بدا التخبط والغموض يسيطر بشكل كبير على مشهد الانتخابات التشريعية فى إيران مع اقتراب موعدها المقرر فى 21 فبراير الجارى، وسط أحداث وتطورات سياسية شهدها طهران فى الأونة الأخيرة، وتدريجيا تشتعل الساحة بالمعارك الانتخابية بين التيارات السياسية، وما يزيد من اشتعالها فى هذه الدورة الانتخابية الـ 11 من البرلمان الإيرانى، هو الهوة الساحقة بين مرشحى التيارين المتنافسين المحافظ والإصلاحى، والتى يتسم بها هذا الاستحقاق، وتنبئ بانتخابات تفرز تركيبة برلمان مختلفة تماما خلال السنوات الأربعة المقبلة.
وحدة الصف مأزق المعسكر المحافظ
يستحوذ المعسكر المحافظ على نصيب الأسد من المرشحين الذين صادق عليهم مجلس صيانة الدستور المحسوب على التيار المحافظ، بفارق كبير جدا إذا ما قورن بمرشحي التيار الإصلاحى، ورغم ذلك يجد هذا المعسكر صعوبة بالغة فى انضواء أجنحته تحت لواء ائتلاف واحد، إذ تحتدم الصراعات الداخلية بين أحزابه، وقبل نحو 10 أيام على موعد الاقتراع، تعرقل المعارك المشتعلة فى داخل المعسكر الإصولى، مساعى التوصل لقائمة انتخابية واحدة يترأسها محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران الأسبق وجنرال الحرس الثورى السابق، والمرشح بشكل كبير لترؤس البرلمان فى تركيبته الجديدة.
وتبرز الخلافات داخل الجبهة الأصولية وأجنحتها، وكلما تقترب الانتخابات يواجه هذا التيار مشكلات لافتة تتمثل فى انشقاقات أحزابه وعزوفها عن الانخراط فى ائتلاف واحد، على سبيل المثال، تأبى "جبهه پایداری" (جبهة الصمود) الانضواء تحت مظلة ائتلاف واحد للتيار الأصولى، ويصر على التنافس الداخلى للأحزاب الأصولية، وقدمت قائمة انتخابية خاصة بها مكونة من 60 مرشح، ليس ذلك فحسب بل وستنافس بها قائمة الأصوليين التى يتصدرها قاليباف، على مقعد البرلمان وفقا لصحيفة آرمان ملى الإصلاحية.
الصمود ليست وحدها التي تشكل مأزق وحدة الصف في الجبهة الأصولية، فقد دعت "جبهة التقدم والرفاه والعدل" المحافظة أيضا لعدم الانخراط فى ائتلاف هذا التيار ونشر قائمة انتخابية مستقلة لمرشحيها، وفى السياق نفسه، أشار أمين عام حزب "سبز" (الحزب الأخضر) الإيرانى المحافظ حسين كنعانى مقدم إلى احتمالية عدم توصل ائتلاف المعسکر الاصولى إلى قائمة انتخابية موحدة وعندها سيخوض هذا الحزب المعترك الانتخابى بقائمة مستقلة.ولم تقف الانشقاقات عند هذا الحد، فبعض أعضاء حزب مؤتلفة الإسلامى المحافظ لوحوا ضمنيا بأن الحزب سيتخذ قرار آخر فى حال لم تكتمل قائمة ائتلاف الجبهة الأصولية، أى من الممكن أن ينفصل هذا الحزب ويخوض الانتخابات بقائمة انتخابية لمرشحيه.
الإصلاحيين يعانون التخبط
فى المقابل لاتزال معالم مشاركة المعسكر الإصلاحى غير واضحة، مع استبعاد صيانة الدستور أغلب المرشحين والوجوه البارزة فى هذا التيار، وقد تكون مشاركة باهتة بعد أن أعلن المجلس الأعلى لوضع سياسات الجبهة الإصلاحية امتناعه عن تقديم قوائم انتخابية بسبب استبعاد الإصلاحيين، قائلا لا إمكانية للتنافس العادل"، لكنه فى الوقت نفسه دعى الإيرانيين للمشاركة الفعالة فى الانتخابات، لرفع التهديدات وحماية مصالح وأمن البلاد، لكنه يبدو أنه لا يرغب في الاقصاء بشكل تام من المشهد السياسي حيث أنه لايزال يطمع في المشاركة فى الانتخابات الرئاسة 2021.
كان أعرب المجلس فى بيانه الأول فى يناير الماضى، عن امتعاضه لاستبعاد مجلس صيانة الدستور أغلب مرشحى هذا التيار فى الانتخابات البرلمانية، وذكر فى بيان له "سلبوا التنافسية والمشاركة الحقيقية فى الانتخابات وأضاف أن"160 مقعدا فى البرلمان من اصل 290 باتت محسومة سلفا لصالح التيار الاصولي في ظل استبعاد معظم مرشحينا، وحتى التنافسية فى الانتخابات لن تتحقق بين الأصوليين، وفى أفضل حالاتها هناك 70 مقعد فقط يجرى عليهم تنافسا باهت بين التيار الاصولى".
وفيما يتعلق بسيناريوهات المشاركة، أعلن رئيس مجلس بلدية طهران، محسن هاشمي أن "المجلس الأعلى للتيار الاصلاحى قرر عدم تقديم قائمة انتخابية واحدة، على أن تقدم الأحزاب قوائمها بشكل منفرد"، وكشف أن حزب کارگزاران (حزب كوادر البناء( الإصلاحى، فشل خلال اجتماعه الأخير في تقديم قائمة تضم 30 مرشح مع قلة عدد المرشحين، ووفقا لهذا السيناريو یعارض کلا من حزب اتحاد شعب إيران الاسلامى وحزب الثقة الوطنية تقديم قائمة انتخابية في حين يوافق حزب نداء الإيرانيين وكوادر البناء على تقديم قائمة.
تركيبة برلمان مختلفة
وحتى الآن وافق مجلس صيانة الدستور، على ترشيح نحو 9 آلاف من بين 14 ألفا تقدموا بطلبات ترشح للمنافسة على 209 مقعدا فى مجلس الشورى الإسلامى "البرلمان"، ووفقا للمعطيات وحصص مرشحى التيارين، فان امتناع الإصلاحيين من تقديم قوائم للتنافس على مقاعد العاصمة طهران البالغ ددها 30 مقعدا، ينبئ ببرلمان جديد بتركيبة تختلف تماما عن تركيبة الأربع سنوات الماضية، أي أن المعسكر الإصلاحي سيفقد الأغلبية فى هذه الدورة البرلمانية التى تمتد لـ 4 سنوات، ولاسيما مقاعد طهران التى حصلوا عليها فى الانتخابات البرلمانية السابقة فبراير 2016، وفاز آنذاك حلفاء الرئيس حسن روحاني وائتلاف المعتدلين والاصلاحيين بكل المقاعد المخصصة للعاصمة طهران في البرلمان.
فقدان التيار الاصلاحى مقاعد العاصمة أمر بات شبه مؤكدا مع استبعاد مرشحيهم وعدم تقديم قوائم انتخابية فى العاصمة، الأمر الذى يؤكد أيضا أن البرلمان الإيرانى المقبل لن يكون على وفاق مع الرئيس روحاني المحسوب على المعتدلين وقد يكون سيفا على رقبته في حال طرح "الكفاية السياسية الذى ينص عليه الدستور الإيرانى"، وكما أن فقدان هذا التيار للاغلبية داخل البرلمان، سيكون له دلالة كبرى وهى أن هذا التيار فقد القدرة على تحديد الاتجاه السياسى للبرلمان، وأن التيار الأصولى هو من سيمتلك بوصلة البرلمان السياسية لـ 4 سنوات المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة