بعد أن أصبحت كوريا الجنوبية إحدى أكثر الدول تضرراً بفيروس كورونا خارج الصين، تمكنت من خفض عدد الإصابات بشكل كبير فيما سجلت إحدى أدنى نسب الوفيات في العالم، ففي حين بلغ عدد الحالات المؤكدة لديها 7755 إصابة، هي رابع أعلى حصيلة في العالم لكنها لم تسجل سوى 60 وفاة، وهو رقم أدنى بكثير من المعدل العالمي الذي اعلنته منظمة الصحة العالمية.
وبدلا من اتباع التدابير الصينية القاضية بعزل مدن طالها الفيروس، تبنت كوريا الجنوبية نموذج إتاحة المعلومات والمشاركة العامة والفحوصات على نطاق واسع، بحيث يتم الاتصال بجميع الاشخاص الذين اختلط معهم المرضى المصابون بكورونا المستجد وإجراء فحوص لهم.
ترصد تحركات الشخص المصاب في الأيام ال14 السابقة -- من خلال استخدامه بطاقة الائتمان المصرفية، وصور الكاميرات المغلقة وتتبع الهاتف النقال. وتنشر تلك المعلومات على مواقع حكومية مع رسائل نصية تحذيرية ترسل إلى الاشخاص عندما يتم رصد اصابة جديدة في المنطقة التي يعملون أو يعيشون فيها، ويثير هذا الإجراء قلقا إزاء مسألة الخصوصية، لكنه يمكّن الناس من التقدم لإجراء فحوصات.
تبلغ كلفة الفحص قرابة 160 ألف وون (134 دولاراً أميركياً) لكنه يُتاح بالمجان لمن يُشتبه بإصابتهم ومن خالطوا أصحاب الحالات المؤكدة، أو الذين تأتي نتيجة فحصهم إيجابية، ما يشجع المشاركة.
أجرت كوريا الجنوبية اختبارات تشخيص بشكل أسرع من أي دولة أخرى -- حوالى 10 آلاف فحص يوميا -- ويقول الخبراء إنها ساعدت السلطات في الرصد المبكر للمرضى وتتبع بؤر الوباء.
يمكن لكوريا الجنوبية إجراء أكثر من 15 الف فحص تشخيص يوميا، وأجرت 220 ألف فحص حتى يوم الأربعاء. لديها أكثر من 500 مختبر مخصصة لإجراء الاختبارات، بينها أكثر من 40 مرفقاً يمكن الحصول على الخدمة فيها عبر المرور بالسيارة (درايف ثرو) ما يقلل من الاحتكاك بين المرضى والأطقم الصحية.
استفادت كوريا الجنوبية من تجارب سابقة، فقد عانت من نقص في معدات الفحص خلال أزمة فيروس ميرس (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية) ما دفعها لاعتماد نظام لتسريع عمليات الموافقة.
خلال أسابيع من تفشي الفيروس الذي ظهر أولا في الصين، أعطت الحكومة موافقة عاجلة لأجهزة اختبار تم تطويرها حديثا لفحص الاصابات بكوفيد-19 وإظهار النتائج في ست ساعات وأتيحت للعيادات.
وهناك العديد من العوامل وراء النسبة المتدنية بشكل غير اعتيادي للوفيات -- 0,77% مقارنة مع 3,4% على مستوى العالم. الرصد المبكر يسمح بالعلاج المبكر، والفحوص الواسعة النطاق تعني رصد الحالات الخفيفة أو من دون أعراض ظاهرة، وهذا يرفع العدد الاجمالي للاصابات المسجلة وبالتالي تتدنى نسبة الوفيات.
إضافة إلى ذلك فإن المصابين في كوريا الجنوبية لديهم قواسم فريدة: غالبية الإصابات هي لنساء ونصف المصابين هم دون سن 40 عاما، ويقول المسؤولون أن ذلك مرده إلى أن أكثر من 60 بالمئة من الإصابات مرتبطة بكنيسة مسيحية تٌعتبر طائفة سرية، وومعظم أعضاء الكنيسة نساء والغالبية في العشرينات والثلاثينات من العمر.
وتبقى نقطة مهمة وهى إمتلاك كوريا الجنوبية أفكارا مبتكرة وقوى تقنية مميزة، لاستخدامها في حربها ضد الفيروس بشكل يجذب انتباه غيرها من الدول، فرغن حلولها في المرتبة الثانية من حيث عدد المصابين بالفيروس بعد الصين، الا أن كوريا الجنوبية تمتلك بعض تدابير الحجر الصحي المبتكرة وطرق تطبيق اختبارات الفيروس تسببت في ضجة عالمية.
ويعد إجراء الفحص على السائقين أثناء القيادة واحدا من التدابير التي جذبت انتباه العالم، حيث يمكن للمواطنين إجراء الفحص وهم داخل سيارتهم، ما دفع بعض البلاد إلى مراجعة هذه الفكرة لتقييمها، ووصف جيفري جونز، الذي يدير الغرفة الأمريكية للتجارة في كوريا الفكرة الكورية بأنها "طريقة مبدعة"، في الوقت الذي وصفتها فيه لورا بيكر مراسلة قناة البي بي سي بأنها "فكرة ذكية" على حسابها على تويتر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة