أكرم القصاص - علا الشافعي

المؤشر العالمى للفتوى: الخطاب الإفتائى بتركيا وخارجه موظف لتأييد أردوغان

السبت، 08 فبراير 2020 12:51 م
المؤشر العالمى للفتوى: الخطاب الإفتائى بتركيا وخارجه موظف لتأييد أردوغان الفتاوى أحدث أسلحة أردوغان للبقاء فى السلطة
كتب - لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كشف المؤشر العالمى للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، أن الخطاب الإفتائى فى الداخل التركى وخارجه تم توظيفه ليكون مؤيدًا لأعمال أردوغان التوسعية، حيث أن الرئيس التركى وأتباعه لم يسلموا من توظيف الخطاب الدينى بصفة عامة والإفتائى على وجه الخصوص ليكون غطاءً لعملياتهم العسكرية، شأنهم فى ذلك شأن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، مصدِّرين للشعوب والأمم أنهم حملة لواء الخلافة، والمسئولون عن نصرة المسلمين فى العالم وخلاصهم من الاضطهاد والظلم، والساعون لتطبيق الشريعة الإسلامية، ويخفون عن الناس بأن محركهم الأساسى فى هذه الحملات الاستعمارية هو ما يجنيه أردوغان من مكاسب مادية وسياسية.

أكد مؤشر الإفتاء أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يستخدم كافة أسلحته وكذلك قواه الناعمة لتحقيق الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، والتى من أهمها توظيف الخطاب الدينى والفتاوى بنسبة (40%) سواء داخليًّا أو خارجيًّا، ولفت المؤشر إلى سعى أردوغان للهيمنة وترسيخ حكمه الديكتاتورى عبر فتاوى الداخل التركى بنسبة (30%)، أما فى الخارج، وبنسبة (70%) فإنه يجنّد بعض مفتيى جماعات الإسلام السياسى مثل تنظيم الإخوان الإرهابى ومليشيات التطرف فى أكثر من دولة.


الخطاب الإفتائى فى الداخل التركي.. يرسيخ للديكتاتورية

فعن الخطاب الإفتائى المؤيد لأردوغان أوضح مؤشر الإفتاء أن الفتاوى السياسية الصادرة من شيوخ أتراك تمثّل ما نسبته (30%) من الفتاوى السياسية الخاصة بتركيا، وأن (90%) من تلك الفتاوى تدعم الديكتاتور أردوغان؛ حتى أن بعض هؤلاء المفتين أوصله لمرتبة الأنبياء، وبعضهم جعل من مساندته فرض عين، حيث زعمت فتوى سابقة لأحد الأتراك أن "دعم أردوغان فرض عين على كل مسلم وحرمة الوقوف ضده كحرمة الهارب من الحرب".

فى حين طالب دعاة أردوغان الشعب التركى بقبول أوضاع متردية فى البلاد بذريعة محاربة الأعداء فقالوا: "نحن فى الحرب؛ فلا يجوز الشكوى عن غياب العدالة". وأضاف: "السلطات قد تفشل فى تحقيق العدل وتنحرف عن الطريق الصحيح وتبتعد عن الصدق وتتعرض للتدهور، ولكن لا يجوز الشكوى عن كل ذلك إذا كان سيتسبب فى منح ذرائع للعدو". وفى ديسمبر 2015 زعم المفتى السابق "إحسان أوزكس" أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم لو كان حيًّا لزار قصر أردوغان، وكتب على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى تويتر: "فكرت اليوم لو كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على قيد الحياة بيننا، هل كان يدخل القصر الأبيض فى أنقرة؟ وشعرت هذا المساء عندما كنت بالقصر أنه كان سيدخله حتمًا، لأن هناك أمارات كثيرة من السنّة النبوية الشريفة".

وأوضح مؤشر الإفتاء أن خطاب المؤسسة الدينية الرسمية كان تبريرًا إلى حد كبير، ويرسخ مبدأ قبول الأفعال دون مناقشة أو تفكير، ويصور للناس أن ما يقوم به أردوغان حرب مقدسة، فرئيس مؤسسة (ديانت) التركى على أرباش، نشر تغريدة على حسابه الرسمى فى تويتر، دعا فيها جميع المساجد إلى قراءة "سورة الفتح" كل يوم فى صلاة الصبح، وذلك طوال فترة العملية العسكرية فى سوريا. وقال أرباش: "سنقرأ ونصلى بسورة الفتح فى صلاة الصبح بجميع مساجدنا حتى نحقق الانتصار فى العملية العسكرية التى بدأتها قواتنا الأمنية ضد المنظمات الإرهابية فى شمالى سوريا". ويعنى "أرباش" بالمنظمات الإرهابية: الفصائل الكردية، التى تعتبرها أنقرة "إرهابية" نظرًا لارتباطها بحزب العمال الكردستانى الذى خاض تمردًا داخل الأراضى التركية.

 واعتبر المؤشر أن هذه الخطوة سعى أردوغان من خلالها لتبرير عمليته العسكرية فى سوريا ومنحها "شرعية دينية" حتى تلقى استجابة واسعة داخل البلاد، فيما لم تعلق "ديانت" على تفاصيل تلك العمليات ولم تعبأ بأن ذلك اعتداء على سلميين عُزل رغم قتل الأطفال والنساء والشيوخ داخل الدولة السورية.


"دفع الصائل" و"إقامة الخلافة".. مفردات الخطاب الإفتائى فى الخارج لتمرير العمليات العسكرية التركية

لم يوظف أردوغان الخطاب الإفتائى فى الداخل لتبرير أعماله العسكرية فحسب بل استغل الخطاب الإفتائى الخارجى أيضًا، حيث أوضح المؤشر العالمى للفتوى أن أردوغان يوظف الفتاوى فى الخارج التركى بنسبة (70%)، وأشار المؤشر إلى استقطاب مفتين لتبرير التدخلات التركية فى ليبيا بقواعد فقهية وشرعية، مثل "دفع العدو الصائل" و"إقامة الخلافة" و"تطبيق الشريعة"، كفتوى الشيخ الليبى عمر مولود عبد الحميد "إنّ طلب حكومة الوفاق الوطنى (الليبية) المساعدة من الحكومة التركية هو حق شرعى لا غبار عليه؛ كون تركيا دولة مسلمة وليبيا دولة مسلمة.. وإنّنا نؤيد حكومتنا فيما تقوم به؛ لأن من بنود هذه المذكرة نصرتنا على عدو صائل (يعنى روسيا) لا حقَّ له فيما يقوم به".

 أما الداعية الليبى المقرب من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية "الصادق الغرياني" فأفتى بأن هذا التدخل التركى "حلال شرعًا ومشروع قانونًا"، واستشهد الغريانى على ذلك بآيات قرآنية. كما قال "الغرياني" فى مقابلة مع قناة تليفزيونية تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية تبث من تركيا: "إن مذكرتى التفاهم التى وقّعها رئيس المجلس الرئاسى الليبى فائز السراج مع الرئيس التركى حول ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكرى فرصة شرعية يجب علينا أن نغتنمها؛ لأنه تحالف ضد عدو غادر".

وتابع: "هذا لا يعنى مذلة ولا احتلالًا بل نصرة لنا واسترداد لعزّتنا". وأكد الغريانى أن منح دولة أجنبية إمكانية إنشاء قواعد عسكرية فى ليبيا لا يعيّرنا فى الحق ما دام لنصرة الحق لأنه أمر مشروع ومتعارف عليه من الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا والتى توجد فيها قواعد عسكرية أجنبية.

وفى فتوى أخرى للغريانى قال: "لا عذر لمن يقاتل مع حفتر ولا يجوز لمسلم أن يقف فى خندق واحد مع الروس أو غيرهم ـ يقاتل بنى وطنه، قال أهل العلم: من فعل هذا يكون فاسقًا مرتكبًا لأعظم الذنوب".

وعلق مؤشر الفتوى على بيانات تأييد أعضاء تنظيم الإخوان للتدخل التركى فى ليبيا وأن ذلك لا شأن للدولة المصرية به من قريب أو بعيد، بأن ذلك يعدّ بمثابة قُبلة الحياة لجماعة الإخوان الإرهابية فى مصر بأن يكون لهم دور بعد موتهم إكلينيكيًّا، كما أن تلك التدخلات توضح التحالف الشيطانى بين الإخوان وأطماع أردوغان فى بلاد العرب.

وخلص المؤشر فى هذا السياق إلى أن تلك القواعد الفقهية مثل "دفع الصائل" وغيرها، هى ذاتها التى أدلى بها الإرهابى الليبى "عبد الرحيم المسماري" حين ألقى القبض عليه فى القاهرة عام 2017 على خلفية حادث الواحات الإرهابى والذى أسفر عن استشهاد نحو 16 شرطيًّا وإصابة آخرين، كما اعتبر المؤشر أن إيواء الدولة التركية لأفراد من جماعة الإخوان الإرهابية جعل من السهولة الاستعانة بمفتيى الجماعة لإصدار الفتاوى المرسخة لأيديولوجية الرئيس التركى وتنفيذ سياساته الساعية للهيمنة على الدول والشعوب.

بزعم "الولاء والبراء" و"لا جنسية فى الإسلام".. فتاوى سورية مؤيدة لأردوغان ومعارضة للنظام

وانتقل المؤشر للفتاوى المؤيدة للتدخل التركى فى سوريا، والتى جاءت بنسبة (50%) من فتاوى الخارج التركى، مستندة إلى حجج شرعية وفقهية مثل: "دفع الصائل" و"الولاء والبراء" و"لا جنسية فى الإسلام"؛ حيث خلص المؤشر إلى أن كافة الهيئات الشرعية المعارضة للنظام السورى جاءت داعمة ومؤيدة لسياسات أردوغان والتدخل التركى فى سوريا.

وألمح المؤشر إلى بيان "المجلس الإسلامى السوري" الذى تأسس فى إسطنبول فى إبريل 2014، الذى أكد أن السوريين أفرادًا ومؤسسات يثمّنون ويتفهمون حرص الأتراك على أمنهم القومى وسيادة قوانينهم، بل يساندونهم فى ذلك ويعينونهم عليه، وأضاف البيان أن الطرفين معنيان بتفهم احتياجات إخوانهم، فالسوريون معنيون بتفهم احتياجات إخوتهم فى تركيا ومطالبون بأداء النصيحة لهم فيما يرون فيه تحقيق مصالح تركيا الحالية والمستقبلية، والأتراك معنيون كذلك بإدامة قلوبهم وأبوابهم مفتوحة لإخوانهم الذين ألجأتهم يد الظلم والإجرام لمغادرة مؤقتة لبلدهم.

وفى سياق آخر كشف المؤشر العالمى للفتوى أن المجلس الإسلامى السورى يُبارك عملية "نبع السلام" لإقامة المنطقة الآمنة، والتى أعلنها الرئيس التركى للقضاء على التنظيمات الإرهابية. وجاء فى بيان المجلس: "ندعم عملية (نبع السلام) ونقدّم الشكر لكل من يدعم السوريين فى مقاتلة الإرهابيين ودفع صيالهم، وكنّا نأمل من إخواننا العرب أن يقفوا معنا ضد الاحتلال الإيرانى الذى لا يزال يهدد نسيج الشعب السورى ويهدد العديد من الدول العربية.. وجاءت عملية (نبع السلام) لإقامة المنطقة الآمنة تمهيدًا للعودة الطوعية لأهل هذه المناطق إليها"، ولم تقف عمليات الدعم فقط على المباركة بل المشاركة فى عمليات أردوغان الخارجية من خلال تجنيد بعض عناصر الفصائل السورية المسلحة الموالية له للقتال فى طرابلس.

"هيئة الشام الإسلامية": منع الاستعانة بتركيا جهل بالشرع وغلو فى الدين

كما رصد المؤشر العالمى للفتوى فتاوى لـ "هيئة الشام الإسلامية" إحدى هيئات المجلس الإسلامى السورى، أجازت الاشتراك فى العمليات التى دعمتها تركيا فى الشّمال السّورى فى عام 2016، كما صدرت بذلك فتاوى وبيانات الجهات الشّرعية لها، مؤكدة أن "ذلك الحكم هو الموافق للشّريعة ومقاصدها، وهو مِن باب الاستعانة بالمسلم على الكافر المعتدى أو الخارجى الباغي". وأوضح المؤشر أن الهيئة أضافت أن "منع التعاون مع تركيا والاستعانة بها، وجعلُه مِن باب الاستعانة بالكافر على المسلم مِن الجهل بالشّرع، والغلوّ فى الحكم، وفساد التصوّر فى حقيقةِ المستعان به والمستعان عليه".

واختتم المؤشر بأن هيئة الشام الإسلامية اجتزأت فتوى من كتاب "الفتاوى" لابن تيمية لتبرير ما ذهبت إليه، حيث أوردت فى هذا السياق قوله: "فمَن ولى ولايةً يقصد بها طاعةَ الله وإقامةَ ما يمكنه مِن دينه ومصالح المسلمين، وأقام فيها ما يمكنه مِن الواجبات، واجتناب ما يمكنه مِن المحرمات؛ لم يؤاخَذ بما يعجز عنه؛ فإنّ توليةَ الأبرار خيرٌ للأمة مِن تولية الفجّار".

جماعات الإسلام السياسى والخلافة العثمانية.. باطل أريد به باطل

ولفت المؤشر العالمى للفتوى إلى تاريخ العلاقة بين جماعات الإسلام السياسى والدولة العثمانية (1299- 1924م)، مؤكدًا أن من أهم أدبيات تلك الجماعات الدفاع المستميت عن الخلافة العثمانية بزعم أنه لم تتعرض دولة فى العالم لمثل ما تعرضت له الدولة العثمانية من حملات ضارية استهدفت التشهير بها والنيل منها، واستشهد المؤشر بما سبق بكتاب أستاذ التاريخ عبد العزيز محمد الشناوي: "الدولة العثمانية.. دولة إسلامية مفترى عليها".

وأوضح المؤشر أن جماعات الإسلام السياسى ومؤلفاتها الداعمة للخلافة العثمانية ضربت عرض الحائط بالوثائق التى تثبت فساد الدولة العثمانية وانحرافهم، ومن أبرز تلك الوثائق تنديد المؤرخ المصرى عبد الرحمن الجبرتى (1753- 1825م) بالحكم العثمانى فى كتابه "عجائب الآثار فى التراجم والأخبار"، الذى ألّفه ليكون وثيقة اتهام تاريخية شاهدة على فضائح وجرائم السلاطين العثمانيين.

وامتدادًا لما سبق، أكد المؤشر أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يريد عودة الإمبراطورية العثمانية من جديد؛ حيث يرى أن العديد من الدول العربية هى إرث عثمانى يرغب فى استعادته واغتصابه؛ موضحًا أنه لم ولن يتوانى عن إحياء حلمه باستخدام كافة القوى، سياسيًّا أو دينيًّا أو، أو حتى عبر القوة الناعمة عن طريق الأعمال الثقافية والفنية، وخير دليل على ذلك مسلسل "وادى الذئاب" ومسلسل " قيامة أرطغرل" الذى أكد الرئيس التركى أنه "ردّ مهم على أولئك الذين يستخفون بقدرات تركيا وشعبها". 

من ناحية أخرى أشار المؤشر العالمى للفتوى إلى قوى ناعمة أخرى يستخدمها أردوغان فى الخطاب الدينى لكن فى أوروبا، لا سيما ألمانيا، وهى قائمة المنظمات والجمعيات التى تتخذها الاستخبارات التركية كواجهات عمل، والتى يصل عددها إلى 15 جمعية مسجلة فى ألمانيا تعمل تحت اتحاد إسلامى تركي.

وأضاف المؤشر أن معظم تلك الجمعيات تعمل وفق أجندة الإسلام السياسى المرتبطة بجماعة الإخوان الإرهابية، بهدف أسلمة المجتمع فى ألمانيا عبر التربية الدينية فى المدارس، والهيمنة على المساجد والمراكز الإسلامية ومجابهة المعارضة التركية مثل جماعة "كولن"، وكذلك الجماعات الكردية.

وتابع مؤشر الإفتاء أن أبرز تلك الجمعيات والمنظمات هي: (الذئاب الرمادية) وقدّر أعضاؤها بما لا يقل عن 10 آلاف شخص، ومنظمة (الاتحاد) ولها علاقة بـ(الذئاب الرمادية)، واتهمت بالعديد من جرائم القتل. ومنظمة (الاتحاد الإسلامى "ديتيب") وهى أكبر رابطة دينية فى ألمانيا، و(مسجد كولونيا) و(مسجد الفاتح) و(مسجد "المعمارى سنان" فى موزباخ)، و"جمعية العثمانيون الألمان" ومنظمة "ميلى غوروش".

وفى نهاية تقريره اعتبر المؤشر العالمى للفتوى أن كل ما سبق يعدّ محاولات يائسة واستخدامًا للغطاء الدينى لتبرئة الرئيس التركى من الاتهامات المتتالية بفساده السياسى، والأزمات التى طالت كافة مؤسسات الدولة التركية.

كما طالب مؤشر الإفتاء بضرورة مواجهة هذا الخطاب الإفتائى المعوج والسقيم والذى يفتش فى النصوص الشرعية عما يبرر به أعمال العنف والقتل، والذى يذهب بالأدلة الشرعية والقواعد الفقهية عن مرادها لترسيخ وتصدير صورة صحيحة لأفعال خاطئة.

 
الفتاوى أحدث أسلحة أردوغان للبقاء فى السلطة
الفتاوى أحدث أسلحة أردوغان للبقاء فى السلطة

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة