كانت الساعة العاشرة والربع صباح 9 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1953، حين بدأت «محكمة الثورة» جلستها الأولى لمحاكمة فؤاد سراج الدين باشا سكرتير عام حزب الوفد، والوزير فى حكومات الوفد قبل ثورة 23 يوليو 1952.. استمرت الجلسة حتى الساعة الحادية عشرة والثلث صباحا برئاسة قائد الجناح عبداللطيف بغدادى، وعضوية البكباشى أنور السادات، وقائد الأسراب حسن إبراهيم، ومثل الادعاء البكباشى سامى جادالحق، وعبدالرحمن صالح وكيل النائب العام، حسبما يذكر صلاح عيسى فى كتابه «محاكمة فؤاد سراج الدين»، مضيفا: «ألقى رئيس المحكمة الادعاءات المقامة على المتهم وكانت تسع، وأعلن المتهم أنه غير مذنب فيها».
يرصد «عيسى»، فى مقدمته للكتاب، مقدمات الصدام بين قادة الثورة، وحزب الوفد بشعبيته الكبيرة بزعامة مصطفى النحاس، ويشير إلى تعرجات الخط السياسى بحكاياته ومناوراته واتهاماته المتبادلة بين الطرفين، ويرى: «كانت محكمة الثورة بإجماع كل المؤرخين محاولة للتصفية السياسية لبقية أجنحة البرجوازية القديمة، ولأن الوفد كان أخطر هذه الأحزاب فقد ناله نصيب الأسد من القضايا».. وعن خصوصية سراج الدين يرى: «من الإنصاف للتاريخ ولفؤاد سراج الدين أن نقول إنه كان آخر محاولة لكى تضىء شرائح البرجوازية القديمة، وكان لا بد له أن يطرد خارج الحلبة لكى يتقدم عسكر البرجوازية فيضيئوا شعلتها».
فى وقائع ما جرى فى المحكمة يذكر عيسى، أن الادعاءات التى ألقاها رئيس المحكمة هى: أتى «سراج الدين» أفعالا تعتبر خيانة لأمانة الحكم مكنت للفساد فى البلاد، وذلك أنه من يناير 1950 إلى يناير 1952 بوصفه سكرتيرا عاما للحزب السياسى صاحب الأغلبية البرلمانية ووزيرا فى حكومته «الوفد»، وبحكم صلته الوثيقة برئيس ذلك الحزب «مصطفى النحاس»، تواطأ مع آخرين وبسوء قصد على توجيه سياسة ذلك الحزب وحكومته توجيها غير كريم، فجنح بها فى أوسع نطاق إلى أهداف فاسدة أساسها الخنوع والاستسلام للملك السابق، فتآمروا معه على تنفيذ أغراض ملتوية، وتحقيق مصالح ذاتية لا تمت للصالح العام بسبب، وطرح المثل الوطنية العليا، وبذلك خان الأمانة التى حملها الشعب لذلك الحزب بتزكيته فى الانتخابات العامة، والتى مكنته من التربع على كرسى الحكم، وأهدر النظم الدستورية الصحيحة، الأمر الذى مكن لطغيان الملك السابق «فاروق» وحاشيته وذويه فى كل المرافق، وهيأ تربة صالحة للاستعمار، وأثر فى كيان الدولة اقتصاديا وسياسيا وأدبيا».
أضاف الادعاء: «أتى أفعالا هى استغلال للنفوذ وإفساد لأداة الحكم دون مراعاة لصالح الوطن، وذلك أنه من يناير 1950 إلى يناير 1952 بوصفه وزيرا للداخلية ووزيرا للمالية ووثيق الصلة برئيس الحكومة .. أولا: اشترك مع السيدة زينب عبدالواحد الوكيل زوجة رئيس مجلس الوزراء «مصطفى النحاس»، آنذاك، وشقيقها عزيز عبدالواحد الوكيل، فى استغلال النفوذ، بإجراء تصرفات وأفعال من شأنها التأثير بالزيادة فى أثمان القطن الأشمونى، بقصد الحصول من الشركات والبيوتات التجارية والأفراد على فائدة من وراء هذه الزيادة، فساندوا محمد أحمد فرغلى وعلى أمين يحيى وفرنسوا نصرى «تاجر»، وغيرهم من تجار الأقطان فى العمل على احتكار القطن الأشمونى، ورفع أسعاره رفعا مصطنعا ينتهى بالبائعين عند حلول أجل تنفيذ العقود إلى العجز عند تسليم الأقطان ويخول للمحتكرين قبض فروق الأسعار الضخمة.
ثانيا: تزعم فى جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 31 مايو 1950 الدفاع عن الطلبات التى تقدم بها المحتكرون تنفيذا لغرضهم، وهى إلغاء الحد الأعلى لسعر القطن الأشمونى، وتعديل لائحة البورصة مع تسليم الأقطان المعاد كبسها كبسا ثانيا وتغيير هيئة الخبراء بجعلهم جميعا حكوميين، ونتج عن موقف المتهم ومن تأثير شركائه ومن تدخل الملك السابق إلى جانبهم أن وافق مجلس الوزراء فى 10 يونيو 1950 على إجابة كل طلبات المحتكرين بقرار ذى أثر رجعى.
ثالثا: قبل من «إلياس أندراوس» تدخلا فى عمله يضر بالمصلحة العامة، ذلك أن هذا الأخير بوصفه مستشارا اقتصاديا للملك السابق، وثيق الصلة به، حمل المتهم على إصدار قرار فى 21 مارس 1951 بتحديد حد أدنى لسعر القطن، ثم على إصدار قرار آخر فى 9 إبريل 1951 بتدخل الحكومة مشترية له، تحقيقا لمصلحته ولمصلحة التجار المضاربين الذين كانت الأقطان وصلت إلى أيديهم، وأذعن المتهم لهذا التدخل المعيب الذى ترتب عليه أن تحملت الخزانة العامة خسائر تقدر بمبلغ 15 مليون جنيه عند تدخل الحكومة فى سنة 1950 - 1951، و7 ملايين و100 ألف جنيه عند تدخل 1951 - 1952.
وتوالت الادعاءات
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة