كشفت دراسة لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، دوافع توظيف تركيا للمرتزقة الأجانب فى الأزمة الليبية، مؤكدا أن ليبيا تشهد فى الآونة الأخيرة تصاعد توظيف المرتزقة الأجانب من جانب النظام التركى لدعم حكومة الوفاق ضد الجيش الوطنى الليبي. وتبلور هذا التوجه التركى بشدة فى الآونة الأخيرة مع انتكاسة ميليشيات "السراج" فى وقف تقدم عملية "الفتح المبين" التى أطلقها الجيش الليبى لتحرير العاصمة طرابلس. وتعرضت تركيا التى لا تزال تواصل تجنيد متشددين موالين لها، لانتقادات شديدة. حيث طالب الرئيس الفرنسى فى مؤتمر برلين، تركيا بالتوقف عن إرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا.
وأشارت الدراسة، إلى أن هناك العديد من المؤشرات الكاشفة عن توجه تركيا نحو تكثيف جهودها لـتجنيد المرتزقة السوريين من أجل إرسالهم إلى ليبيا، أبرز تلك المؤشرات هو تقديرات متعددة، حيث تشير تقديرات سياسية وإعلامية إلى أن ليبيا قد استقطبت أكثر من ألف مرتزق نقلتهم تركيا من مناطق الصراع فى سوريا. ويعكس مستوى التسلُّح الذى يحظى به المرتزقة الأجانب الموالون حجم ما يحصلون عليه من دعم وتمويل من تركيا الساعية إلى بسط نفوذها على ليبيا، ودشنت تركيا جسرًا جويًّا مباشرًا بين إسطنبول ومطار معيتيقة العسكرى قرب طرابلس لنقل متشددين سوريين وأجانب إلى ليبيا. وبلغ إجمالى هؤلاء المقاتلين الذين وصلوا بحسب صحيفة "الجارديان" نحو 1350 فردًا من المقاتلين السوريين شقوا المعبر فى اتجاه تركيا فى الخامس من يناير المنصرم، وانتقل بعضهم إلى ليبيا، بينما بقى آخرون فى جنوب تركيا لتلقى تدريبات فى معسكرات خاصة.
واضافت الدراسة، أن المؤشر الثانى يتمثل فى رفع مستوى الدعم، حيث رفعت أنقرة مستوى دعمها العسكرى لحكومة "فايز السراج" وميليشيات مصراتة فى مواجهة قوات الجيش الوطنى الليبى، وظهر ذلك فى تأكيد الرئيس التركى إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا، وذلك بعد موافقة البرلمان التركى على هذه الخطوة مطلع يناير الجارى، مدعيًا أن ذلك يأتى بناءً على طلب من حكومة الوفاق الوطنى من أجل وقف تقدم الجيش الوطنى الليبى نحو العاصمة طرابلس، كما سرعت أنقرة من إرسال قوات غير نظامية من الميليشيات الموجودة فى سوريا إلى ليبيا، مما قد ينذر بتصاعد وتيرة الصراع العسكرى بين مختلف الأطراف فى ليبيا. وقد نشرت تقارير عديدة عن تسجيلات مرئية تظهر وجود مقاتلين تابعين لتركيا نقلوا من سوريا إلى معسكر تابع لإحدى الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق جنوب العاصمة طرابلس.
وأوضحت الدراسة، أن المؤشر الثالث يتمثل فى مكاتب تسجيل، حيث اتجهت الفصائل المسلحة الموالية لتركيا فى سوريا لافتتاح مراكز لتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين فى الذهاب للقتال فى ليبيا، إذ تم افتتاح أربعة مراكز فى منطقة عفرين شمال حلب لاستقطاب المقاتلين ضمن مقرات تتبع الفصائل الموالية لتركيا. وتشجع الفصائل الموالية لتركيا، الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية.
وقالت الدراسة، إن المؤشر الرابع يتمثل فى تأسيس شركة خدمات أمنية، حيث أصبح الاعتماد على متشددين والعناصر الراديكالية أحد الأبواب الخلفية للانخراط التركى من وراء ستار فى مناطق الصراعات، وهنا يمكن فهم دعوة "عدنان تانيفيردى" المساعد العسكرى للرئيس التركى لإنشاء شركة عسكرية خاصة لمساعدة وتدريب الجنود الأجانب.
وأكدت الدراسة، أن هناك دوافع متعددة دفعت أنقرة فى الفترة الأخيرة للإسراع من أجل إرسال مرتزقة سوريين وأجانب موالين لها إلى ليبيا دعمًا لحكومة الوفاق الوطنى برئاسة "فايز السراج" فى مواجهة قوات المشير "خليفة حفتر"، وأبرز تلك الدوافع هى حماية النفوذ، حيث اعتمدت تركيا على توظيف ظاهرة ملاحقة المقاتلين الإرهابيين فى مناطق النزاع فى الإقليم، ومنها ليبيا، بهدف الحفاظ على ما اسمته مصالحها الاستراتيجية فى مناطق النزاع، وحماية أمنها القومى، من دون أن تُعطى اعتبارًا لمبادئ القانون الدولى المتعلقة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول، ناهيك عن غض الطرف عن ميثاق الأمم المتحدة الذى يلزم دولها بالامتناع عن تنظيم وتشجيع الأعمال الإرهابية على أراضى دولة أخرى.
ولفتت الدراسة، إلى أن الدافع الثانى هو تأمين المصالح، حيث تعانى تركيا أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وظهر ذلك فى انهيار سعر صرف الليرة، وفشل إجراءات محاصرة تداعيات الأزمة الاقتصادية التى تعيشها البلاد منذ منتصف عام 2018، لذلك يمثل التدخل العسكرى التركى عبر مقاتلين مرتزقة أحد مرتكزات حكومة العدالة والتنمية للتحايل على الأزمة الاقتصادية الراهنة، من خلال مساومة حكومة الوفاق على مصالح تركيا فى ليبيا، وظهر ذلك فى سعى تركيا لاستثمار حاجة "السراج" إليها، لتوقيع اتفاقيات بحلول فبراير المقبل تتضمن تعويضًا مبدئيًّا بقيمة 2.7 مليار دولار عن أعمال نُفذت فى ليبيا قبل حرب 2011، وذلك فى مسعى لإحياء عمليات متوقفة لشركات تركية فى ليبيا.
وأشارت الدراسة، إلى أن الدافع الثالث هو موازنة القوى، وتسعى أنقرة إلى توظيف المرتزقة الأجانب لموازنة النفوذ على الأرض بين حكومة الوفاق والجيش الوطنى الليبى، لا سيما وأن الأخير تمكن فى الفترة الماضية من إسقاط وتدمير أكثر من 40 طائرة مسيرة تركية الصنع طراز Bayraktar TB-2، كما دمر غرف عملياتها وهوائيات التحكم، بالإضافة إلى عشرات المدرعات التركية من نوع كيربي.
وأوضحت الدراسة، أن أنقرة عززت من إرسال المقاتلين الأجانب بفعل القلق من التطورات الجارية على أرض المعركة، وفى الصدارة منها إعلان الجيش الليبى فى 6 يناير الجارى السيطرة على مدينة سرت الساحلية الاستراتيجية. ومن شأن السيطرة على سرت أن تمنح "حفتر" مكسبًا مهمًّا من الناحية الاستراتيجية، حيث تقع فى منتصف ساحل ليبيا على البحر المتوسط، ناهيك عن أنها تمهد الطريق نحو مصراتة مركز تجمع الميليشيات الموالية لتركيا. كما تَمَثَّل التطور الأكثر إثارة فى تحويل الكتيبة 604 فى سرت، ولاءها إلى قوات "حفتر" مطلع يناير الجارى، وهى وحدة عسكرية قوية يهيمن عليها السلفيون، وشاركت فى وقت سابق من عام 2016 فى الحرب ضد داعش.
وتابعت الدراسة: عجلت الخسائر فى صفوف العسكريين الأتراك فى ليبيا من نهج الاعتماد على المرتزقة السوريين، حيث شهدت الأيام الماضية مقتل ثلاثة جنود أتراك وإصابة ستة آخرين، وهى أول خسائر تركية فى العملية العسكرية بليبيا، ناهيك عن إفادة المرصد السورى لحقوق الإنسان، ومقره لندن، بمقتل 6 عناصر من الفصائل الموالية لتركيا فى ليبيا، بينهم 3 عناصر من "لواء المعتصم" و3 عناصر من "السلطان مراد"، فى المقابل وعدت أنقرة ذوى هؤلاء القتلى بتعويض مالى كبير لمدة عامين، بالإضافة إلى مغريات أخرى لذوى القتلى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة