمنية والعسكرية إلى جانب التقلبات الاقتصادية التى يعيشها العالم بأسره.
وفى هذا السياق يقول النائب طارق الخولى، أمين سر لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب، إن كل ما يصدر عن البرلمان الأوروبى هو غير مُلزم لدول الاتحاد الأوروبى نفسها ولا يعبر عن رأى حكوماتها، إلى جانب أن بعض دول الاتحاد الأوروبى وحكوماتها تنتقد ما يصدر عن البرلمان الأوروبى وأنه يمثل فى بعض الأحيان صورة سلبية للعلاقات الأوروبية وشراكاتها ببعض الدول.
وأشار الخولى، فى تصريح لـ"اليوم السابع"، إلى أن ما صدر من البرلمان الأوروبى لن يؤثر على الشراكات والعلاقات المصرية الأوروبية، مضيفا: إلا أن هذا لا يمنع أنه يسبب امتعاض لدى الشعب المصرى تجاه الشركاء الأوروبيين، ويجب أن ينتبه الشركاء الأوروبيون لهذا الأمر لأنه يشكل ضرر لصورة الجانب الأوروبى لدى الداخل المصرى على المستوى الشعبى".
كما لفت الخولى إلى وجود العديد من الشواهد التى تؤكد متانة العلاقات المصرية الأوروبية على مدار السنوات السابقة رغم كل ما يصدر عن البرلمان الأوروبى في العديد من المواقف، قائلا: "ليست المرة الأولى التى يصدر فيها البرلمان الأوروبى مثل هذه البيانات منذ ثورة 30 يونيو، إلا أن ذلك صاحبه تعزيز غير مسبوق للعلاقات والشراكة المصرية الأوروبية، البرلمان الأوروبى يغرد خارج السرب ومنفصل عن واقع العلاقات المصرية الأوروبية والشراكات الاستراتيجية التى تتم".
وأكد أمين سر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب أن العلاقات الدولية فى الأساس لا تعرف إلا لغة المصالح ولا تحمل الحب والكره وتُبنى على أساس المصالح المتبادلة فقط، قائلا: "البعض يظن خطأً أن المصالح المصرية لدى دول الاتحاد الأوروبى أكبر من مصالح الأوروبيون لدى مصر"، موضحا أن هذا الاعتقاد خاطئ، وأضاف: "المصالح الأوروبية لدى مصر كبيرة جدا، ودائما ما تعول دول الاتحاد الأوروبى على مصر باعتبارها القوة الإقليمية الأكبر بالمنطقة وضمانة لاستقرار وأمن المنطقة".
وتابع: "أوروبا نفسها تنعم بالسلام والأمان فى ظل الجهود الأمنية والعسكرية للدولة المصرية، وما تم فى ملف الهجرة غير الشرعية على سبيل المثال ومكافحة الإرهاب كان له انعكاس إيجابى على الأمن الأوروبى، وهذا بشهادة الأوروبيون أنفسهم".
واختتم قائلا: "فى ظل النشاط المتنامى على المستويين الاقتصادى والعسكرى غير المسبوق، وحالة الزخم التى تشهدها العلاقات المصرية الأوروبية، أعتقد أن كل ما صدر عن البرلمان الأوروبى لم ولن يؤثر على العلاقات بأى شكل"، وتابع: "لكن على الشركاء الأوروبيون الانتباه إلى أن ما يصدر عن البرلمان الأوروبى يثير حفيظة وامتعاض الجانب الشعبى داخل الدولة المصرية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة