- حكاية كاتب اسمه محمد جلال كشك من الناصرية للتطرف
- عبد الرحمن الأبنودى غضب لقولى إنه حذف مقدمة "سيد خميس"
- العقاد من أبرز الكتاب عن السينما فى مجلة الكواكب
يسمى شعبان يوسف مكتبته "المحراب" وهى كذلك بالفعل، هى ليست مكتبة واحدة، إنها مكتبات، ستنتقل عبر الزمن، ستطل عليك وجوه الكتاب من كل ركن، ستشم رائحة الورق القديم المصحوب بالمعرفة، ستصبح فى مواجهة "حالة ثقافية" قلما تتكرر مع الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف، إنه يملك تاريخا طويلا من الاهتمام بالشأن الثقافى والإبداع فيه، فإضافة إلى كونه شاعرا كبيرا وناقدا مهما، فالحديث معه ذو شجون، حافل بالمعلومات الموثقة، وكلما مد يدًا إلى رفوف مكتبته العامرة خرج بكنوز من المعرفة لذا تواصلنا مع "شعبان يوسف" وقمنا بزيارته فى مكتبته "محرابه" واطلعنا على جانب منها، وكان لنا معه هذا الحوار..
البداية من مدرسة الشهيد مصطفى حافظ
يقول شعبان يوسف: "كانت بدايتى مع الكتب منذ المرحلة الابتدائية فى مدرسة الشهيد مصطفى حافظ، والواقعة التى أتذكرها هى حصولى على رواية بعنوان (روبن هود) حصلت عليها من المدرسة، وكان المشرف على المكتبة أستاذا لمادة العلوم يدعى (حسنى العباسى)، وكان يشجعنى على القراءة، هذ القصة قرأتها تقريبا نحو 10 مرات، وهى قصة غير مبسطة، تشبه قصص أرسين لوبين وغيرها من الكتب العالمية".
وأضاف شعبان يوسف: عندما ذهبت إلى المرحلة الإعدادية، أعجبتنى قصة كان عنوانها "عمرون شاه" من تبسيط محمد فريد أبو حديد، هذه الكتب وغيرها فتحت لى الباب على عوالم أخرى جديدة.
وتابع: أما الصديق محمود نسيم فكان زميلى منذ الإعدادية، وكان والده يحب الشعر ويحب أحمد شوقى، وكان يعلمنا الشعر والعروض، والإيقاعات والتفاعيل، وفى ذلك الوقت كنت أحب الشاعر الكبير حافظ إبراهيم أكثر من أمير الشعراء أحمد شوقى فى ذلك الوقت، وذلك لأن تأثرى كان انفعالى أكثر منه فكري.
أول كتاب اقتنيته ديوان أحمد شوقى
وأضاف شعبان يوسف: فى هذه الفترة بدأت أتسرب إلى سوق الكتب، ومنها سوق الخميس، وكان هناك بعض الباعة فى الأحياء الشعبية، وعلى أسوار المدارس، وكانت الكتب رخيصة، يصل بعضها لقرش واحد، وأنا لا أحب استعارة الكتب، بل أحب اقتناء الكتب، وأول كتاب اقتنيته كان ديوان أحمد شوقى والأيام لطه حسين، كما أننى كنت أحب المجلات ومنها مجلة الكواكب ومجلة الثقافة.
جاهين وحجازى والأبنودى وعبد الصبور حذفوا مقدمات دواوينهم بعد الشهرة
يقول شعبان يوسف: أحب الطبعات المتعددة للكتاب، لأن الطبعات المتعددة للكتاب فيها ثمة اختلافات، فى الإهداءات والمقدمات، فمثلا صلاح عبد الصبور أصدر ديوانه الناس فى بلادى 1957 بمقدمة لـ بدر الديب، وعندما طبع الديوان بعد ذلك لم يعد صلاح عبد الصبور نشر مقدمة بدر الديب، كما الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى كان ديوانه مدينة بلا قلب 1959 صدر بمقدمة للناقد "رجاء النقاش" وفى الطبعة الثانية لم ينشر المقدمة.
وفسر شعبان يوسف قائلا: من وجهة نظرى أن ذلك حدث بسبب أن الشعراء رأوا أنفسهم قد كبروا ولا يحتاجون إلى هذه المقدمات، مع أن الكاتب الكبير صلاح عيسى، كان له رأى آخر مفاده "ربما كاتب المقدمة نفسه لا يريد إعادة نشرها".
يقول شعبان يوسف إنه بمقارنة أعمال صلاح جاهين فى طبعاتها الأولى مع أعماله الكاملة، سنجد أنه قد حذف جميع المقدمات، مثلا ديوان "كلمة سلام" ظهر فى طبعته الأولى بمقدمة لـ كمال عبد الحليم، لكنه حذف التقديم بعد ذلك، فربما لم يعجبه، وهذا الأمر حدث كثيرا جدا، والذين حافظوا على المقدمات أقلية منهم يوسف القعيد، الذى حافظ على مقدمة الدكتورة سهير القلماوى لرواية "عزبة المنيسى" كذلك مجيد طوبيا حافظ على مقدمة سهير القلماوى لإحدى رواياته.
عبد الرحمن الأبنودى غضب لقولى إنه حذف مقدمة "سيد خميس"
وقال شعبان يوسف إن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى قد غضب عندما تحدثت فى هذا الموضوع، وكان ضد قولى إن الأبنودى استعلى على مقدمة "سيد خميس" التى كتبها لديوان الأبنودى الأول "الأرض والعيال" 1964 مع أن هذه هى الحقيقة، وسيد خميس كان صاحب دار ابن عروس التى طبعت الديوان، وهو للعلم كان قد باع جزءًا من أرضه فى منطقة "أبو النمرس" وأنشأ دارا للنشر، صدر منها الأرض والعيال للأبنودى، وصياد وجنية لـ سيد حجاب، والرباعيات لـ صلاح جاهين، والأبنودى بالفعل شاعر كبير منذ بدايته، أما أول تقديم للأبنودى فقد قام به صلاح جاهين الذى قدم بالفعل عددا كبير من الشعراء فى هذه الفترة فى مجلة صباح الخير، حيث قدم صلاح جاهين كلا من الأبنودى وسيد حجاب وفؤاد قاعود وقدم شاعرا يدعى محمود عفيفى، قدمهم فى باب "شاعر يعجبنى" وقد تم تعيين فؤاد قاعود "شاعرا" فى المجلة بسبب هذا التقديم.
سور الأزبكية منجم كتب وصانع المثقفين
وتابع شعبان يوسف: بعد ذلك بدأت أتعرف على سور الأزبكية، وهو أكبر منجم للكتب، وكان السور بالفعل سورا به نحو 69 مكتبه، كانت المكتبة صغيرة لكن التاجر يملك فرشة أمام مكتبته، وتشاء الظروف أن أعمل فى سور الأزبكية فيما بعد، فى سنة 1980 وكنت فى الخامسة والعشرين من عمرى، عملت فى مكتبة الثقافة الجديدة، وقد كان لها مكتبة فى سور الأزبكية تبيع الكتب الجديدة، وكان بها كتب ومجلات، عملت لمدة سنة، وسور الأزبكية، تربى عليه معظم شعراء مصر وكتابها، ومنهم جمال الغيطانى الذى كانت له حكايات فى هذه الأمر، وكان هناك منجم آخر من الكتب القديمة فى السيدة زينب.
أحب أصول الكتب لأنها فى منتهى الخطورة
وقال شعبان يوسف: أحب أن أحصل على أصول الكتب لأننى أجد فيها أشياء فى منتهى الخطورة، من ذلك أننى شعرت أن فؤاد قاعود "اتسرق" من كتاب عامية كثيرين.
وأشار الشاعر والناقد شعبان يوسف إلى العديد من الكنوز المخفية فى مكتبته ومنها كتاب "شهر فى روسيا" لـ أحمد بهاء الدين، والذى تدخل فيه "الرقيب" لدرجة أن الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين قدم الإهداء إلى الرقيب، وقال شعبان يوسف: بحثت عن أصول الكتابات الواردة فيه، فوجدتها منشورة فى روز اليوسف، وبالتالى تعرفت على المحذوف من الكتاب.
روايات فتحى غانم تعرضت لـ مذبحة باسم الرقيب
وتابع شعبان يوسف: لقد حدثت مذبحة لكتب فتحى غانم فى روايتيه (الرجل الذى فقد ظله، وتلك الأيام)، فقد كان فتحى غانم ينشر رواية "الرجل الذى فقد ظله" مسلسلة فى "مجلة صباح الخير" والرواية عبارة عن أربع شخصيات هى (سامية، ومبروكة، ومحمد ناجى، ومحمد عبد الحميد السويفى)، وقد تعامل الجميع على أساس أن محمد ناجى هو محمد التابعى، ومحمد عبد الحميد السويفى هو "محمد حسنين هيكل".
عندما نشرت الرواية حذف منها 250 صفحة، ولم يتحدث أحد، حتى فتحى غانم نفسه، وفى أحد كتب غالى شكرى قال له إنه يعتبر أن الحذف كان لصالح الرواية، بعد ذلك تمرد فتحى غانم، عندما جاء السادات، فطبعت الرواية كاملة، كذلك فإن رواية "تلك الأيام" عندما كانت تنشر مسلسلة وبعد ذلك عندما صدرت فى كتاب حذف منها 137 صفحة، وقال فتحى غانم فى كتابه "معركة المثقفين" إن ذلك أخل ببناء الرواية.
وتحدث شعبان يوسف عن صلاح جاهين وبداياته مع مؤسسة روز اليوسف عندما كان شابا صغيرا فى الخامسة والعشرين من عمره، وابتدأ الرسم معهم، وعرض لأول رسمة لصلاح جاهين فى صباح الخير.
وأشار شعبان يوسف إلى اقتناء الكتب علمه اختلاف المصائر، فقال: لدينا كاتب اسمه محمد جلال كشك، كان يساريا، ثم أصبح ناصريا، ثم أصبح قوميا، ثم تحول إلى متطرف، كانت حياته درامية وتوفى عام 1993، فى مناظرة مع الدكتور نصر حامد أبو زيد فى التليفزيون، على الهواء، كان له كتاب صدر فى عام 1950 بعنوان "مصريون لا طوائف" هذا الكتاب متناقض مع كل كتبه بعد ذلك، ومن كتبه "روسى وأمريكى فى اليمن" كان يمجد فيه الناصرية ثم انقلب على كل ذلك.
وتوقف شعبان يوسف مع عبد الرحمن الخميسى وأكد أن الوضع معه كان مختلفا، فهو أول من دعا يوسف إدريس، لكن عندما لمع يوسف إدريس كتب مقدمة لأحد كتب "عبد الرحمن الخميسى".
وأشار شعبان يوسف إلى كتاب محمد نجيب "كلمتى للتاريخ" مؤكدا أنه كتبه أثناء تحديد إقامته فى المرج، كتبه باللغة الإنجليزية، وكان فى ذلك الوقت قد وقع خلاف بين جمال عبد الناصر ونورى السعيد فى العراق بسبب حلف بغداد الذى كان يعمل ضد مصر.
نبيه سرحان شاعر مصرى يستقبل السادات فى إسرائيل
يقول شعبان يوسف، إن "نبيه سرحان" شاعر مصرى قدمه الشاعر الكبير والفنان متعدد المواهب "صلاح جاهين" لكن حدثت بعض الملابسات، فقد تم منعه من السفر، لكنه سافر إلى ليبيا، وفى ليبيا هاجم عبد الناصر، فغادر من ليبيا إلى اليونان، وفى اليونان التقى بالسفير الإسرائيلى، ومنها إلى إسرائيل 1968.
ويضيف شعبان وسف، فى إسرائيل أسس "نبيه سرحان" برنامجا إذاعيا هناك، كان هذا البرنامج مهما لإسرائيل وكان عنوانه "ابن الريف"، وكان "سرحان" ممن استقبلوا السادات عندما ذهب إلى القدس فى نهاية السبعينات، وهو والد لمطربة إسرائيلية تدعى "حياة".
واختتم شعبان يوسف كلامه عن "نبيه سرحان" بأنه كان شاعرا جيدا، لكن لا يذكره أحد ولا يتحدث عنه أحد.
واستعرض الكاتب الكبير شعبان يوسف عددا من الكتب النادرة منها، مجلة البلاغ واطلعنا على عدد يعود إلى عام 1926 وكان يكتب فيه العقاد، ومجلة قصص، بأغلفتها الجميلة، وقد أكد "شعبان يوسف" أنه يعيد نشر الأغلفة على صفحات السوشيال ميديا كى يستعيد مصر، ففن الأغلفة تراجع فى المرحلة الأخيرة.
مذكرات وندسور بين أنيس منصور وعبد الرحمن فهمى
وأشار إلى كتاب "مذكرات وندسور" وهو أول كتاب صدر فى سلسلة كتاب اليوم، هذا الكتاب ترجمه أنيس منصور فى عام 1951، فقد كانت أخبار اليوم تبدأ وكانت لديهم مجلات آخر ساعة وآخر لحظة، وهذا الكتاب نشره أنيس منصور مسلسلا فى آخر ساعة، كان ينشره دون اسم، لأنه كان لا يزال صغيرا فى ذلك الوقت، لكنه كان مميزا.
و"ندسور" كان ملك بريطانيا لكنه قدم استقالته من السلطة، وكتب مذكراته، التى أثارت جدلا كبيرا، فقررت أخبار اليوم أن تشترى حقوق النشر، وأصدرته فى ذلك الوقت، هذا الكتاب نفسه صدر فى سنة 1984 يحمل اسم عبد الرحمن فهمى بلا أى إشارة إلى أنه صدر من قبل، كان فى المرة الثانية يحمل عنوان " عاشق القرن العشرين".
عباس محمود العقاد كتب مقالات رائعة عن السينما
وقال شعبان يوسف: أحب أن أقتنى المجلات الفنية، منها الكواكب، ومن ذلك نعرف أن المجلة كان إصدارها الأول عام 1932 ثم توقفت وصدر منها اصدار جديد 1949، وقد كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد يكتب فيها سلسلة عن السينما كما قدمت المجلة متابعة متميزة فى رحيل نجيب الريحانى فى سنة 1949، كتب فيها العقاد ومحمد عبد الوهاب.
وعرض شعبان يوسف لنا نسخة من مسرحية بعد أن يموت الملك لـ صلاح عبد الصبور، وقال شعبان يوسف أن هذه هى نسخة الرقابة، مؤكدا أن الرقابة فى هذه الفترة لم تكن تقدم تقريرا، بل كانت تكتبه فى نهاية النسخة. مضيفا: لدى عدد من السيناريوهات، وأصبحت، مؤخرا، أعرف كيف أقول "لا" لأن هناك عدد من الكتب المهمة ضاعت، وبالطبع لا ينفع أن "تسلف" كتب من هذا النوع.
وقدم لنا شعبان يوسف كتابا مجهولا لـ حسن الساعاتى، وكتابا للناقد محيى الدين محمد، الذى كان مراسلا لمجلة الآداب منذ الخمسينيات، وكتابا مجهولا لـ محمد فريد حديد الذى كتب ردا على قاسم أمين كما كتب ردا على خالد محمد خالد، وتحدث عن عدد من الكتاب الذين يكاد يكون الكلام عندهم قد اندثر مثل صوفى عبد الله، والصحفى العجوز توفيق حبيب، والذى رجح "شعبان يوسف" أنه قد يكون مات منتحرا، وشاهدنا طبعات أولى لرائعة عبد الرحمن الشرقاوى "الحسين ثائرا"، كما اطلعنا على مسرحية لـ موسيلينى، ترجمة محمد فريد أبو حديد.
وشاهدنا الطبعات الأولى لرواية الباب المفتوح لـ لطيفة الزيات وهى مهداة إلى رشاد رشدى، الذى كان زوجها، وفى الطبعة الثانية حذفت الإهداء، وهو أيضا فى مسرحيته "لعبة الزواج" أهداها الطبعة الأولى ثم حذفها بعد ذلك.