عقد طلاب جامعة فؤاد الأول «جامعة القاهرة فيما بعد» اجتماعا فى فناء الجامعة يوم 10 فبراير، مثل هذا اليوم عام 1946، وقرروا عدم عودتهم إلى الدراسة حتى تستقيل حكومة النقراشى باشا.
انعقد الاجتماع فى اليوم التالى للانتفاضة الطلابية الحاشدة والتى أصيب فيها 84 طالبا فى المذبحة المعروفة تاريخيا باسم «مذبحة كوبرى عباس»، واندلعت بسبب ضعف الحكومة المصرية فى مطلبها للحكومة البريطانية بتعديل معاهدة 1936، حسبما يذكر الدكتور عاصم محروس عبد المطلب فى كتابه «الطلبة والحركة الوطنية فى مصر – 1922 -1952» مؤكدا: «استطاع الطلبة أن يستولوا على عدد من السيارات الكبيرة، التى مرت أمام الجامعة،ونقلوا ما فيها مما يساعدهم على دفع البوليس إذا هاجمهم، وفى العاشرة وصلت قوات الشرطة وفى مقدمتها مدير الجيزة وحكمدار البوليس وكبار الضباط، كما وصلت 15 سيارة محملة بقوات من الجيش للمساعدة فى حصار الجامعة، واستطاع الطلبة فى تصادمهم مع الشرطة الاستيلاء على بعض سيارات الجيش، وأدخلوها الحرم الجامعى وهى خالية من الجنود، وانفرد البوليس بأحد طلبة كلية التجارة، كان متجها لمنزله وضربوه ضربا مبرحا ثم حملوه على سيارة،ولكن الطلبة لحقت بهم وشوهد الطالب وهو يقع من السيارة، فحمله الطلبة إلى الجامعة وتوفى بين أيدى رجال الإسعاف، وهو الطالب السودانى محمد على محمد، فكان استشهاده رمزا للكفاح المشترك بين شعب مصر والسودان».
يؤكد «عبدالمطلب» أن الغضب لم يقتصر على طلبة جامعة «فؤاد الأول» وفقط، وإنما امتد إلى باقى محافظات مصر.. فى الإسكندرية اجتمع طلابها بالجامعة، وقرروا الامتناع عن الدراسة احتجاجا على تعامل الحكومة مع المظاهرات، لكنهم تحاشوا الصدام مع البوليس الذى أفرج عن عشرة من المقبوض عليهم فى مظاهرات الأمس (9 فبراير)، كما قبض على الطالب إسماعيل الحلو بتهمة توزيع المنشورات التى تدعو إلى المطالبة بالجلاء ووحدة وادى النيل، وأفرج عنه بكفالة 50 جنيها، كما اعتقل البوليس 45 طالبا من المتظاهرين بميدان محطة كوم الدكة.
يرصد فاروق القاضى فى كتابه «فرسان الأمل– تأمل فى الحركة الطلابية المصرية» وقائع هذه المظاهرات من خلال مشاركته فيها، قائلا: «تقرر ابتعاد القيادة الطلابية إلى مكان قريب من معاهدهم، وأن تتناثر عناصر طلابية على النواصى المؤدية إلى مدارسهم لتوجههم إلى الشوارع الرئيسية المزدحمة بالجماهير، حيث يسهل تحريك الشارع الساخط على مذبحة الأمس، لذا لم تكن هنالك صعوبة فى أن يتفجر اليوم التالى عن انتفاضة معادية لحكومة النقراشى، شعاراتها: «يسقط النقراشى السفاح» و«الطلاب وقود الثورة».
يضيف القاضى: «لم يقتصر هذا التحرك على القاهرة، بل امتدت المعارك فى الإسكندرية إلى اليوم الثانى، وشملت عواصم المديريات خاصة المنصورة، أسيوط، الزقازيق، بل إن الجماهير فى الأقاليم رفعت الطلبة على الأكتاف بوصفهم «أبطال الثورة» و«جند النضال».
بلغ تحدى الطلاب للملك فاروق مبلغه فى انتفاضتهم وكان يوم 11 فبراير نموذجا لهذا التحدى، وبدأت قصته من يوم 10 فبراير بإصدار الطلبة منشورا دعوا فيه إلى مقاطعة احتفال وضع حجر أساس مدينة فاروق الجامعية لسكن الطلبة الغرباء، وكان هناك إعلان سابق عن هذا الأمر قيل فيه: «إن جلالة الملك سيختص أبناءه الطلبة بشرف عظيم بأن يضع بيده الكريمة حجر الأساس، وازدانت البلاد بالأعلام والزينات، وغطت صور فاروق الجدران والساحات، فحوصرت الجامعة، وسمح فقط لطلبة محددين بحضور المناسبة، لكن بعض المجموعات تسللت للجامعة من عزبة خلفها، وبقيت فيها حتى الصباح الذى اشتبك فيه الأمن مع تجمع طلاب من جهة «كوردون الجيزة» وتجمع من جهة «كوردون الأورمان» وردد الطلاب هتافات: «أين الغذاء وأين الكساء يا ملك النساء» و«لا احتفالات والجامعة جريحة» و«إرادة الشعب فوق كل إرادة»، وعندما خيل لقوات الأمن أنها مسيطرة على الوضع، إذا بهجوم نحو الجامعة يحدث من اتجاهين من داخلها، قام به الذين تسللوا ليلا إليها، وخرجوا للحرم والشارع يرددون نفس الشعارات، ومن جهة تمثال نهضة مصر باتجاه الحرم الجامعى.
يتذكر فاروق القاضى: «كان على الشرطة أن تخوض معركة فى شارع الجامعة، الذى لابد أن يمر منه الموكب الملكى، استغرقت ساعات الصبح، وجاء الملك متأخرا عن موعده، ولم يحضر الحفل من الطلبة إلا من وثق رجال الأمن بهم، وتم الحفل سريعا فى أضيق حدوده وانصرف الحاضرون كل إلى منزله والجو ينذر بالخطر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة