مرة أخرى تبدو فاتورة الفزع أضعاف ثمن الحذر والتعامل العلمى والطبى مع فيروس كورونا خاصة المستجد. التعامل من دون تهويل ولا تهوين هو أفضل السبل، لكن يبدو هذا صعبا فى ظل شبكة إنترنت لا تكف عن إنتاج ونشر وإعادة نشر أخبار وتقارير يصعب فيها التمييز بسهولة بين الحقيقة والشائعة.
وربما يتطلب الأمر بعض الثقة فى بيانات الجهات الطبية والرسمية عندنا، من خلال تجارب سابقة، عندما لم تكن هناك حالات كورونا، قالت الحكومة هذا، فى وقت كانت هناك آلاف البوستات والحكايات المفبركة، ولما ظهرت حالات اشتباه أو إصابة تم الإعلان عنها والإجراءات التى تم اتخاذها، ومع هذا تظل هناك منصات تنشر الأكاذيب بتعمد، والهدف إثارة الفزع فى المجتمع، وعلينا التفرقة بين الخوف الطبيعى والقلق الذى يدفع البعض لطرح تساؤلات مطروحة، وبين منصات ولجان ومواقع تتعمد نشر أخبار وتقارير مفبركة تجد طريقها لقناة الجزيرة وأخواتها من منصات الشائعات الكبرى، والتى تترك ما يجرى فى العالم كله وتركز فقط على مصر فقط.
وعلى سبيل المثال أعلنت الحكومة أمس أنه لا نية لاتخاذ قرار بإغلاق المدارس أو الجامعات وأن الموضوع محل دراسة، لكن مواقع « غسيل الأخبار» نشرت صورة لاجتماع الحكومة وزعمت أن هناك قرارا سوف يصدر بوقف المدارس، ورد المتحدث باسم الحكومة الزميل هانى يونس بأنه لا يوجد اجتماع من هذا النوع، ولا قرار حتى الآن بإغلاق المدارس، لكن بعض المنتسبين للصحافة ممن يزعمون «العلم ببواطن الولا حاجة» أعلنوا أن لديهم «معلومات» بوقف الدراسة من مصادر عميقة، وهذه المصادر ليست غير عدة مواقع تبث من الخارج ومعروف أنه من مواقع «غسل الأخبار» التى تفبرك الخبر وتتلقفه الجزيرة وتوابعها لتبنى عليه مناقشات ومجادلات وتستدعى خبراء يقولون نفس الكلام ويبدأون وصلات تحاليل مغسولة.
فى مواقع التواصل الاجتماعى وشبكة الإنترنت من الصعب أن يتمسك الجميع بالمنطق فى التقاط وإعادة نشر أخبار حول كورونا، لدرجة أن بعض العاملين فى الإعلام والصحافة، ممن تمسكوا بقواعد المنطق والمهنة لأيام تساقطت مقاومتهم وأصبحوا يسبحون مع تيار سائد من المعلومات المتداخلة والتى لا يخلو بعضها من كذب ومبالغة وتربص.
وأعرف أنواع من «الفريندز» على مواقع التواصل انضموا لجوقات الضجة بعد ان كانوا ينادون بالموضوعية وحجة هؤلاء مضحكة، لأنهم قالوا «إن دولا عربية اتخذت إجراءات لمنع السفر لمصر بما قد يعنى أنهم يعرفون عنا أكثر مما نعرف، وهى حجة فكاهية لأن هذه الدول مع احترامنا لها ليس لدى أى منهم « محطات رصد» تتفوق على ما لدينا، أو لدى منظمة الصحة العالمية، وكأن هذه الدول «شافت هلال كورونا».
ولا نقول عن كل الأمور مثالية، لكن بعض الدول العربية لديها منشآت طبية حديثة، ومع هذا فإن مواطنيها يعالجون فى الخارج أو يأتون للعلاج بمصر، وإذا كانت لدينا مآخذ وانتقادات لبعض الأمور، فإن هذا لا يفترض أن يدفع البعض للشعور بالدونية أمام أى كلام بلا دليل، ولعل تجربة مصر فى علاج فيروس سى تشير إلى نجاح واضح، نطالب بتعميمه، وهى تجربة يمكن الاستفادة منها فى امتلاك ثقة أمام دول مجاورة أغنى من مصر، ولم تنجح فى تنفيذ برنامج كمثل مواجهة فيروس الكبد.
الأمر لا يحتمل تهوين أو تهويل، فقط بعض العقل والمنطق والثقة بالنفس، والتعامل مع الحدث بما يستحق، ومن دون فزع أو تهاون، مع تقدير لفرق طبية تعمل بكل جهد لمواجهة فيروس يثير رعب العالم كله بما فيه الدول المتقدمة. ومن المهم النظر للأمر من خلال زواياه المتعددة، وأيضا بوصفه حدثا عالميا وليس محليا أو إقليميا فقط.