مثلت حماية أمن الملاحة عبر مضيق هرمز، باعتباره أكبر ممر مائي في العالم، يتدفق من خلاله نحو خمس الاستهلاك العالمي من النفط، مصدر اهتمام وقلق مختلف الدول العالمية حماية لمصالحها الحيوية والاستراتيجية عبر المضيق، ولذا بادرت كل دوله أو مجموعة من الدول بطرح المبادرات الخاصة لتأمين مصالحها في مضيق هرمز، ومع تنوع المبادرات، إلا أنها تواجه العديد من التحديات من قبل مصالح دول أو جهات أخرى.
وثمة عدة مبادرات تم طرحها في هذا السياق، لعل أحدثها المبادرة الأوروبية للرقابة البحرية في مضيق هرمز، والتي جاءت على خلفية جهود قامت بها فرنسا لإقناع عدد من الدول الأوروبية للمشاركة فيها.
وتم الإعلان عن هذه المبادرة مؤخراً بمشاركة من فرنسا والدنمارك وبلجيكا وهولندا، وقد أرسلت باريس إلى مقر القيادة القائمة في القاعدة البحرية التي تشغلها فرنسا في الخليج، فرقاطة "كوربيه" لتكون باكورة القطع البحرية التي ستشترك في المهمة، فيما ستلتحق بها الفرقاطة الهولندية "دي رويتير"، وسوف تنضم فرقاطة دنماركية إلى القطع الموجودة مع سفن المواكبة.
وتشير تطورات الأحداث في المنطقة إلى أن فرنسا كانت لديها رغبة في انضمام ألمانيا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى إلى مبادرتها، ومن أجل ذلك عقدت اجتماعات في لندن وبرلين وباريس، إلا أن لندن انسحبت من المبادرة الأوروبية بعد وصول رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى داوننج ستريت، بينما ترددت المستشارة الألمانية بسبب معارضة شركائها في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ولذلك اقتصرت المساهمة على 4 بلدان، ومع ذلك تأمل فرنسا في أن تنضم خلال الأشهر المقبلة دول أخرى إلى المبادرة.
ويكمن الغرض من المبادرة الأوروبية كما وصفها مراقبون في تعزيز القدرات الأوروبية المستقلة في تقييم الوضع (الأمني للملاحة البحرية)، ومراقبة الحركة البحرية، وضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز، وأن القطع الأوروبية الموجودة بالمنطقة، ستتولي المحافظة على مصالح الدول الأوروبية، وتعزيز أمن المنطقة في بيئة متوترة، والمساهمة في خفض التصعيد الإقليمي.
وقد جسدت هذه المبادرة نوايا ومصالح الدول المشاركة فيها، وبدا ذلك من خلال تبرير كل دوله للمشاركة في تلك المبادرة، فقد أوضحت أنك بيلفيلد شوتن، وزيرة الدفاع الهولندية، أسباب انضمام بلادها إلى هذه المبادرة، بقولها إن هولندا "بلد محوري في ملف النقل، يمارس التجارة البحرية، والأحداث الأمنية (البحرية) التي شهدتها منطقة الخليج تضر بأمن ومصالح هولندا الاقتصادية بشكل مباشر".
وبحسب وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، فإن لأوروبا دوراً تلعبه عبر هذه المهمة، وهي تتحمله، وأضافت أن "البوصلة الوحيدة التي تقود المبادرة الأوروبية هي العمل على خفض التوترات، والحرص على حماية المصالح الأوروبية".
ومن جهتها، بررت الدنمارك مشاركتها في بيان اعتبرت فيه أنه "لها مصلحة خاصة ومسؤولية في المحافظة على الأمن البحري، وحرية الملاحة في مضيق هرمز، باعتبارها خامس أمة بحرية في العالم".
كما بررت هذه الدول قرارها بـ "انعدام الاستقرار الحالي في منطقة أساسية" للسلام العالمي، مذكرة بـ "انعدام متزايد للاستقرار والأمن في العام 2019، ترجم بحوادث بحرية وغير بحرية عدة في الخليج ومضيق هرمز نتيجة تأجيج التوتر الإقليمي".
ومن ثم جاءت هذه المبادرة انعكاساً لرؤية أوروبية في خصوصيتها واستقلالها عن العملية البحرية "الحارس" التي أطلقتها الولايات المتحدة، والتي تضم بريطانيا وأستراليا وألبانيا إلى جانب بعض الدول العربية، والتي انطلقت الخريف الماضي.
مبادرات متعارضة:
وانطلاقاً من حرص كل دولة على تحقيق مصالحها الاستراتيجية، طرحت الولايات المتحدة الأمريكية مبادرة جديدة للأمن البحري لحماية الملاحة في الخليج، على خلفية حوادث ناقلات البترول في مياه الخليج وبالقرب من مضيق هرمز خلال عام 2019، والتي اعتبرت تهديدا لأمن الملاحة الخليجية.
وتقوم المبادرة الأمريكية على أساس إطلاق عملية بحرية متعددة الجنسيات في مياه الخليج، تسمى "الحارس" تهدف إلى تشديد المراقبة والأمن في المجاري المائية الرئيسية الخليجية، وعلى ضوء ذلك تقوم دول المنطقة بحراسة سفنها بالتعاون مع القوة المزمع إنشاؤها.
ووجهت واشنطن الدعوات لنحو 60 دولة من مختلف المناطق العربية والأوروبية والآسيوية، من أجل الموافقة على المشاركة فى هذا التحالف. وقام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ووزير الدفاع الأمريكي الجديد مارك اسبر بعدة جولات لإقناع عدة دول بالتحالف وأهميته لضمان أمن وسلامة الملاحة خاصة لناقلات البترول فى منطقة الخليج العربي وذلك فى مواجهة التهديدات الإيرانية.
ونظرا لعدم رغبة كثير من حلفاء وأصدقاء واشنطن الدخول فى دائرة الصراع الأمريكي مع إيران، بدت بعض الدول مترددة فى حسم قرارها، والبعض الآخر أعرب عن رفضه للفكرة من أساسها.
في حين تتمحور المبادرة الروسية حول إقامة نظام للأمن الإقليمي فى الخليج يشمل جميع الدول المطلة على الخليج وعدة أطراف دولية أخرى. وتضمنت المبادرة الروسية، تأكيد دول المنطقة والأطراف الخارجية التزاماتها الدولية، وتحديد التخلي عن استخدام القوة فى المسائل الخلافية، واعتماد الوسائل السلمية لتسويتها، على أن تأخذ دول المنطقة على عاتقها التزامات متبادلة متعلقة بالشفافية فى المجال العسكري، وإقامة خطوط ساخنة، وتبادل الإخطارات المسبقة حول التدريبات وطلعات الطيران وغيرها.
كما تتضمن المبادرة الروسية، توقيع اتفاقية للتحكم والرقابة على انتشار الأسلحة، واحتمال إنشاء منطقة منزوعة السلاح، وعدم تكديس الأسلحة المزعزعة للاستقرار خاصة مضادات الصواريخ، وخفض القوات المسلحة فى دول المنطقة، واتخاذ تدابير لتحول منطقة الخليج إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وخاصة الأسلحة النووية ومنع الانتشار النووي.
فضلاً عن إبرام اتفاقات مكافحة الإرهاب الدولي، والاتجار غير المشروع فى الأسلحة، والهجرة والاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة، وإطلاق حوار لتقليص الوجود العسكري الأجنبي، وإحراز تقدم فى إنشاء نظام أمن خليجي.
ووفقاً لمراقبين، فإن التصور الروسي لأمن الملاحة بمضيق هرمز، يقوم على تعزيز الثقة بين إيران ودول الخليج العربي بمساعدة مجلس الأمن الدولي، من خلال إنشاء نظام لضمان الأمن الجماعي الإقليمي، يشمل حل كل أزمات المنطقة في الخليج واليمن وسورية.
ولذا يعتقد هؤلاء المراقبون أن المبادرة الروسية إنما هي لمواجهة المسعى الأمريكي لإقامة تحالف لا ترغب فيه عدة أطراف أوروبية بل وعربية ومن ثم ينتهي الطرح الروسي إلى نفس المصير الذى انتهت إليه فكرة إقامة تحالف الشرق الأوسط (ناتو عربي) فى مواجهة إيران.
ومن جانبها طرحت ألمانيا رؤيتها لضمان أمن الملاحة في مضيق هرمز، تتمحور حول أكثر من ركيزة منها: مهمة مراقبة تهدف لنزع فتيل التصعيد في الوقت الذي تراقب فيه الحدث المحلي وتوثق الخروقات القانونية وتنقل سلوك الأطراف إلى الأمم المتحدة والرأي العام العالمي، والثانية مهمة حماية، تقتصر على حماية سفن الدول المشاركة أو التطلع إلى تأمين حرية الملاحة للجميع، باعتبار أن الهدف الأمثل هو تطبيق قانون الملاحة من حيث المبدأ.
يبقى القول إن حماية وضمان أمن الملاحة البحرية في مضيق هرمز يظل مسئولية دولية مشتركة من قبل منظمة الأمم المتحدة باعتباره ممراً مائياً عالمياً، وأن حدوث أي انتهاكات فيه سوف تؤثر على الاقتصاديات العالمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة