إنجازات لا تمحوها الإخفاقات، وسقطات لا تطمس ملامحها ما تحقق من تقدم وما تم إحرازه من انتصارات، بهذه العبارة يمكن إيجاز تاريخ الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى ترك خلفه إرثا لا ينقطع من الجدل، فما بين مبارك العسكرى الذى شارك فى تحرير الأرض فى معركة الكرامة، ومبارك السياسى الذى أخطأ حيناً وأصاب حيناً تقاطعت محطات الفخر مع لحظات السقوط، وتشابكت الأحداث والمواقف لتشكل تجربة صارت منذ أن لفظ أنفاسه الأخيرة ظهر الثلاثاء، رهناً لحكم التاريخ.
وإذا ما استهل مبارك حكمه بإنجازات فى مقدمتها استعادة مقر الجامعة العربية إلى القاهرة، ومن بينها دوره الرائد فى تثبيت أركان السلام الشائك مع إسرائيل والسعى الدؤوب لتقريب وجهات النظر بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية، إلا أن من بين الملفات التى لم يحالفه فيها الحظ، ملف العلاقات مع القارة السمراء، ليرحل عن السلطة تاركاً الدولة المصرية بعلاقات فاترة مع الدول الأفريقية، ليأتى حكم جماعة الإخوان الإرهابية ليطلق رصاصة الرحمة على تلك العلاقات، فى عام حالك فى تاريخ الشعب المصرى.
رصاصة طائشة تذرع بذرة الجفاء
وفى بداية عهده، استكمل الرئيس الراحل حسنى مبارك سياسات الراحل جمال عبد الناصر إيماناً بأهمية العلاقات مع كافة دول الجوار فى القلب منه شركاء القارة السمراء، وهو ما تمثل واضحاً فى تحركات الرئيس مبارك التى توصف بـالواعية والذكية والهادئة لاستعادة الود فى علاقات القاهرة مع دول حوض النيل من ناحية.
وبدأ الرئيس الأسبق عهده بمحاولة تعويض المقاطعة العربية بتعزيز الروابط مع القارة السمراء، وحقق نجاحا أوليا فى هذا كان من أبرز مؤشراته انتخاب مصر مرتين لرئاسة منظمة الوحدة الأفريقية التى أصبحت فيما بعد الاتحاد الأفريقى وذلك عامى 1989 و1993ـ إلى جانب توقيع عدد من اتفاقيات التعاون فى مجالات عدة مع القارة السمراء.
وأثناء زيارة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك إلى العاصمة الإثيوبية، لحضور القمة الأفريقية تعرض موكبه لعملية استهداف من قبل 10 مسلحين، تمكنوا من دخول إثيوبيا والاندماج فى المجتمع عبر الزواج من إثيوبيات ليتمكنوا من التحضير لعملية الاغتيال، لكن تمكن حراس الرئيس من تصفية 5 من القتلة وإحباط عملية الاغتيال.
وخرج مبارك عقب نجاته من إثيوبيا قائلًا: " بداية الموضوع كانت بعد هبوط الطائرة فى مطار إثيوبيا وتأخر الحراسة الإثيوبية المرافقة لموكبى ورفضهم اصطحاب حراستى للطبنجات الخاصة بهم لكن حراسى خبئوها، وانطلق الموكب نحو مقر القمة، بعدها قامت سيارة زرقاء بسد الطريق، وترجل مجموعة من الأشخاص وفتحوا النيران على سيارتى لكن حراستى أخذت أماكنها".
وبعد خروج حسن الترابى الزعيم الإسلامى والذى اتهم بالتخطيط لمحاولة اغتيال مبارك، من السلطة فى الخرطوم بدأت العلاقات المصرية السودانية تتحسن مرة أخرى، وتوقفت مصر عن دعم حركة تحرير جنوب السودان، لكن فى نفس الوقت بدأ الدخول الإسرائيلى والأمريكى والصينى والإيرانى فى القارة الأفريقية، بسبب تراجع الدور المصرى جراء غياب الرئيس مبارك عن القمم الأفريقية منذ حادث أديس أبابا.
مبارك وأفريقيا .. سياسة الأبواب المواربة
وسرعان ما تلقفت أجهزة الدولة ووزاراتها تعليمات الرئيس بإعادة النظر فى العلاقات مع دول الحوض ودعمها، حتى راحت مختلف الجهات تعلن استعدادها للتعاون المكثف مع دول المنابع، من الكهرباء والزراعة، إلى الاستثمار والرياضة، وفى عام 2008 زار الرئيس المصرى الأسبق جنوب أفريقيا، والتى اعتبرت حينها أول زيارة يقوم بها رئيس مصرى إلى دولة جنوب أفريقيا عقب الاستقلال وهو ما أعطاها زخما وأهمية.
وخلال هذه الزيارة أجرى الرئيسين مبارك ومبيكى مباحثات ثنائية مكثفة تشمل كافة القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها قضايا الشرق الأوسط وإيران والسودان والصومال وزيمبابوى، فضلا عن موضوعات دولية أخرى على قدر كبير من الأهمية كموضوع الأمن الغذائى وإصلاح الأمم المتحدة، ومستقبل التعاون فى إطار مبادرة النيباد، والعلاقات التجارية والاقتصادية بين القارة الأفريقية ودول العالم.
واستطاع مبارك خلال الأعوام الأولى فى حكمه أن يزور العديد من الدول الافريقية والترابط فيما بينها حيث حصد بعد عامين من رئاسة مصر وتحديدا فى 1983 الوشاح الأكبر للميدالية الوطنية من النيجر؛ كما حصد مبارك فى 1984 الوشاح الأكبر للميدالية لدولة مالى وفى نفس العام حصل مبارك على النوط الأكبر لجمهورية وسط أفريقيا؛ أما فى 1989 حصد مبارك وسام الشرف العظيم من السودان.
وكانت الزيارة الأولى للرئيس مبارك منذ توليه الحكم عام 1982؛ حيث ضمت هذه الجولة زيارة أيضا إلى أوغندا قام خلالها مبارك بوضع أساس اتفاقيات اقتصادية على المدى الطويل بين البلدين.
و امتاز مبارك بحسه الدبلوماسى حيث أنه كان أول رئيس مصرى يشارك فى قمة فرنسا أفريقيا وتحديدا فى أعمال القمة الفرنسية الأفريقية التى عقدت فى باريس فى نوفمبر من عام1998 والتى تركزت المناقشات خلالها على قضايا الأمن وعلاقته بالتنمية فى القارة الأفريقية.
وجاءت المشاركة الثانية للرئيس مبارك فى هذه القمم من خلال مشاركته النشطة فى القمة الـ22 والتى عقدت بباريس فى فبراير من عام 2003 تحت عنوان تعزيز التعاون بين فرنسا وأفريقيا من خلال مبادرة الشراكة الجديدة للتنمية فى أفريقيا والمعروفة اختصارا باسم النيباد.
أما المشاركة الثالثة للرئيس الراحل محمد حسنى مبارك فكانت فى القمة الـ24 التى عقدت فى مدينة كان الفرنسية فى فبراير 2007 والتى كان للرئيس مبارك فيها دور نشط وإيجابى سواء فى مداخلاته أمام القمة أو فى اللقاءات التى يعقدها بشكل ثنائى مع العديد من القادة المشاركين فى القمة والتى كانت محل تقدير كبير فى أوساط القمة، وكانت المرة الرابعة فى مايو ٢٠١٠ حول التنمية فى أفريقيا.
وإذا كان مبارك قد ترك السلطة دون عداء واضح، إلا أنه غادرها بلا شك بجسور واهنة مع دول القارة السمراء، وزاد من الطين بلة وزاد من الابتعاد عن أفريقيا، السنة الكئيبة التى تولى فيها الإخوان الحكم، ما بين يونيو 2012 و2013 والجلسة التى أذيعت فى التليفزيون المصرى فى عهد الإخوان، التى قضت على جهود عودة العلاقات، بعد أن تداول قيادات الإخوان الإرهابية، تهديدات مزيفة، وإيصال تلميحات متدنية، للدولة الأفريقية، والتى بعدها تم البدء فى استكمال سد النهضة.