تغريدات جديدة أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إطار تعليقه على نتائج الجولة التمهيدية للحزب الديمقراطى، اختلطت فيها التهنئة بالسخرية، وذلك بعدما حقق المرشح العجوز، بيرنى ساندرز، نجاحا جديدا في ولاية نيفادا، متفوقا على أبرز خصومه، وعلى رأسهم نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وبيت بوتجيج، والذى فجر مفاجأة كبيرة في بداية السباق بتصدره النتائج في ولاية أيوا، في انعكاس صريح لحالة من الارتياح لدى البيت الأبيض، لما تسفر عنه نتائج الديمقراطيين، قبل شهور قليلة من انطلاق انتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي يصفها قطاع كبير من المحللين بأنها ربما تكون الأشرس في تاريخ الولايات المتحدة، على خلفية الشد والجذب بين ترامب وخصومه، منذ اللحظة الأولى لاعتلائه سدة السلطة في واشنطن.
تهنئة ترامب لساندرز "المجنون"، على حد وصفه في تغريدته التي نشرها في أعقاب الإعلان عن نتائج الجولة التمهيدية في ولاية نيفادا، يمثل انعكاسا صريحا لإدراك الرئيس الأمريكي لتداعيات انتصار المرشح، الذى يصف نفسه بـ"الديمقراطى الاشتراكى"، سواء في داخل الحزب الديمقراطى، أو على المستوى الأعم، في إطار الانتخابات الأمريكية المرتقبة، وهو الأمر الذى يخدم مسارات استراتيجية البيت الأبيض، لإدارة المرحلة المقبلة التي تسبق انطلاق المعترك الرئاسي في نوفمبر المقبل، والتي تدور حول تعميق حالة الانقسام القائم داخل أروقة الحزب الديمقراطى من جانب، بالإضافة إلى توطيد شعبيته بين الأمريكيين، والذين يمثلون الكتلة الصلبة المؤيدة له، خاصة من اليهود الأمريكيين.
زلزال الديمقراطيين.. انتصار ساندرز يطيح بخصوم ترامب
انتصار ساندرز المحتمل في الجولة التمهيدية للحزب الديمقراطى الأمريكي، يعد بمثابة زلزال، من شأنه الإطاحة بمقاعد أبرز خصوم ترامب، من الساحة السياسية الأمريكية، برمتها، وعلى رأسهم رئيسة مجلس النواب الحالية نانسى بيلوسى، والتي تزعمت حملة لعزل الرئيس الأمريكي، على خلفية اتصاله الهاتفى مع نظيره الأوكرانى فلاديمير زيلنيسكى، والتي دارت حول أنشطة مشبوهة لنجل بايدن، حيث اتهمه الديمقراطيون آنذاك بمحاولة استدعاء التدخل الأجنبي في الصراع الانتخابى الداخلى، وهى الحملة التي فشلت في نهاية المطاف على صخرة الحزب الجمهورى، والذى يسيطر على أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ، وهو الجهة المخول لها اتخاذ القرار النهائي فيما يتعلق بعزل الرئيس.
تغريدة ترامب
النتائج المدوية التي يحققها ساندرز، إن استمرت، ستمثل صفعة قوية لبيلوسى، وبداية النهاية لها، ولكل القيادات القديمة، التي حملت موقفا مناوئا، يصل إلى حد العداء العلنى للرئيس ترامب منذ بداية حقبته، عبر تشويهه، من خلال ملاحقته بالاتهامات، والتي وصلت إلى حد الخيانة، على خلفية ما أثير حول التدخل الروسى في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي انتصر فيها ترامب على غريمته الديمقراطية آنذاك هيلارى كلينتون، وهو الانتصار الذى اعتبره قطاع كبير من المتابعين بمثابة صدمة قوية للديمقراطيين، في ظل التوقعات التي أعلنتها استطلاعات الرأي، والتي مالت كفتها بالكامل نحو كلينتون، على خلفية خبراتها السياسية، كوزيرة سابقة للخارجية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وسيدة أولى بالبيت الأبيض، في حقبة زوجها بيل كلينتون، بينما كان المرشح الجمهورى لا يعدو أكثر من وجه مغمور في عالم السياسة، رغم شهرته الذائعة في عالم المال والأعمال.
عزل بيلوسى.. صعود ساندرز تجسيد لواقع ديمقراطى ممزق
وهنا يمكننا القول بأن تهنئة ترامب لساندرز، وإن حملت قدرا من السخرية، عبر الإصرار على وصفه بـ"المجنون"، تحمل في طياتها ما هو أبعد من مجرد البحث عن مرشح ضعيف، يمكنه الانتصار عليه، في الجولة النهائية من الانتخابات، وإنما تمتد إلى رغبة كامنة لدى الرئيس الأمريكي في الانتقام من خصومه، الذين سعوا إلى عزله، عبر عزلهم من الحياة السياسية برمتها، خاصة وأن صعود المرشح العجوز يمثل تجسيدا لواقع ديمقراطى "ممزق"، يعكس صراعا بين أجيال شابة، ترى القيادات التقليدية عبئا عليهم، في الوقت الذى يسعى فيه "عواجيز" الحزب نحو الاحتفاظ بمقاعدهم دون أي رغبة في التجديد، وهو الأمر الذى سيتغير حتما حال انتصار ساندرز، والذى سيسعى إلى قيادة ما يمكننا تسميته بـ"ثورة التصحيح" داخل الحزب.
ترامب يرفض مصافحة بيلوسى
حالة الصراع تجلت في أبهى صورها، مع تواتر الحديث عن انتصارات ساندرز، وتراجع بايدن، المدعوم من القيادات التقليدية، وكذلك توارى البديل الشاب الذى قدموه، وهو بيت بوتجيج، رغم بداياته القوية في أيوا، خاصة مع الحديث عن تدخل روسى لدعم المرشح العجوز، ذو التوجهات الاشتراكية، في محاولة لتشويهه، بنفس الطريقة التي سبق وأن اتبعوها في مواجهة ترامب، وهو الأمر الذى من شأنه تقويض مصداقيتهم سواء أمام أعضاء الحزب، مما ينذر بمزيد من الانشقاقات، بعد شهور من انشقاق النائب الديمقراطى جيف فان دورو، عن الديمقراطيين، وإعلانه الانضمام للحزب الجمهورى، وهو الأمر الذى احتفى به الرئيس ترامب، حيث استقبل عضو مجلس النواب المنشق في البيت الأبيض، واعدا بترشيحه على قوائم الحزب في الانتخابات المقبلة للكونجرس، أو أمام المواطن الأمريكي، قبل انطلاق المعترك الرئاسي المرتقب.
انتقام السلاطين.. ساندرز "هدفا سهلا" في انتخابات الرئاسة
هدف ترامب لا يقتصر على مجرد الفوز بانتخابات الرئاسة، وإنما يمتد إلى الإطاحة بخصومه، وذلك عبر إثارة المزيد من الانقسامات داخل أروقة الحزب الديمقراطى في المرحلة المقبلة، في ظل الدعم الكبير الذى يحظى به ساندرز بين قطاع كبير من الديمقراطيين، باعتباره شخصية قادرة على تجديد الخطاب الحزبى في المرحلة المقبلة، في الوقت الذى يبقى فيه المرشح العجوز هدفا "سهلا" في الجولة النهائية من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في ظل ظروفه الصحية المتدهورة، بالإضافة إلى تضاؤل شعبيته بين قطاع كبير من الأمريكيين بسبب مواقفه السياسية من العديد من القضايا، والتي لا تلقى قبولا داخل المجتمع الأمريكي، خاصة بين اليهود الأمريكيين، والذين يشكلون أحد أهم القوى الصلبة داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى كونهم قوة ضغط سياسية لا يمكن الاستهانة بها.
ساندرز يقود ثورة التصحيح داخل الحزب الديمقراطى
انتقام ترامب من بيلوسى وحاشيتها، يمثل تجسيدا لما يمكننا تسميته بـ"انتقام السلاطين"، حيث يقوم على تعميق الفجوة في الداخل بحيث يمكن للقيادات القضاء على بعضهم، ليصبح الرئيس الأمريكي هو المنتصر الوحيد في النهاية، سواء في معركته الرئاسية، أو معاركة المقبلة، حال فوزه بفترة ولاية جديدة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة