أكدت دراسة لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، أن الاعتداءات التي تعرض لها بعض المتظاهرين العراقيين، في 3 فبراير الجاري، ووجهت بسببها اتهامات إلى مجموعة ما يسمى بـ"القبعات الزرقاء"، تشير إلى أن الأزمة السياسية العراقية ما زالت مستمرة، حتى بعد إعلان وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي، في بداية الشهر نفسه، عن تكليفه رسمياً برئاسة الحكومة الجديدة من جانب الرئيس برهم صالح، موضحة أنه يأتي هذا الإعلان بعد مرور شهرين على قبول مجلس النواب استقالة رئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال عادل عبد المهدي، والتي كان يتعين على إثرها، بحسب الدستور، قيام الرئيس بتكليف رئيس وزراء جديد من "الكتلة الأكبر" بالبرلمان خلال مدة أقصاها 15 يوماً.
وأشارت الدراسة، إلى أن الآلية التي جرى بها ترشيح علاوي لرئاسة الحكومة كانت شبيهة لآلية تكليف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، حيث تم تجاوز فكرة تحديد الكتلة النيابية الأكثر عدداً داخل مجلس النواب، وذلك بعد تفاهمات القوى السياسية، خاصة الائتلافين اللذين يمتلكان أكبر عدد من المقاعد وهما "سائرون" و"الفتح"، وذلك خلافاً للطريقة التي يقرها الدستور العراقي في المادة 76 منه والتي تنص على أن "يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء".
ولفتت الدراسة إلى أنه يمكن تفسير إقدام الرئيس صالح على تكليف علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أهمها فى ضغوط الرئاسة على الكتل السياسية، حيث سعى الرئيس العراقى برهم صالح إلى ممارسة ضغوط على القوى السياسية من أجل دفعها إلى الاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة، حيث أعلن، في 29 يناير الماضي، أنه منح الكتل السياسية المعنية في البلاد مهلة حتى الأول من فبراير الجاري لتكليف مرشح لتشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لحكومة عادل عبد المهدي. ويعتبر صالح أن تشكيل الحكومة الجديدة ربما يكون الخطوة الأولى التي يمكن من خلالها احتواء تداعيات الأزمة السياسية الحالية التي ما زالت قائمة رغم مرور نحو أربعة أشهر على اندلاع الاحتجاجات في أكتوبر 2019.
وأشارت الدراسة، إلى أن التفسير الثانى يتمثل فى انتقادات حكومة تسيير الأعمال للكتل البرلمانية، حيث وجهت حكومة تصريف الأعمال برئاسة عادل عبد المهدي اتهامات لافتة للبرلمان بالتقصير في حسم تشكيل الحكومة الجديدة، حيث انتقد عبد المهدي، في 28 يناير الفائت، البرلمان حيال موقفه من مسألة الإسراع بحسم تشكيل الحكومة الجديدة، وقال: "لا نجد مساندة من مجلس النواب"، مضيفاً: "يجب الإسراع بحسم تشكيل الحكومة".
وأوضحت الدراسة، أن التفسير الثالث يتمثل فى التوافقات الأخيرة بين تحالفى "البناء" و"سائرون"، حيث كان ملف اختيار رئيس وزراء جديد للبلاد محور الخلاف الرئيسي علي مدار شهر ديسمبر الماضي بالكامل بين ائتلاف "الفتح" برئاسة هادي العامري- الذي يشكل المُكوِّن الرئيسي ضمن تحالف "البناء"- وتحالف "سائرون" التابع للتيار الصدري، لكن في أعقاب التصعيد الأمريكي- الإيراني على الساحة العراقية مع مطلع شهر يناير الفائت، تقلصت حدة الخلافات بين الطرفين، اللذين توافقا، بشكل لافت، في ملف إخراج القوات الأمريكية من العراق، على نحو كان له دور في تمرير ترشيح علاوي لرئاسة الحكومة الجديدة.
وأكدت الدراسة، أن نجاح علاوي في مهمته لن يتوقف على الحصول على ثقة مجلس النواب، حيث إن هناك متغيرات عديدة سوف يكون لها دور رئيسي في هذا السياق، أبرزها استقطاب الدعم الشعبي، وذلك باعتبار أن ما حدث من تغيرات في المشهد العراقي منذ مطلع أكتوبر الماضي وحتى الآن كان بسبب الضغط الشعبي المستمر، لذا فإن العامل الأول الذي سيحدد إمكانية نجاح علاوي في مهمته هو رضا الشارع عنه من عدمه. واللافت أن علاوي حرص، خلال إعلانه عن تكليفه برئاسة الحكومة، على تبني خطاب يتماهى نسبياً مع مطالب الشارع، حيث دعا، في أول تصريح له بعد تكليفه، المتظاهرين للاستمرار في التظاهر لحين تحقيق المطالب ومحاسبة القتلة، وإجراء الانتخابات المبكرة. كما أن مقربين منه أشاروا إلى أنه حريص على تجاوز سياسة المحاصصة في تشكيل الحكومة رغم العقبات العديدة التي سوف يواجهها في هذا الصدد.
ولفتت الدراسة، إلى أن من بين المتغيرات أيضا هو الخيارات المتاحة، حيث كشفت وسائل إعلام عديدة، بالتزامن مع إعلان تكليف الرئيس لعلاوي بمنصب رئاسة الوزراء، عن ورقة اتفاق سياسي بين علاوي وقادة ائتلاف "الفتح"، على نحو يوحي بأن القوى السياسية تبدو حريصة من البداية على تحديد خيارات معينة أمام رئيس الحكومة المكلَّف، بشكل سوف يضع سقفاً لحرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامه في التعامل مع الأزمة التي تشهدها العراق في الوقت الحالي.
وأكدت الدراسة، أن من بين المتغيرات أيضا تشكيل حكومة انتقالية في مدة شهر، حيث سيتعين على رئيس الوزراء المُكلَّف أن يقوم في غضون شهر من تكليفه باختيار أعضاء حكومته. لكن خبرات الحكومات السابقة، وآخرها حكومة عادل عبد المهدي، تشير إلى أن تلك المهمة ليست يسيرة، حيث عادةً ما يستغرق تشكيل الحكومات عدة أشهر مثلما حدث في الحكومات السابقة والتي استغرق تشكيلها فترة طويلة، وهو احتمال قائم في الوقت الحالي، لاسيما في ظل الخلافات العالقة بين القوى السياسية المختلفة.
وأوضحت الدراسة، أن تكليف علاوي برئاسة الحكومة الجديدة لا يبدو أنه سوف يؤدي إلى تسوية الأزمة التي تشهدها العراق، خاصة أن ذلك مرتبط بمدى قدرته على التعامل مع ملفات عديدة، حيث ستواجهه تحديات لا تبدو هينة، أبرزها إمكانية استرضاء الشارع، وإيقاف العنف، وتشكيل حكومة خلال المهلة المحددة دستورياً، والانتهاء من إجراء انتخابات مبكرة قبل انقضاء عام من تكليفه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة